2012/07/04

الفرار من المدارس.. جديد فضائيات الرأي والرأي الآخر
الفرار من المدارس.. جديد فضائيات الرأي والرأي الآخر


جوان جان – الثورة


هل يمكن القول: إنه بحكم الزمن وتوالي السنوات تغيّرت مهام وسائل الإعلام التقليدية التي اعتدنا عليها ردحاً من الزمن لتتخذ هذه الوسائل لنفسها مهمات مختلفة متناقضة مع كل ما عوّدتنا عليه من أدوار تقوم بها في خدمة الناس أنّى كانوا وبغضّ النظر عن هويتهم وانتمائهم؟

يمكن ادعاء ذلك لأن الوقائع تثبت يوماً بعد آخر أن الأدوار والمهمات النبيلة التي أخذتها على عاتقها وسائل الإعلام عبر سنوات عمرها المديدة قد تبدّلت تماماً لا باتجاه التطور بالطبع بل باتجاه القيام بأدوار واجتراح مهمات لم تكن في يوم من الأيام من مهام وسائل الإعلام .‏

فعلى سبيل المثال تربينا على وسائل إعلام كان من إحداها مهامها حضّ الأجيال على التحصيل العلمي، وساهمت هذه الوسائل في حملات الامتناع عن التسرّب من المدارس، وبثّت الوعي عند الطالب وذويه عن أهمية الالتحاق بالمدرسة وشرحت المستقبل المظلم الذي ينتظر كل من يمتنع عن التحصيل العلمي سواء أكان ذلك عن طريق المادة البرامجية أو الدرامية، فكانت بذلك وسائل الإعلام بحق واحدة من أكثر الأساليب فعالية في ممارسة التشجيع على اكتساب العلم والمعرفة عملاً بكل الأخلاقية والدينية والإنسانية.. وممارسة هذا الدور لم تقتصر على وسائل الإعلام في بلدنا فحسب بل وفي كل البلدان العربية التي كانت وربما بعضها مازال بحاجة إلى هذا النوع من البرامج بغية المحافظة على ما توصلت إليه هذه البلدان من تقدم تعليمي (على تواضعه) .‏

اليوم ومع التوسّع الكبير في البث الفضائي ومع ما يمكن أن يقدمه ذلك من خدمة للعلم والمعرفة نجد أن العكس هو السائد، فقد أصبحت بعض وسائل الإعلام العربية وبالتحديد الفضائيات الإخبارية كالجزيرة والعربية وغيرهما أكبر محرّض للتلاميذ العرب على التسرّب من مدارسهم في حملة تبدو ممنهجة ومدروسة للإمعان في زيادة رقعة الجهل في الوطن العربي، وبدل أن تسعى هذه الأقنية وسواها إلى القيام بدورها المطلوب في مكافحة الجهل والتخلّف، فقد أصبحت مَشاهد التلاميذ العرب المتسربين من مدارسهم اللقطات الأشهى والأدسم لتصدّر نشرات أخبار هذه الفضائيات، وكأن العالم العربي لم يكن ينقصه من مصائب سوى أن تحتفي هذه القنوات بخروج الأطفال من مدارسهم بطرق غير مشروعة وتعطيل الدراسة فيها والتجمّع بشكل لا يختلف كثيراً عن تجميع قطعان الماشية وتلقينهم بعض العبارات المخلّة بالذوق والآداب، فقط من أجل التصوير على الموبايل وإرسال هذه الصور إلى هذه الأقنية التي من حقنا أن نسألها : هل تسمح السلطات المعنية في الدول التي تبث منها هذه الأقنية بتعطيل الدراسة والخروج على الأنظمة التدريسية والتجمّع أمام أبواب المدارس والتلفّظ بشعارات لا يفهم التلاميذ منها شيئاً؟ وماذا ستكون ردّة فعل السلطات في تلك البلدان على هذه المهازل؟ وهل تأخذ بلدانهم بعين الاعتبار المواقف السياسية التي يتم تلقينها لأطفال لم تتجاوز أعمارهم السنوات العشر؟‏

هذه البلدان لا تسمح حتى للكبار من أبنائها بالإدلاء بأي مواقف سياسية فكيف هو الحال مع الأطفال؟‏

إن هذه الفضائيات لم تكتفِ باتباع سياسات تجهيلية نحو الجمهور العربي بل أخذت تشجّع أبناءه على ترك مقاعد الدراسة والتوجّه إلى الشوارع دون هدف محدد.. ومن سخرية الأقدار أن تصبح هذه التجمعات العشوائية مدفوعة الثمن أمام المدارس أهم خبر في مقدمات نشرات الأخبار وعلى مدى 24 ساعة من البث المحموم والمسعور الذي ينهش تقتيلاً وتفتيتاً بأجساد أبناء الشعب العربي .‏

بالتأكيد لا تجد هذه الفضائيات حرجاً من القيام بهذا الدور القذر الذي لن تبدو له قيمة أمام الأدوار القذرة الأخرى الأكبر التي تقوم بها من نشر للفوضى والكذب والتلفيق وقتل أناس مازالوا على قيد الحياة والمتاجرة بالدماء الساخنة التي لم تجف بعد .‏