2012/07/04

السينما السورية ليست للبيع ولن تكون كما يريدها الآخرون
السينما السورية ليست للبيع ولن تكون كما يريدها الآخرون

خاص بوسطة - عوض القدرو

منذ نشأتها الأولى ولغاية تاريخ هذا اليوم بقيت السينما السورية ذات نهج ورؤية واضحة تعبّر عن همّ الشارع السوري كما أرادها صُنّاعها. سينما لم تثنها يوماً أيّ إغراءات للابتعاد أو التخلّي عن هدفها أو رسالتها، والتي من خلالها وصلت إلى العديد من المحافل السينمائية العربية والإقليمية والدولية. سينما رسمت لنفسها هوية خاصة بها على الرغم من قلة إنتاجها وعلى الرغم من قلة توفّر الإمكانيات التي تجعل منها سينما غزيرة الإنتاج وسينما منافسة بالسوق العربية.

وجعلت الحكومة السورية موضوع السينما السورية من ضمن أولوياتها، وذلك من خلال مرسوم إحداث المؤسسة العامة للسينما في نهاية الستينيات من القرن الماضي، وتمّ تزويد هذه المؤسسة بكل المستلزمات المتُاحة لصناعة سينما سورية، من خلال توفير الهيكلية الإدارية والفنية والتقنية اللازمة لها، وأوفدت الدولة مجموعات كثيرة من الشباب السوري لدراسة كافة فنون السينما في كل معاهد السينما في أوروبا ليعودوا بعدها سينمائيين بمختلف الاختصاصات (إخراج، تصوير، مونتاج، سيناريو..)، وتمّ إيفاد البعض لاتباع دورات تدريبية قصيرة لدراسة علوم السينما.

في تلك الفترة، لم تتوقف المؤسسة العامة للسينما عن الإنتاج السينمائي، وأنتجت مجموعة من الأفلام القصيرة من خلال المخرجين الذين درسوا السينما قبل إحداث المؤسسة العامة للسينما، واستعانة المؤسسة ببعض المخرجين العرب والأجانب لإنتاج بعض الأفلام الروائية الطويلة كما حدث في «سائق الشاحنة» أول إنتاج روائي طويل للمؤسسة، وتجلّى الهم الوطني والعربي أكثر وأكثر عندما قامت المؤسسة العامة للسينما بإنتاج واحد من أهم أفلام السينما العربية وهو «المخدوعون» للمخرج المصري توفيق صالح والمأخوذ عن قصة للكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني.. وفيما بعد تم إنتاج «كفر قاسم» للمخرج اللبناني برهان علوية والذي يعتبر أيضاً من أهم أفلام السينما العربية، وقد حقق الفيلمان المذكوران جوائز كبيرة ومهمة في مهرجانات عربية ودولية وإقليمية، ولم تلجأ مؤسسة السينما السورية إلى مخرجين من دول أوروبية معينة للاستعانة ببعض المخرجين أو لطلب شراكة في إنتاج بعض أفلامها لكي لا تضع نفسها وفق شروط وما يريد الآخرون.

وبدأت بشائر الشباب السينمائي السوري بالعودة إلى سورية بعد الانتهاء من دراستهم والعمل والتحضير لمشاريعهم السينمائية التي تعبر عن هم الشارع والمواطن السوري.. وإذا استرجعنا ذاكرة السينما السورية سواءً من حيث الأفلام القصيرة أو الروائية الطويلة، لن نلمس أو نشاهد ضمن مواضيع تلك الأفلام أي بلورة لسياسة الدولة، وإنما كانت أفلام تعبر عن أحلام وهموم المواطن السوري وهم ذلك السينمائي الذي يصنع تلك الأفلام. وهناك بعض الأفلام القصيرة الشاهدة ليومنا هذا على التوجّه السينمائي لسينمائي سورية.. فمن «يوم في حي شعبي» و«دمشق يا دمشق» و«العودة» لمروان حداد إلى «قنيطرة 74» لمحمد ملص و«اليوم كل يوم» لأسامة محمد و«أيدينا وأمنياتهم» لعبد اللطيف عبد الحميد و«المرأة عنها» لسمير ذكرى و«نابالم» و«الصخر» لنبيل المالح و«الشاهد» لريمون بطرس و«يوميات جولانية» و«البراعم» لغسان شميط نلاحظ عند مشاهدتنا لتلك الأفلام أن هناك هماً معاشاً وحلماً بغدٍ أفضل.

وأتت مرحلة الأفلام الروائية الطويلة... مروان حداد في «الاتجاه المعاكس» يعبّر عن نكسة 67 على المواطن العربي السوري. بشير صافية يرصد حياة المراهقين العبثية من خلال فيلم «الأحمر والأبيض والأسود»، ويأتي وديع يوسف ليطرح الفساد الإداري والاجتماعي من خلال فيلم «المصيدة». وتأتي كل تلك الأفلام طبعاً بعد البداية الحقيقية للسينمائي السوري الذي أراد قول وطرح ما يريد من خلال فيلم «الفهد» و«السيد التقدمي» لنبيل المالح.. وطبعاً هناك أفلام صنعت وسبقت عصرها في ذلك الوقت مثل فيلم «يوم في حياة قرية سورية» و«الدجاج» لعمر أميرلاي.. وأتت مرحلة محمد ملص وعبد اللطيف عبد الحميد وأسامة محمد وسمير ذكرى ورياض شيا وريمون بطرس وماهر كدو ليخطوا عصراً جديداً بصناعة السينما السورية ويشيروا وليقولوا بالصوت الأعلى هنا الهم والألم وهذا هو الحلم والأمل من خلال أفلام قدموها وصنعوها من أموال الدولة.. أفلام لا تجرؤ على إنتاجها أية جهات حكومية أو مستقلة خارج سورية، ومن يشاهد تلك الأفلام اليوم يعرف تماماً ماذا أعني وماذا أقول.. وبقيت تلك الأفلام شاهدة على العصر حتى يومنا هذا وستبقى أفلاماً من صناعة سورية خاصة تعبّر وتحمل هم المواطن السوري.. ولم تستعن هذه السينما بأيّ تمويل خارجي أو خبرات خارجية لصناعة أفلامها، وكذلك الأمر استمر للجيل الجديد من السينمائيين السوريين الجدد دوما الدولة السورية هي الجهة الوحيدة التي تمول صناعتها السينمائية، وطبعاً لم يخل الأمر من بعض المشاركات الخجولة بالإنتاج من قبل بعض شركات الإنتاج الخاصة بسورية مثلما حدث في فيلم «مرة أخرى» للمخرج جود سعيد.

قد يتبادر لذهن البعض ما معنى كل ذلك الكلام الذي سبق وما أهميته وجدواه.. السينما السورية ليست للبيع وليست كما يريدها الآخرون.. اليوم وبكل ما يعتصرنا من حزن وألم على ما تعيشيه سورية وبكل حلمنا وأملنا بغدٍ أفضل، نقول لأولئك الذين يقبعون خارج سورية إننا لسنا للبيع.. تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وإرثنا ليسوا للبيع أو محل مساومة ولن تكون أو نكون... نعم نقول همنا ونعبر عن امتعاضنا من شيء أو أشياء ولكن ضمن سورية وتحت سقف سورية ولسنا مضطرين أن نكون متسولين أو نستجدي من البعض أموالاً لتمويل بعض المشاريع السينمائية في سورية كما تريدون.

نعرف تماماً والكل يعرف أن أية جهة خارجية تريد تمويل موضوع سينمائي في سورية فهي التي تضع شروطها من الألف إلى الياء، وتتكفل تلك الجهة فيما بعد بتسويق وعرض الفيلم في كل مهرجانات العالم، ولكن يجب أن يكون هناك تنازلات كثيرة ومن يمنّي النفس بالتعاون مع أي جهة لإنتاج مشروعه السينمائي فهو حتماً يعرف بأي درب يسير ويعرف بأنه ليس من رهائن أزمة معاشة كما نعيشها ويعيشها كل الشعب السوري، ولكنه ضمن خيارات أخرى قدر لها الآخرون أن تكون كذلك.

لست هنا بموقف الناصح ولكني حزين كما غيري من السوريين أو السينمائيين عندما أرى مجموعة تنشر وتوزع وتروج وتهين من ضعف الحالة السورية للخارج، وبنفس الوقت تلعب على عدة محاور شخصية بحتة لا تحمل أي نوع من الوفاء لوطن أولى من غيره بثقافة أبناءه وعطائهم واجبهم تجاهه بتقديم فن سينمائي عظيم يمجد اسمه ويرفع من شأنه.. ما معنى وما هو الموقف لا قدر الله أن نرى في يوم من الأيام تمويلاً إسرائيلياً لفيلم سوري.. هل نحن كذلك؟.. أبداً لسنا ولن نكون كما يريدنا الآخرون.

لن نستجديهم لكي نقف على منصات مهرجاناتهم العالمية لنقول ما يكتبوه لنا وما يخططونه لنا.. نعم، السينما السورية تمر بأزمة وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها ويجب معالجتها وإيجاد وتوفير كافة السبل لإصلاح البيت السينمائي السوري شأنه شأن كل الإصلاحات التي تشهدها سورية اليوم. ومن أراد ما أراد من الخارج فليجلس ليكتب ويتابع ما بدأ به مسيرته السينمائية وليصنع مشروعه السينمائي، فاليوم ليس يوم وضع اليد بيد أخرى لوضع الوطن على مقصلة الآخرين.. اليوم يجب كما كنا دائماً سوريين نحمل بأفلامنا همومنا وأحلامنا ونقول كلمتنا العليا كلمة الحق ولا نحفر لبعضنا البعض حفر ترابها أسود.. السينما السورية بأمس الحاجة اليوم لأبنائها ليكملوا ما بدؤوا به ليؤكدوا بأن السينما السورية قادمة وبقوة.. وحلم كل السينمائيين وكل عشاق السينما في سورية أن يلمسوا نهضة جديدة لكل آليات صناعة السينما في سورية.. وحلم كل عشاق السينما في سورية أن يروا أولئك الذين صنعوا أفلاماً عن حياتهم أن يروهم دوماً على منصات المهرجانات العربية والدولية متألقين ناجحين يحملون في جعبتهم أفلاماً عظيمة كتب عليها هذا الفيلم «صناعة سورية».

تلك السينما التي نريدها ونمني النفس بها.. اليوم نملك كل الأدوات لصناعة سينما سورية شأنها شأن كل صناعات السينما في العالم العربي والعالم، وتفخر سورية أنها تملك العديد والعديد من المخرجين المخضرمين والشباب وكتبة السيناريو والمصورين ومهندسي الصوت وشركات الإنتاج القطاع العام والخاص القادرة على صناعة السينما التي يحلم بها الجميع.. سينما تكون من قلب الشارع السوري من صميم الإرث الشعبي والثقافي والحضاري السوري وتخرج للعالم كله وذلك من خلال ثوابتنا وليس من خلال خيارات الآخرين.

موضوع السينما اليوم يجب أن يكون برسم الإصلاح الذي بدأت ملامحه تظهر بكل مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في سورية والذي هو اليوم بحاجة ماسة للنظر بهيكلية هذه الصناعة وما لها وما عليها.. والفيلم السوري يجب أن يعبر كما عبرت الدراما السورية عن الوطن ويقول مفرداته بحروف سورية لا غير ويؤكد ويثبت للداخل السوري قبل الخارج أن السينما السورية.. سينما ليست للبيع ولن تكون كما يريدها الآخرون.

عوض القدرو

ناقد ومخرج سينمائي سوري