2012/07/04

السينما السورية 2011 -2012.. الجمهور على الأبواب؟
السينما السورية 2011 -2012.. الجمهور على الأبواب؟

خاص بوسطة-عوض القدرو


(لم يبقَ محلات.. لحّق محلات.. ولم يبقَ صالات سينما.. ولم يبقَ منتجو سينما.. ولم تبقَ سينما.. ولا يوجد سينما).. من يُطالع كل هذه العناوين يعتقد أن السينما السورية قد ماتت فعلاً مختصرة مرحلة الاحتضار وما يشبهها من مراحل، وإذا أردنا أن نكون حياديين ففي تلك العناوين الكثير من الصحة، لأن مشاكل السينما السورية عديدة لا تُعد ولا تحصى، وهذا واقع مرير فعلاً عانت منه السينما السورية وما زالت.

لكن الشيء الملفت للنظر حقاً هو ما نراه يتحقق اليوم وما تحقق بالأمس القريب على صعيد الإنتاج السينمائي السوري، وهو أمر يدعو للتساؤل وربما الدهشة من قبل الغير.. لماذا؟ وكيف؟ وما الهدف من الإنتاج السينمائي السوري في هذه الفترة تحديداً من الأوقات العصيبة التي تمر بها سورية؟.. ولكن من يُطالع دفاتر التاريخ السينمائي العالمي فسيجد أن الواقعية الإيطالية وُلدت على أنغام طبول الحرب العالمية الثانية، وخرجت من تلك المرحلة أفلامٌ سيذكرها التاريخ طويلاً، وستبقى شامخة  فترات أطول وأطول. فالإنجازات الفنية تحديداً لا تخضع لقوانين أزمات أو محن.. ولو طالعنا قليلاً الإنتاج السينمائي السوري فسنجد أن باكورة إنتاج القطاع العام المتمثل بالمؤسسة العامة للسينما كان في عام 1967، عام نكسة حرب حزيران، وكان يومها فيلم "سائق الشاحنة"، لكن الانطلاقة المهمة للسينما السورية جاءت مباشرة بعد حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، إذ قدمت السينما السورية في العام الذي تلا الحرب مجموعة من الأفلام المهمة منها: "اليازرلي"، "المغامرة"، "ثلاثية العار"، "السيد التقدمي"، "كفر قاسم"، "وجه آخر للحب".. ستة أفلام روائية طويلة في عام 1974 وبالطبع هناك العديد من الأفلام القصيرة التي تم إنتاجها في ذلك العام، وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أن السينما مفعمة دوماً بالأمل، ومتعالية على الجراح، وهي نافذة شهيق لروح الإنسان والمجتمع والحياة.. والسينما هي تلك المساحة المتوازية بين فسحة الحزن وفسحة الفرح.

حركة الإنتاج السينمائي السوري في هذه الفترة وأواخر العام المنصرم، إن كانت تدل على شيء، فهي تدل على أن السينما السورية ربما وجدت طريقها الضال، وعرفت كيف يكون التغيير الحقيقي في آلية التفكير والتخطيط والإنتاج، وأدرك القائمون عليها من إداريين ومخرجين وكتبة السيناريو أن هناك جمهوراً له الحق بمشاهدة سينما تكون منه وله، لا سينما نخبوية لا يقرأ ولا يسمع عنها إلا من خلال الصدفة.. والقريب والداري بالشأن السينمائي يدرك تماماً أن السينما السورية قد بدأت بتغير جلدها، وبالرغم من صعوبات الإنتاج في هذه المرحلة وما لحق فيها من معاناة من زيادة أيام التصوير المحددة لكل من الأفلام التي تم إنتاجها، وبالرغم من معاناة السفر الغير آمنة أحياناً لمجموعات التصوير، لكن في النهاية هناك اليوم في خزائن المؤسسة العامة للسينما مجموعة من الأفلام المنجزة والأفلام التي هي قيد الإنجاز تُرفع لها القبعة احتراماً لكل الجهود المبذولة.

قد يسأل البعض ما هو وجه التغيير في الإنتاج السينمائي السوري.. لا يوجد أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال حالياً.. الفيصل سيكون هناك، حيث شاشة العرض التي اشتاقت وانتظرت طويلاً لتلهب حماسة وعيون محبيها بفن سينمائي سوري جديد ينبض بالحياة و يبعث بالأمل..

2011 كان عاماً مهماً للإنتاج السينمائي في سورية رغم الغياب القسري لمهرجان دمشق السينمائي، الذي ربما شكل غيابه انعكاساً إيجابياً واهتماماً أكثر لزيادة عدد الأفلام المنتجة، والذي تمثل بمجموعة من الأفلام في عام 2011 وهي: "نوافذ الروح" من إخراج الليث حجو، "العاشق" من إخراج عبد اللطيف عبد الحميد، "الشراع والعاصفة" من إخراج غسان شميط، و"هوى" لواحة الراهب.. وكان آخر الأفلام المنتجة في عام 2011 فيلم "صديقي الأخير" من إخراج جود سعيد والذي انتهى من تصويره مع الأيام الأولى لعام 2012.. ومع بداية هذا العام بدأت مرحلة جديدة من إنتاج الأفلام والتي تمثلت بفيلم "عرائس سكر" لسهير سرميني، وفيلم "مريم لباسل" الخطيب، وانتهاء تصوير الفيلم القصير "صور الذاكرة" لغطفان غنوم.

لكن الأهم من كل ذلك هو القادم الجديد هو مشروع فريد ونادر ربما في كل المنطقة العربية، وهو فيلم روائي طويل عبارة عن أربع قصص يربط بينها خط درامي، وسيقوم بإخراج هذا الفيلم أربعة من المخرجين الشباب، وتكمن أهمية هذه التجربة بمبادرة المؤسسة العامة للسينما وطرح هذا المشروع وتكليف الكاتب الفارس الذهبي بكتابة سيناريو هذا الفيلم والذي سيكون عنوانه "جسر فيكتوريا الخفي".. بهذه الخطوة التي قامت بها المؤسسة العامة للسينما تكون المؤسسة قد قطعت شوطاً من الانتظار لحين ما سيقدم الخريج الجديد من مادة لمشروعه السينمائي الأول، وتكون قد وضعت المخرج الوافد الجديد على طريق تحمل المسؤولية والسعي وراء صناعة سينمائية يتكاتف من أجلها الجميع، ولا تبقى هذه الصناعة رهينة مزاج أفراد أو عقليات، ولكن صناعة السينما اليوم في سورية هي مسؤولية جميع المختصين والمهتمين بالسينما، ومسؤولية الإعلام بأن لا يكون حجراً لرجم هذه الجهود..

اليوم، وبغياب مهرجان دمشق السينمائي، وبعد إنجاز جميع الأفلام المقررة والتي تم الانتهاء منها، أرى بأن يُقام مهرجان لهذه الأفلام ويكون هناك جائزة واحدة فقط اسمها "جائزة الجمهور"، ونفسه الجمهور يقوم بالتصويت على الفيلم الذي أعجبه، بعيداً عن كل أشكال لجان التحكيم، وبالطبع يتم عرض هذه الأفلام في كافة المحافظات السورية، والتصويت الجماهيري يتم في كافة المحافظات وبالتالي نمنح فرصة للمشاهد السوري بالتعبير عن رأيه بسينما بلده دون الخضوع لقرارات لجان تحكيم لا تكون منصفة في كل الأوقات.. كلمة الشكر لهذا الإنتاج يجب أن تكون من الجمهور السوري المتعطش لرؤية سينما سورية يعتز بها، وتكون بمثابة بلسم فوق الكثير من الجراح..