2012/07/04

الفنانون بين المواجهة والظل
الفنانون بين المواجهة والظل


علاء محمد – دار الخليج

مع مرور نحو عام على اندلاع الأحداث في سوريا، لم يطرأ سوى تطورات طفيفة على مواقف الفنانين السوريين الذين اعتبروا، منذ البداية، معارضين للنظام السوري، وميالين، بشكل أو بآخر، للحراك الشعبي في البلاد . ويبدو أن الآراء متباينة بشدة والاتهامات خطيرة بين المعارضين والموالين . “الخليج” رصدت آخر تطورات مواقف مجموعة من الفنانين الذين وضعوا أنفسهم في خانة المعارضة، وأبرز المواقف وردود الأفعال، ومن يعلن موقفه، ويواجه، ومن يقف في الظل في التحقيق التالي .

كان لافتاً في الأسبوع الأخير من فبراير/شباط الماضي، أن يقطع النجم جمال سليمان عمله في كل من مصر، حيث يصور مسلسلاً جديداً، وإيران حيث يصور فيلماً سينمائياً، ليأتي إلى دمشق للمشاركة في مؤتمر صحفي دعا إليه الدكتور محمد سلمان زعيم المبادرة السورية من أجل دولة مدنية، والذي كان وزير إعلام في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، وهو والد زوجة جمال سليمان المؤسس في المبادرة .

جمال سليمان لم يجلس في المؤتمر الصحفي متفرجاً بل ألقى كلمة مقتضبة وأجاب عن أسئلة الصحفيين، وكان أقوى موقف لفنان سوري مع قرب إنجاز أول عام للأزمة، هو ما خرج به الفنان عندما طالب بحكومة إنقاذ وطني، وأكد أن الحلول التي طرحها النظام غير كافية لإنهاء الأزمة .

موقف جمال سليمان جاء من داخل دمشق، لذا اعتبر الأقوى بين المواقف الفنية المعارضة، لكن موقفاً قوياً آخر سجّل من خارج سوريا، كان قبل شهر تقريباً، وبطله المخرج الكبير هيثم حقي الذي يعتبر أحد المطورين في عمل الإخراج الدرامي السوري والعربي عامة . حقي أعلن انضمامه مباشرة ومن دون تأخير إلى حركة “فنانون من أجل الحرية” التي أعلن عن تشكيلها في تونس، ليعلن خروجه من نقابة الفنانين السوريين بدمشق، والذي يعتبر أحد مؤسسيها في بدايات السبعينات

كذلك سجّل الشهر الأخير أيضاً، سجالاً حاداً عبر الإعلام بين النجمين سلاف فواخرجي وباسم ياخور، تبادلا فيه الاتهامات . سلاف المؤيدة للرئيس بشار الأسد حتى النهاية كما قالت ل”الخليج”، اتهمت باسم بأنه عمل على تحريف جملة قالتها للأسد أثناء اجتماع الفنانين بالرئيس في مايو/أيار ،2011 وأن باسم استثمرها لأهداف وغايات شخصية وربحية .

تقول سلاف إنها قالت للأسد إنها تحلم بوجود إنتاج درامي من مال سوري خاص، مع تأكيدها ضرورة الإنتاج العربي المشترك . ثم تتهم باسم بأنه حرّف ذلك، وقال في الإعلام بأنها طالبت بوقف تدفق رؤوس الأموال الخليجية في الدراما السورية .

باسم دافع عن نفسه من دون أن يقدم نفسه ميالاً لأحد طرفي الصراع السياسي في سوريا، وأكد أن سلاف توقع نفسها بمشكلات بسبب تصريحاتها التي اعتبرها “غير مسؤولة” .

تسرب من نفس الاجتماع الذي جمع سابقاً الرئيس بالفنانين، فقرة جاءت على لسان فنان كبير في سوريا هو سلوم حداد . تقول التسريبات التي أكدها خمسة فنانين ممن كانوا حاضرين ل”الخليج”، إن سلوم خاطب الرئيس بعبارة فاجأته: “سيدي الرئيس . . أنت تعرف أن ابن أمير قطر صديقنا ولا نستطيع أن نخسره” .

ويل المؤيدين يصب على سلوم اليوم، وكذلك ويل المعارضين، ذلك أن مقصد الفنان حداد، بحساب الطرفين، هو شخص ربحي، لا يمكن وصفه بأنه مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، بحسب تفسير المؤيد والمعارض معاً .

في مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في سوريا، وهي مؤسسة رسمية، تدور حرب خفية وسرية بين مؤيدي النظام ومعارضيه، من دون أن يفشي أحد ما سراً واحداً، مما يجري للإعلام، يكتفي من يتكلم بالحديث الشخصي والخاص ويطلب عدم النشر .

خلاصة ما يجري بحسب فنانين، هو أن المؤسسة التي يديرها المخرج فراس دهني تعمل اليوم على تشغيل الفنانين المعارضين للنظام أكثر من تعاملها مع المؤيدين . ضج كثيرون ممن يؤيدون السلطة في سورية عندما كان أول مسلسل يتم إنتاجه هذا العام، ومن مال المؤسسة هو مسلسل “المفتاح” . المفتاح كتبه السيناريست خالد خليفة، الذي شن في نفس الفترة الذي بدئ بإنتاج مسلسله، هجوما عنيفا على النظام أخرجه فيه من أي نطاق إنساني، وطالب بإسقاطه . يقول مؤيدون من الفنانين والكتاب: كيف لمؤسسة رسمية أن تصنع مسلسلاً لكاتب طالب بإسقاط النظام ومحاكمته وتتجاهل أعمالاً لمؤيدين باتوا عرضة للانتقام من أي نظام آخر يحكم البلد في حال سقوط هذا النظام؟” .

المؤيدون يتهمون مدير المؤسسة المخرج فراس دهني بأنه معارض “يخفي نفسه تحت عباءة وجوب التعامل مع كل الأطراف” .

وفي الأسبوع الثالث من فبراير/شباط أيضاً، أعادت الفنانة المعارضة مي اسكاف وجهها واسمها إلى الأضواء من جديد بعد فترة طويلة من اختفاء صوتها، اسكاف لم تخاطب النظام هذه المرة، بل تعدت ذلك إلى شن هجوم لاذع على أحد الأحزاب اللبنانية كونها الحليف العربي الأوحد للنظام السوري، حسب قولها .

خرجت مي بتصريحات طالبت فيها هذه الجهة، بإعادة أغراض ومواد معيشية وألبسة وأحذية كانت قد تبرعت بها للاجئين اللبنانيين أثناء نزوحهم إلى سوريا في العام ،2006 أثناء الحرب بين حزب الله و”إسرائيل” . وقيل إن قيادة الحزب، أوعزت لمسؤولين لديها بأن يعيدوا لمي ما قدمته للاجئين إن كانت مواد أو بقيمتها المادية .

كلام مي أغضب المؤيدين واعتبروه إهانة، كما أنه لم يرض معظم المعارضين الذين اعتبروا ذلك منة لا يجوز سلوكها كونها تبرعت بما تبرعت به صيف 2006 لأن الحزب كان يواجه “إسرائيل” .

وتكثر في الأسابيع الأخيرة عمليات الوشاية بين فنانين بعضهم ببعض لدى المسؤولين في النظام . فمنذ فترة، وكلما عاد فنان مؤيد من بلد عربي ويكون قد التقى فيه بزميل معارض، يقوم المؤيد بتقديم ما يشبه التقرير الشفهي ضد الآخر بأنه يجلس في ذلك البلد وينعت الرئيس بكلمات وعبارات لا يمكن السكوت عنها بحسب الشاكي، وممن طالتهم هذه “الوشايات” الليث حجو الموجود في مصر، ثم فوجئ صاحب الشكوى بأن مؤسسة الإنتاج وافقت على إنتاج عمل كلفت المخرج حجو بإخراجه، فزادت التساؤلات لدى الفنانين المؤيدين حول المؤسسة واتجاهها .

فنانون برزوا بأصواتهم المعارضة في بداية الأزمة اختفوا تماماً فيما بعد، ولابد من المرور عليهم .

محمد آل رشي اعتقل ليومين ثم أفرج عنه، ومن بعدها لم يقم بأي نشاط، ولم يصرح بأي كلمة .

جلال الطويل الذي اشتهر بانتقاده العلني للنظام على صفحته على ال”فيس بوك”، قيل إنه اعتقل من النظام، لكن بعد أيام قليلة ظهر على شاشة التلفزيون الرسمي يقول إن المسلحين اختطفوه والجيش حرره . ومن بعد ذلك، لم يخرج بأي تصريح .

فارس الحلو ونوار بلبل اللذان تألقا في البداية بخروجهما في مظاهرات، اختفيا تماماً عن المشهد ولم يعد يسمع لهما أي صوت علماً أنهما لم يعتقلا أبداً .

الأزمة تقترب من إنجاز أول عام لها، والفنانون لم يستطيعوا فرض أنفسهم على الساحة، ما يطرح أسئلة حول قوة وجود الفنان في الشارع السوري، ومدى صحة ما يقال عنه، وهل أصبح خائفاً على مهنته بسبب مواقفه أم أننا نشهد انقساماً كبيراً في الوسط الفني .