2012/07/04

الروائية لينا هويان الحسن
الروائية لينا هويان الحسن

عندما تقول (بدو) كأنك تقول ألف ليلة وليلة. حتى مصممي الأزياء استوحوا ألوانهم من الصحراء. عندي من النرجسية ما يكفي لأن يكون القارئ متفرغاً لقراءة روايتي. أنا لست معنية بأمراض الوسط الثقافي. قد أتفاجئ أن الوسط الثقافي في سورية قد انحدر لمزيد من السوء. الرجل أجمل ما حدث في حياتي. لو أني كنت بحالة عوز لانشغلت بعوزي, فالجائع يعمل ليسد رمقه. كتاب السيناريو يكتبون وفي ذهنهم الشيك الذي سيقبضونه مجرد انتهائهم من كتابة السيناريو.                            خاص بوسطة-وسام كنعان               في حوران وحلب، والساحل السوري... كانت صورة القبب الطينة ، ورحلة الشمس نحو الأفق على إيقاع بدوي... لا تفارق مخيلة (لينا هويان الحسن) الطفلة التي لم يحالفها الحظ بسؤال تقليدي واحد حول ما تحب أن تصيره  في المستقبل ، لذا خبئت طموحاتها بموازاة ترحال عائلتها من محافظة لأخرى، بحكم عمل والدها حتى صادفها ظرف مكنها من البوح.. فباحت: أحلم أن أصبح رسامة... والحلم مازال ينام عند ضفتي مخيلتها التي تنضح بشخصيات حقيقية، توثق لحياة شعب هم البدو... من معشوقة الشمس إلى بنات نعش إلى روايتها الأخيرة سلطانات الرمل وما تزال ذاكرة الروائية السورية الشابة تختزن الكثير والكثير من لحظات طفولتها، وأيام دراستها للفلسفة بجامعة دمشق.. أكثر تلك اللحظات حضوراً لحظات افتتاحها لمعارضها التي كانت تنظمها في الجامعة، هناك أرادت أن تميز اسمها عن اسم إحدى زميلاتها التي حملت نفس الاسم والكنية، فربطته باسم بدوي جميل هو اسم والدها العاشق هويان... في أردئ الأماكن العامة، وأكثرها صخباً، وربما تلوثاً، اخترت أنا ولينا أن نتقاسم دفئ المكان ونتجاذب أطراف الحديث وحميمية الذكريات وألق الطموحات... دون أن ننعم بدقائق متتالية بعيداً عن مقاطعة أحدهم.. الروائية السورية الشابة وهذا الحوار الخاص لبوسطة:    رواية "سلطانات الرمل" هي خطوتك الثالثة على طريق كتابة النص الصحراوي بعد "معشوقة الشمس", و"بنات نعش"، والتي تتحدث عن المجتمع البدوي الواسع الذي لم يقدم الأدب والدراما عنه صور واقعية لها علاقة بالتوثيق الحقيقي, كيف تصفين تلقي القارئ لأعمالك؟  رواية "بنات نعش" طبعت ثلاث مرات إضافة إلى ذلك كل من قرأ "بنات نعش" قرأ "سلطانات الرمل" والعكس صحيح, فعندما تقول (بدو) كأنك تقول ألف ليلة وليلة, كما أن عالم الصحراء عالم واسع جذب إليه الكثير من الأدباء والمبدعين السرياليين والوجوديين, أمثال رامبو ومارتين ونرفال , وحتى مصممي الأزياء استوحوا ألوانهم من الصحراء فمثلاً إيف سان لوران عاش طفولته في الجزائر, وطلب أن يدفن في المغرب, وأيضاً هناك الشخصيات البدوية التاريخية , مثل عنترة وعبلة, وأبو زيد الهلالي, والزير سالم التي أحبها الناس لأنها تنتمي للصحراء . في هذه الرواية تشعب, وتنوع, ومجموعة كبيرة من الشخصيات, ومن وجهة نظري ليست كأية رواية عادية نستطيع قراءتها في أوقات الفراغ، ذلك لأنها بحاجة لقارئ صافي الذهن ليستطيع أن يتواصل مع كل الشخصيات, فما رأيك؟ أنا لا أكتب رواية لتكون عادية, وعندي من النرجسية ما يكفي لأن يكون القارئ متفرغاً لقراءة روايتي, وللأسف اعتاد القارئ العربي على النصوص التي تعتمد على الخيال الآني, والمؤقت, والتي تـُقرأ في ساعة ونصف. كما أني تحدثت عن عالم البدو الذي لا أريد مسخه من أجل تقليد أحد, فهناك كتـّاب روايات قصيرة سرعان ما اختفوا, وفي المقابل هناك روايات تقرأ في نصف ساعة, وعدد صفحاتها لا يتجاوز السبعين وهي من أجمل الروايات مثل بعض روايات ديستويفسكي وبوشكين والتي لا تفارق ذهنك طوال العمر,  فهي مكثفة يجب قرأتها بنفس واحد وذهن صافي. كونك إعلامية وروائية حتماً تعرفين أنه ليس لدينا في سورية صناعة نجم, وبأنه ليس هناك حجم قراءة كبير, فما هي الخطوات التي اتبعتها لتصبحين معروفة ومقروءة ؟  أرغب، مثل أي كاتب، أن تكون رواياتي مقروءة, وعملي في الصحافة جعلني معروفة, وبالنسبة للقارئ أنتقد من يتهمه بأنه أمّي لا يقرأ, بل وأراهن على ذوقه,  فعندما يشيع خبر بأن هناك عمل ملفت نرى الناس مقبلين على قراءته. وهذا ما يحدث مع روايتي "سلطانات الرمل" حالياً. أنت تكتبين زاويا رأي في أكثر من جريدة وموقع إلكتروني وهذا ربما يسبب لك عداوات بسبب الفهم الخاطئ  في بعض الأحيان, كما حصل في أحد المرات حيث كتب عنك أحدهم (رأي مسبق) قبل قراءته لروايتك, فكيف تتعاملين مع هذا الموضوع؟ سأستخدم ميزة (البدوي) الذي يملك من التعالي ما يكفي لأن يكتب ما يراه أنه الحق والصحيح, والذي لا يجامل الباطل, فعندما تكلمت عن الأدب النسوي الرديء اكتشفت أن هنالك أكثر من عشر كاتبات اعتقدن أنهن المعنيات, هذه مشكلتهم, وأنا لست معنية بأمراض الوسط الثقافي. هل تفكرين بالسفر إلى مكان آخر لا توجد فيه عداوات كمدينة بيروت مثلاً , فربما يدفعك ذلك لتقديم نتاج أفضل؟ كل مكان في العالم غدا مزحوما بالعداوات، وعداوة الكار عداوة قديمة ولا أعول بالمطلق على أن يتحول سكان وسطنا الثقافي إلى ملائكة, أمنياتي في المستقبل أن أعيش في مكان هادئ على شاطئ البحر, مع زوج رائع, وأن يكون لدي طفلين, وأملك قطة وكلب. وبالنسبة للوسط الثقافي في سورية, فسوف أتفقده من حين لآخر, لأطمئن على حاله, الذي لن يتغير أو يتطور أو قد أتفاجئ أنه انحدر لمزيد من السوء. معروف عنك كثرة اعتذارك عن حضور المؤتمرات الأدبية بالعموم ما مشكلتك مع هذه الأجواء؟ أنا انتقائية وحسب, ولا أعتذر عن كل المؤتمرات وأنا على يقين أن المؤتمرات لا تصنع كتاباً وروائيين, فأنا أحب الفردية (أحب أن آخذ غزالي وآكله على الشجرة دون مشاركة أحد), كما يجب على الكاتب أن يكون صاحب مشروع حقيقي، الأمر الذي لن يتحقق من خلال المؤتمرات التي تتيح فرصة للتعارف لا أكثر ولا أقل. ظهرت قدرتك على تصوير لحظات حميمة بين الرجل والمرأة, فما هي الآلية التي عملت عليها, لإيصال هذه التفاصيل,وهل هي مهمة في الرواية, خاصة أن هناك كتاب يعتمدون على هذه التفاصيل بكامل الرواية؟ هذه اللحظات تأتي عفوية, وتلقائية, ومن حق الكاتب الاحتفاظ لنفسه كيف يكتب هذه التفاصيل, حتى لا يخرِّب على القارئ متعة القراءة, في "سلطانات الرمل" مُدحت (الايروتيكية) الموجودة فيها, وهذا ما كنت أتمناه وهو أن يشعر القارئ بشخصية من لحم ودم, وهذا الشق (الإيروتيكي) سبب لي مشكلة مع العشائر المذكورة في الرواية: مثلاً لم يعترض أهل الأمير أحمد أبو ريشة من عشيرة الموالي على سيرة الأمير, ولكن اعترضوا على مقطع صغير وهو الذي وصفتُ فيه الليلة الأولى للأمير مع (حمرا الموت) التي حارب من أجل الحصول عليها. ومع أني حاولت أقناعهم بوجهة نظري أصروا على موقفهم المعترض. كروائية، لي الحق بأن أجعل بطلي حقيقي وله حضوره الصحيح بالطريقة التي أراها مناسبة, فهذا يشعرني بالسعادة. نحن نسعى في الحياة لتحيق توازن معين مع الطرف الآخر, فما أهمية الرجل في حياة لينا؟ الرجل أجمل ما حدث في حياتي, بدايةً بأبي, ومروراً بأبناء عمومتي، هؤلاء البدو الذين فتحوا عينيّ على نمط من الذكورة الواضحة, والتي علمتني الكثير, وانتهاءً بالرجل الذي عشقته. هنالك عبارة تقول: "إن الإبداع يخلق في رحم المعاناة والفقر" فمثلاً جان جنيه كان لقيطاً, ووضعه الاجتماعي سيء, ولكنه كتب أجمل المسرحيات العالمية,أما أنت، كما أعرف، وضعك الاجتماعي والمادي مريح, فما هي وجهة نظرك بذلك؟ من الممكن لو كنت من سكان العشوائيات لكتبت ما يشبه رواية محمد شكري: الخبز الحافي المليئة بالألم, ولكن الوضع الذي أنا موجودة فيه كان من حسن حظي, والذي ساعدني لأبحث في الماضي, والتاريخ القريب والبعيد لأكتب "سلطانات الرمل" و"بنات نعش"، ومن الممكن لو أني كنت بحالة عوز لانشغلت بعوزي, فالجائع يعمل ليسد رمقه. ألا تشعرين أن هناك قضايا معاصرة تجذبك أو تستفزك للكتابة عنها, كونك صحفية وروائية, وأنت ابنة هذا العصر؟ أنا مؤمنة بهذا الكلام, وهناك مشاريع في ذاكرتي لم تنجز بعد, ولكن أعتبر نفسي الكاتبة الوحيدة في جيلها التي لم تخف من الالتفات إلى الماضي والكتابة عنه, أما الحاضر فقد أصبح مبتذلاً من كثرة ما كتب فيه من خواطر يروج لها أنها روايات؟ يصفون الدراما التلفزيونية بأنها (فن الثرثرة الجميلة) فهل تفكرين بتحويل روايتك إلى عمل تلفزيوني؟ إن الدراما خلقت تحدٍ بجودة العمل الروائي, فكاتب السيناريو ليس كالكاتب الروائي, وهناك روايات تحول بسهولة لأعمال درامية, لأنها مكتوبة أصلاً بما يشبه الدراما, وأيضاً هناك روايات مهمة حولت لأفلام سينمائية وفشلت، كرواية ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"، فالعدسة لا تستطيع تصوير كل ما يتخيله القارئ في الرواية, ولا أقبل تصوير أية رواية في الوقت الحالي, وإن حدث فبشروط خاصة, وصعبة, ذلك لأني لا أريد أن أحط من قدر رواياتي. هل قمت بوضع إستراتيجية لعملك, أو أنك ابنة اللحظة وتنتظرين الإلهام؟ من الصعب القول أني ابنة اللحظة, وإني أنتظر الإلهام, ففي رأسي مكتبة أرشيفية هائلة أخزن فيها كل ما قرأت, وشاهدت, وعشت. وعندما أمسك بالقلم تحضر الذاكرة فوراً إلى أوراقي, فروايتي الأخيرة استغرقت مني تسعة أشهر من الكتابة على الورق, ولكنها كانت تتراكم في ذاكرتي لسنوات . استندت في أجزاء روايتك على كتابات المستشرقين والمؤرخين هل كنت واثقة من هذه التقارير؟ معظم ما استندت إليه كان مجرد تقارير خاصة بالمستشرقين الذين كانوا في الأصل جواسيس لحكوماتهم, وهؤلاء لن يكذبوا على الحكومات. ما رأيك بالدراما البدوية, والتي يبذخ عليها الكثير من الأموال لتظهر بهذا الشكل, وتستقطب المشاهد, وهل تخافين أن تقارن أعمالك الأدبية بالدراما التلفزيونية؟ أنا أعتقد أنها اعتمدت على أقلام غير محترفة, ومولعة بالفانتازيا، كما أعتقد أن المخرجين, والممثلين السوريين هم الذي أجادوا. على صعيد النصوص نحن نفتقد لكتاب ذوي اطلاع كافي. يكتبون وفي ذهنهم الشيك الذي سيقبضونه مجرد انتهائهم من كتابة السيناريو, طبعاً هذا الكلام لا يشمل كتاب مثل نهاد سيريس أو الراحل ممدوح عدوان في مسلسله الزير سالم. كذلك لدينا كتاب شباب وجدد محتمل جداً أن يطوروا في جودة (درامانا). هل هناك من زودك بمعلومات ساعدتك عند كتابة الرواية؟  قمت بالاستعانة بأقاربي الذين أعطوني معلومات عن (الكلاب السلوقية, والصقور, والأسلحة)، وفي معرفة طباع أهل الصحراء, وطرق الصيد المتبعة. ماذا تحبين أن تقولي للقارئ؟ الشيء الذي أريده هو أن أبقى على تواصل مع القراء, وأن أكسر( تابو) الأدب الرديء الخالي من المضمون, وأنا أعرف أن مهمتي صعبة, وهذا يعطيني مزيداً من النشاط لأستمر بكتابة أعمال تعيد للقارئ الثقة بالرواية العربية. ما رأيك بموقع بوسطة من وجهة نظرك كصحفية؟ أنا أولاً وأخيراً صحفية, وعيني تبحث عن العنوان المميز باعتباره بوابة المقالة. وفي الشريط الإخباري الخاص بالموقع العناوين الاحترافية المكثفة التي تسبق الوسط الصحفي المتخصص بالدراما. شكراً لينا