2012/07/04

الغائب الأكبر
الغائب الأكبر


فجر يعقوب – دار الحياة

من المبكر الخوض في تفاصيل مسلسل «في حضرة الغياب» الذي يحاكي سيرة حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. ليس سهلاً اطلاق أحكام بحقه قد تبدو جائرة تماماً، لكن الاعلانات الترويجية التي بدأت «تغزو» بعض الفضائيات استعداداً للشهر الفضيل، وجمع أكبر مقدار من الاعلانات التجارية تدفع الى تخمين، أن محمود درويش سيعاني من حضوره على الشاشة الصغيرة. وهذا ربما يدفع محبيه إلى المطالبة بمنع عرضه، وإن لم يكن متاحاً هذا لهم. فمن قبل ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بمنع تصويره، ولم تفلح معركتها مع صنّاعه، وإن كان مخرجه لم يكمله حتى النهاية كما تردد أخيراً وتناقلت وسائل الإعلام، بحكم انشغاله بتصوير مسلسل جديد بعنوان «شيفون»، وقام بتسليم الراية الاخراجية فيه للمخرج المثنى صبح، في خطوة لافتة وغريبة الى حد ما.

على أي حال تبدو الاعلانات الترويجية على مقدار من المنافسة، وهي تتجلى بالممثل الرئيس فراس ابراهيم. ففي حين اختارت مثلاً فضائية «صنّاع القرار» أن يقرأ مقاطع من قصيدة «مديح الظل العالي»، أخذت فضائية «الجديد» على عاتقها مهمة أن يقرأ ابراهيم مقاطع من قصيدة «ريتا والبندقية». لا تكمن المشكلة هنا. وبالتأكيد لن تكمن في تناول هذه القصيدة أو تلك، فنحن نبحث هنا عن حساسية درويش في قراءته قصائده لا قصائد غيره. وبالطبع لا يعدو ضرورة درامية أن يكون هناك شبه مئة في المئة بين الشاعر والممثل. فالبحث يكمن في حساسية تجسيد الدور وقدرة الثاني على أن يعكس العوالم الداخلية للأول، وجُلَّ ما نخشاه بعد معاينة أولية أن يكون درويش هو الغائب الأكبر عن مسلسل يحاكي سيرته الشخصية، بصرف النظر عن المقدار المتاح لنا حتى الآن مشاهدته من هذه الشخصية، بعد أن جرى «تعقيمها» في أكثر من مكان وزمان. إذ يبدو مثيراً للسخرية أن يقرأ الممثل في المسلسل قصيدة مثل «مديح الظل العالي»، ولا يقترب في معالجته من علاقة الشاعر بالرئيس الراحل ياسر عرفات، كما سبق وقال القائمون عليه.

يمكننا هنا أن نبقى في الحــيز التلفزيوني نفسه من دون الخروج عن السياق، إذ نتذكر المقابلة التي استضاف فيها زاهي وهبي يوماً في برنامجه «خليك بالبيت» الشاعر سعيد عقل. كان هذا ربما قبل خمس سنوات أو أكثر قليلاً، وشاء وهبي أن يسأل عقل عن مجموعة من الشعراء العرب الكبار. وقال عقـــل رأيه في نزار قباني وأدونيـــس وعـــباس بيضون وآخرين، ولم يبخل في الاشادة والمديح أو حتى اللوم والتقريع، وعندما جاء دور محمود درويش أنكر عقل معرفته به. وأمام اصرار وهبي لم يجد شاعر «رندلى» حرجاً في مواصلة إنكاره الشاعر الراحل – الغائب، لأسباب تخصه بالطبع. وفي ما يخصنا كمشاهدين، نأمل ألا ننكر معرفتنا بدرويش بعد مشاهدة أولى للمســـلسل، وربما حتى بعد مشاهدة الاعلانات الترويجــية، ولأسباب خاصة بنا لا تتقاطع بالتأكيد مع أسباب الشاعر سعيد عقل!