2013/05/29

الرواية التلفزيونية.. حكاية فن لم يولد من الخاصرة
الرواية التلفزيونية.. حكاية فن لم يولد من الخاصرة


لؤي ماجد سلمان – تشرين

الاستناد على نصوص أدبية في الأعمال التلفزيونية لخدمة الدراما، ليس جديداً، إذ تعود أول تجربة في سورية إلى عدة عقود خلت،

أي في سبعينيات القرن الماضي في مسلسل «أسعد الوراق» بطولة الراحل الفنان هاني الروماني ومنى واصف، سيناريو وحوار الأديب الراحل عبد العزيز هلال عن رواية «الله والفقر» للكاتب صدقي إسماعيل، الذي قام بإخراجه آنذاك المخرج علاء الدين كوكش.. وبعد ما يزيد على ثلاثين عاماً أُعيد إنتاجه بتوقيع المخرجة رشا شربتجي، سيناريو هوازن عكو، برؤية جديدة وبساعات عرض تلفزيونية تضاعف العرض الأول عدة مرات تناسب ما عرفناه لاحقاً بالموسم الرمضاني، كما تمت إعادة إنتاج مسلسل «دليلة والزيبق» المستقى من السير الشعبية و كتاب «ألف ليلة وليلة» بتوقيع المخرج سمير حسين وللسيناريست ذاته.

بعضهم عدها ظاهرة إفلاس فكري عند كتاب النصوص التلفزيونية، وبعضهم الآخر عدّها إعادة إنتاج نصوص أدبية لأهمية ما تطرحه من قضايا ذات مضامين فكرية قريبة من المجتمع، لكن، لماذا لا تتم العودة والبحث عن نصوص نثرية جديدة تحمل بين صفحاتها أفكاراً مختلفة تطل على المجتمع، ليتم تحويلها من مادة مكتوبة إلى صورة بصرية، ومن لغة الكلام إلى لغة الصورة؟

لماذا نتعمد إهمال الأعمال الأدبية السورية التي تعبّر عن هوية مجتمعنا، ونبحث عن سيناريوهات على قياس وتخيلات بعض جهات الإنتاج المُستعربة، التي تطلب تفصيل رداء درامي لشهواتها، مع أننا لسنا من خليج بريخت النفطي، وأعمالنا السابقة التي تحولت من نصوص روائية إلى أعمال ومشاهد تنبض بالصور الحية على يد محترفين بالسيناريو و الإخراج؛ أثبتت نجاحها و تفوقها على الأعمال التي ولدت من فضاءات متخيلة؟! نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أعمال الروائي حنا مينه «نهاية رجل شجاع»، «بقايا صور»، و«المصابيح الزرق» التي عرضت مؤخراً، والأعمال التي حولها الأديب الراحل ممدوح عدوان إلى الشاشة الصغيرة كالملحمة الدرامية الشهيرة «الزير سالم»، والمسلسل المعروف «الدوامة» المأخوذ عن رواية «الضغينة والهوى» للروائي فواز حداد، وقدم أيضاً للدراما التاريخية سيرة الشاعر «المتنبي» برؤية جديدة أخرجها المثنى صبح، وعن رواية «أحلام الغرس المقدس» قدم المخرج باسل الخطيب العمل الدرامي «أنا القدس» ورواية الأديبة ألفت الإدلبي «دمشق يا بسمة الحزن»، و«السنوات العجاف» عن رواية «الحفاة وخفي حنين» للروائي الراحل فارس زرور، كما حوّلت أعمال أدباء إلى دراما تلفزيونية؛ فقدم المخرج علاء الدين كوكش «حكايا الليل و النهار» عن أفكار الكاتب الراحل محمد الماغوط، و «أقاصيص المسافر» لزكريا تامر... أيضاً تمت صياغتها في عمل تلفزيوني درامي بعنوان «حارة الياقوت».

نلاحظ مما ذكرناه الإمكانية التي يتمتع بها الكاتب السوري في تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال تلفزيونية؛ حتى ولو لم تكن أعمالاً روائية خالصة، أو أعمالاً روائية ضعيفة، أو حتى لا ترتقي لتظهر على الشاشة الفضية، حولها الكاتب السوري بمهارة إلى عمل مشوق كرواية «ذاكرة الجسد» التي قدمت لها الكاتبة السورية ريم حنا معالجة درامية. وأضافت عناصر وأحداثاً، وانفعالات خدمت النص الأصلي، وبخبرة المخرج نجدة أنزور شاهدنا صورة بصرية ورؤية إخراجية أضافت بعداً جديداً للعمل وقربته لعين المشاهد، ورسخته في ذاكرته.

ربما كان على صناع الدراما الاطلاع على ما نمتلك من إرث أدبي ضخم يستطيع أن يطور أعمالنا الدرامية فكرياً واجتماعياً وثقافياً، وبدورها الدراما تحول الأبطال الوهميين إلى أشخاص من لحم ودم، وتحول الفن النثري الأدبي إلى نص فني مرئي،عبر قوة الشاشة التي تضاهي مئات دور النشر والمكتبات في وصول الأعمال الأدبية إلى الملايين، وتقدم لمدمني التلقي أعمالاً أدبية ذات جوانب فكرية وواقعية تزيد من ثقافة المشاهد من ناحية وتعرفنا على أعمال سورية ولدت من العقل لا من الخاصرة، ولم تبللها أمطارنا الموسمية الساخنة.