2012/07/04

الفلسفة المنقرضة  في مسرحية "المشاجرة"
الفلسفة المنقرضة في مسرحية "المشاجرة"

بوسطة-عمر الشيخ   بالكاد استطاع جمهور افتتاح مهرجان الشام المسرحي الرابع البقاء أمس، أثناء عرض مسرحية "المشاجرة" تأليف يوجين يونيسكو على مسرح الحمراء في دمشق بتوقيع مخرجيها زهير بقاعي ونضال الصواف، حيث بدا العرض غارقاً بالخلل الفني من ناحية تأدية الشخصية ومحاولة فضحها للمتلقي بأبسط حركة فكاهية ممكنة. إلا أنّ الممثلين لم يخرجوا من طقوس هواة التجريب لأن مسرحية "مشاجرة رباعية" كما سماها يونيسكو في نصها الأصلي لا تنتمي إطلاقاً إلى الذائقة الراهنة، ولا تناسب نظريتها الفلسفية جمهور السوريين.  ولا أقصد في ذلك انتقاصاً لأي أحد، لكن الحقيقة إن هذا النوع من المسرحيات يمثل على خشبة خاصة لفئة ضئيلة من الناس، وهذا لا يعني أن من قام بتأديتها قد نجح في إيصال مفاهيم كاتبها بأقل تكلفة لغوية ممكنة، لأن العمل خامة خيالية تحتاج لمحترفين لإخراجه بقالب مختلف ومميز يتواصل مع الجمهور قبل هروبه من الصالة. تدور حوارات المسرحية ضمن أطر المتضادات النظرية في المجتمع، حيث يظهر رجلان كل منهما يصحب كلمته معه بين (نعم) و(كلا) في اتفاقهما على الانتباه إلى أواني الزهور. هذا الأمر رغم بساطته يبدو معقداً لدى الكثيرين، أي أن صلب الإشكال هو عدمية اتفاقهما على أي شيء، ومحاولتهما تبادل (الكُرات الحمراء) الموضوعة ضمن سلة في ديكور المسرحية كبراهين مقنعة ينتزعها الإنسان من التفاصيل المحيطة ويقدمها للدفاع عن أرائه. وهذا المنح بفلسفته ورموزه يبدو ملفتاً للغاية، إلا أن المَشاهد التي قدِّمت بقولبة سورية قد أصابت النص بحلول كيميائية لا يمكنها التواصل مع عقول معظم المتفرجين الذين ربّما لا يهمهم التعاطي مع الفلسفة إطلاقاً! وهذا فعلاً ما جعل نخبة من الجمهور المثقف للغاية يغادر مقاعده ويترك العرض في الربع الأول منه أمثال (وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا- المخرج المثنى صبح- النجم سلوم حداد.. وغيرهم) و إذا كانت هذه الفئة من المجتمع المثقف لا يمكنها التواصل مع عمل مسرحي لهواة فلا عتب على باقي الجمهور!! وإذا حاولنا قراءة العمل كمتلقين لا أكثر سنتعثر بإشكاليات فنية وتقنية متعددة: أولاً، البهرجة المبتذلة التي راحت تغمر إيماءات الممثلين وتدخلنا إلى تأويلات مسدودة للحالات المراد توصيلها للآخر. ثانياً، طريقة تطبيق الحوار على الخشبة ظل قيد التجريب ولم يعبر إلى الشخصيات. ثالثاً، ليس من مهمة الجمهور أن يكون مثقفاً من العيار الثقيل حتى يتمكن له حضور عمل ليوجين يونيسكو الذي كان فيما مضى إنجازاً مهماً وأصبح الآن من التراث. رابعاً، ما المانع من صناعة مسرحية حقيقية بتوقيع محلي من الشارع السوري دون العودة إلى أساطير منقرضة في الأدب المسرحي العالمي؟ تبدو مسرحية "المشاجرة" شاهد عيان على استنفاذ القدرات الإبداعية على الخشبة، فهي تعتمد على التعابير المجازية فقط، والممثلون الذين قدموا شخصياتها (أسامة جنيد- علا علي- زهير بقاعي- نضال الصواف) بذلوا جهداً مقبولاً للهروب من المفاهيم الفلسفية، لكن مطب النص كان لهم بالمرصاد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت الحلول الإخراجية التقليدية ضيقة حيث أنها لم تساعد إيماءاتِ الممثلين بأي ديكور ممكن أو أي عناصر بصرية تكمل دائرة تلك الرمزية المعقدة. نحن ننتظر خطاباً مسرحياً معاصراً من هذا الزمن تحديداً، لماذا نأتي بأدوات مستهلكة لتقديمه لجمهور يبحث عن المتعة والاختلاف ويمكنه الحصول على ذلك عبر (الديجتال) وحسب؟ هل هذا ذنب الجمهور الذي عاد إلى المسرح بمناسبة شحّ الفعاليات الثقافية في المشهد الإبداعي السوري؟