2012/07/04

الدراما من الدفاع إلى الهجوم والمواجهة
الدراما من الدفاع إلى الهجوم والمواجهة


عمر محمد جمعة - البعث


لم تكن رواية “الجذور” التي تحوّلت فيما بعد إلى عمل درامي، وكتبها الأمريكي أليكس هايلي بعد زيارته لقرية جده “كونتا كنتي” في دولة غامبيا بإفريقيا هي المواجهة الأولى والأخيرة بين أحفاد الزنوج المُسْتَعْبدين المضطهدين والبيض الأمريكيين الذين زيفوا التاريخ وزوّرا حقائقه. فقد شكّل مسلسل “الجذور” صدمة كبيرة للضمير الإنساني وكشف فصولاً كاملة عن بشاعة العنصرية والاضطهاد اللذين مارسهما أولئك البيض ضد جده “كونتا كنتي” بعد أن سُرق من قارة إفريقيا لينقل بحراً إلى أميركا ويعمل عبداً في حقول الأمريكيين.

كما لن تكون محاولة المخرج المبدع نجدت أنزور في فيلمه المثير للجدل “ملك الرمال” المحاولة الأولى والأخيرة في مقاربة تاريخ المنطقة في عمل كتب السيناريو له شاب سعودي اسمه كريم الشمري، ويروي سيرة الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، وقصة عودته من منفاه في الكويت إلى الرياض بمساعدة عميلي المخابرات البريطانية جون فيلبي وبيرسي كوكس ليبدأ تثبيت العرش السعودي المستمر حتى اليوم، بما حملته سيرة آل سعود من غدر وخيانة وتآمر، بدءاً من بطش جيش “الإخوان” الذي أسّسوه بقيادة فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير وسلطان بن بجاد رئيس قبيلة عتيبة وارتكب أفظع المجازر ضد قبائل وعشائر الجزيرة العربية، مروراً بقتل هؤلاء القادة (الشهود) واغتصاب نساء من تمرّد على آل سعود من جيش "الإخوان"، ووصولاً إلى تسليم فلسطين ومنح اليهود وعداً بإقامة وطن قومي لهم، قبل وعد بلفور المشؤوم بسنوات.

ونجزم أن هذا الفيلم يندرج ضمن مشروع نجدت أنزور في الإضاءة على الإرهاب وصنّاعه وداعميه ومرجعياته، وسبق أن عاينه في "وما ملكت أيمانكم" و"الحور العين" وسواهما، ولاسيما أننا بتنا ندرك أن من يقود العمليات الإرهابية في بعض المدن والبلدات السورية اليوم هم من المتأثرين بالفكر الوهابي التكفيري الذي أنتجه آل سعود بالتواطؤ مع هيئات استخبارية أمريكية وبريطانية، وكانت آخر تقليعاتها فتوى هدم الكنائس واستباحة دماء الناس الأبرياء!!.

غير أن السؤال الذي يستدعي إجابة عاجلة، خصوصاً وأن الدراما باتت اليوم عاملاً مرجحاً في تشكيل وعي المجتمع عامة والشباب خاصة: ما الذي أعددناه – في الدراما السورية-لمواجهة مثل هذا المد، ومقاربة التاريخ المزيف، الذي شوّه الإسلام وأساء لصورة المسلمين، حتى صار الإرهاب والقتل (جهاداً) والدفاع عن الوطن والكرامة (إرهاباً)؟!!.. وما هو ردّ الدراما على ماتعرّضت له سورية في حقبات سابقة وصولاً إلى ما يجري اليوم من أحداث مؤسفة مؤلمة؟.

لقد قدّم نجدت أنزور سابقاً مسلسل "أخوة التراب" الذي  كان إدانة صريحة لفترة الاحتلال العثماني للوطن العربي، حيث أظهر الظلم الكبير الذي مارسه هذا الاحتلال على أجدادنا في تلك الحقبة، والتي كان من علاماتها حملة الإعدام لشهداء 6 أيار التي قام بها جمال باشا السفاح، إذ أعدم عدداً كبيراً من المثقفين والشعراء في دمشق وبيروت وفي يوم واحد.

وفي بداية عام 1997 قدّم هيثم حقي ونهاد سيريس "الثريا" الذي سلّط الضوء على نزعة الاستعلاء التي تعامل بها الباشاوات الأتراك مع الفلاح بل المجتمع السوري برمته. وفي الإطار ذاته كان مسلسل "أيام الغضب" للمخرج باسل الخطيب الذي تحدّث عن فترة الاحتلال الفرنسي لسورية ومارافق ذلك الاحتلال من جرائم وانتهاكات.

وهذه الأعمال –على سبيل المثال لا الحصر- في زعمنا كانت محض دفاع عن وجودنا وإدانة ومحاكمة ناعمة لتلك الحقب الغابرة، لم ترقَ على أهميتها وتقديرنا العالي لجهد صانعيها إلى أن تُحدث صدمة تخلخل الوعي الإنساني وتهزّه كما فعل مسلسل "الجذور" عن رواية أليكس هايلي، أو ما سيحدثه "ملك الرمال" إذا قُيّض له أن يُعرض في دور العرض والمهرجانات المختلفة.

على أنه وفي المقابل قدّمت الدراما السورية مايشبه صكوك غفران جمّلت صورة بعض جواسيس الغرب مثل "لورانس العرب" الذي كتبه هوزان عكو وأخرجه ثائر موسى، و"سحر الشرق" الذي كتبه عمار ألكسان وريم حنا وأخرجه أنور القوادري وعرض فيه لحياة الليدي جين ديغبي، وركزت على مفارقة وحيدة يتيمة أن الشرق سحر هؤلاء حتى أوصل ديغبي مثلاً للزواج من الشيخ البدوي مجول المصرب.

ربما لن نختلف على أن الدراما حمّالة أوجه، غير أن توخي الدقة والحقيقة بعيداً عن أي مكسب يمكن أن تحقّقه مثل هذه الأعمال يجب أن يضع حقائق التاريخ في محرق الانتباه. فالمسلسل الأول صوّر لورانس على أنه عاشق للصحراء العربية يحب التمر ويعيش تماماً مثل العرب، وأنه متعاطف مع "الثورة العربية"، وأن حكومته خانته وخذلته، وفوجئ بقرارات التقسيم وأن المخابرات البريطانية لم تكن قد سلّمته المخططات السرية، التي أسّست لتغيير خارطة المنطقة. في حين أن الحقائق والوثائق تقول إن لورانس الذي أدرك طبيعة مهمّته جيداً منذ البداية كان جاسوساً يهودياً سعى مع غيره من جواسيس الغرب وعلى رأسهم الشقراء اليهودية سارة أرونسو عشيقة جمال باشا السفاح إلى تقويض الوجود التركي في الشرق وصولاً إلى تفكيك الأمبراطورية العثمانية التي كانت تحول دون تقسيم الوطن العربي وفق خارطة "سايكس- بيكو" أي أنه كان يعلم علم اليقين بما ستؤول إليه الأمور!!.

فيما أسطر الثاني شخصية الليدي جين ديغبي المأخوذة والمولعة بسحر الشرق، والتي هجرت أمجادها الشخصية، وجاءت لتعيش في خيام بادية تدمر وفي أحياء دمشق القديمة. في حين لا يخفى على قارئ التاريخ أن جولاتها وتنقلاتها بين صحراء تدمر والمدن السورية كحمص ودمشق، حيث أقام الشيخ مجول وزوجته ثلاث سنوات في حمص (1867-1869م) ثم انتقلا إلى دمشق، لم تكن تلك التحركات إلا بتعليمات من المخابرات البريطانية التي كانت تخوض صراعاً على النفوذ مع الأتراك للسيطرة على الشرق عامة وطرق الحرير خاصة.

إذاً.. نحن لا نتهم أحداً، من صنّاع الأعمال السابقة، في ثقافته أو مهنيته أو وطنيته، بيد أنه لابد من التأكيد أن المطلوب من الدراما أو السينما السورية –كما نعتقد- وقد تكشّفت الكثير من أوراق تزييف التاريخ وكذب قداسة بعض الرموز والشخصيات التي ساهمت في خراب المنطقة العربية أن تبادر وتنتقل من الدفاع وتمجيد البطولات والقيم إلى الهجوم لتعرية هذا التاريخ المزيف وفضح رموزه وهتك قداستها الكاذبة.. فأكبر الظن أن التاريخ العربي سيظل خجلاً من أن تسود صفحاته بسير وحكايات مشايخ وملوك العروش الساقطة الذين تلطوا ردحاً من الزمن خلف الدين الحنيف وادعاءات الحرية والعدالة والديمقراطية!!.