2012/07/04

«الغالبون».. المقاومة.. بين ما هو فني وفكري
«الغالبون».. المقاومة.. بين ما هو فني وفكري


خلدون عليا – تشرين


استطاع المخرج باسل الخطيب عبر مسلسل «الغالبون» للكاتب فتح الله عمر والذي يروي نشأة المقاومة الوطنية اللبنانية «حزب الله» إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 أن يقدم رؤية فنية متكاملة بعيداً عن الزخم الفكري للموضوع واللغة الخطابية المباشرة المعتادة، وتالياً استطاع بذلك إيصال رسالة العمل، الإنسانية والبطولية، في قالب فني، نجا بحرفية من تمرس على هذه الأعمال من تجاوز الخطب والعروض الوثائقية لما حدث خلال تلك الفترة.

العمل اعتمد على حكاية درامية حقيقية عن نشأة المقاومة بإطار إنساني، وقد استطاع المخرج الخطيب أن يدير دفة العمل بتوازن بين ما هو بطولي من خلال مشاهد المعارك بين المقاومين والعدو الإسرائيلي وبين ما هو إنساني من خلال علاقة المقاوم بالأرض والأم والحبيبة...هي علاقات إنسانية استطاع تقديمها بصورة لافتة عبر كوادر تصوير كان لها دور بارز في ذلك عدا عن أن الخطيب استطاع تحريك ممثليه بتماهٍ مع حركة الكاميرا فكانت الحركة متكاملة من دون انقطاعات قد تؤدي إلى حدوث خلل في انسياب الفكرة المحسوسة من خلال الصورة وليس من خلال الكلام إلى المشاهد. ‏

كما استطاع «الغالبون» إخراج قدرات الممثلين اللبنانيين، فلاحظنا أن عدداً من الفنانين ابتعدوا عن الأداء المباشر والاستعراض وانتقلوا إلى أداء فن التمثيل من خلال التعامل مع الجانب الروحي والإنساني للشخصيات، وهي ميزة مهمة أكسبت العمل مصداقية كبيرة ولاسيما أن شخصيات العمل حقيقية ومزروعة في ذاكرة أبناء الجنوب والمنطقة وليست من محض الخيال... وبالعموم كان الأداء ميزة أغلب نجوم العمل، وفي مقدمتهم أحمد الزين- وطوني عيسى -ومازن معضم -وفاء شرارة -وبيير داغر- وعبد المجيد مجذوب- ومجدي مشموشي. ‏

حكاية «الغالبون» ليس مجرد حكاية درامية عابرة هي حكاية تاريخ ووطن وكرامة ومن هنا ندرك أهمية أن يتم تقديم هذه الحكاية بصورة حقيقية وبالوقت نفسه بأبعاد فنية وبصرية متميزة تحاكي الجانب الإنساني للشخصيات . ‏

ولعل المشهد الأخير في العمل والذي يتمثل بلقاء «بلال» و«جعفر» بعد شكوك، فيه من الرسائل البطولية والفكرية الشيء الكثير، وكذلك الأمر لا يمكننا أن نغفل حادثة العملية الاستشهادية الأولى في تاريخ المقاومة وهي عملية الشهيد «أحمد قصير» وما سبق هذه العملية من تحضيرات نفسية وفكرية وصولاً إلى المشهد البطولي... في هذه المشاهد نستطيع أن نقرأ الفكر المقاوم بالصورة والإحساس بعيداً عن الخطب الرنانة والإثارة المفتعلة. ‏

وبالوقت نقسه فإن «الغالبون» مكننا من قراءة روح وشخصيات المقاومين رجالاً ونساء وأطفالاً.. وقدرة هؤلاء على مقاومة الاحتلال والتسلح بالصبر والإيمان لمواجهة جرائمه الدموية. ‏

بالطبع فإن جاذبية العمل وجماليته وقصته لا تعني أن العمل كان خالياً تماماً من الأخطاء، ولعل الصعوبات الإنتاجية كانت إحداها، إضافة إلى انتقادات أخرى ركزت على اللكنة الجنوبية التي زاد استخدامها مع التشديد بعض الشيء في عدد من المشاهد وبالوقت نفسه خروج عدد قليل جداً من الممثلين عن روح العمل في مشاهد قليلة كبعض مشاهد الفنانة بولين حداد «زينب» حين تمر بحالات عصبية نتيجة ما حدث لها خلال الاجتياح حيث تعرضت للاغتصاب فوجدنا أن حداد ابتعدت عن روح الشخصية فدخلت في حالة الانفعال الزائد أو الهدوء الشديد فلم تتعاطى مع روح الشخصية بإحساس عال. وأخيراً، لا بد لأي عمل أن يتعثر ولو بشكل بسيط لأنه لا يوجد عمل درامي كامل، ولكن بنظرة موضوعية نستطيع أن نصف العمل بالناجح والملبي للطموح كونه وكما أسلفنا اعتمد على تقديم المقاومة بجانبيها البطولي والإنساني فاستطاع أن يحقق طرفي المعادلة الناجحة. ‏