2012/07/04

الفيلم الوثائقي السوري أداة وعي ومعرفة
الفيلم الوثائقي السوري أداة وعي ومعرفة

محمد قاسم الخليل- الثورة

يتميز الفيلم الوثائقي بالدخول إلى الحياة الحقيقية ووضعها أمام الكاميرا السينمائية ،وإذا كان بعضهم يأخذ عليه أنه انتقائي في اختيار الأماكن والموضوعات ،

ولا يكشف الحقيقة من جميع جوانبها ،إلا أنه  بلا شك يعطي جانبا من الواقع ،على العكس من الفيلم الروائي الذي يحلق أمام العيون على جناحي خيال المؤلف والمخرج .‏

وشمل مفهوم الفيلم الوثائقي أنواعا عديدة ،فكثير منها أخذ طابع التحقيق (الربورتاج) وذهب قسم آخر إلى التسجيل الفوتوغرافي للأماكن الأثرية والسياحية أو المدن حملت بوضوح طابعا دعائيا ،لكن بقيت مساحات لا بأس بها لأفلام عالجت قضايا وطنية واجتماعية من منظور متقدم على المستوى الفكري والسينمائي.‏

وقد تبنت الدولة الفيلم الوثائقي ممثلة في مؤسساتها المختصة بالإنتاج السينمائي وهي المؤسسة العامة للسينما، وقسم الإنتاج السينمائي في الجيش ودائرة السينما في هيئة الإذاعة والتلفزيون.‏

وقد قدمت هذه المؤسسات كما كبيرا من الأفلام الوثائقية ما أفرز أفلاما عديدة كانت موضع تقدير واحترام النقاد والسينمائيين في المهرجانات حيث مكانها الأهم لتسليط الضوء عليها وعلى القضايا التي تعالجها،وإلى درجة أن تلك الأفلام أصبحت نموذجا  للفيلم الوثائقي النوعي،الأمر الذي دفع عددا من السينمائيين العرب للقدوم إلى سورية والعمل وتقديم هذا النوع من الأفلام وبتمويل من الحكومة السورية ،وإذا عدنا إلى تاريخ السينما السورية  سنجد أفلاما بتوقيع سينمائيين من مصر ولبنان والعراق والأردن.‏

واقتصرت السنوات الخمس الأولى من عمل المؤسسة العامة للسينما على الفيلم الوثائقي والقصير،ولا تزال المؤسسة هي الجهة الوحيد التي تقدم أشرطة سينمائية، في حين توقفت دائرة السينما في التلفزيون بعد أن خرجت الكاميرا التلفزيونية إلى الشارع ،وظهور كاميرات تقارب دقة كاميرا السينما.‏

وكانت قضايا الوطن والمواطن في مقدمة اهتمامات السينمائيين التسجيليين ،ونالت قضية فلسطين حظا وافرا من أعمالهم ،ومن أوائل تلك الأفلام  (النافذة ) لنبيل المالح ، (دروس في الحضارة) (فلسطين الجذور) (اليوم الطويل) والأفلام الثلاثة لأمين البني ، وأخرج قيس الزبيدي عدة أفلام منها (الزيارة ) (شهادات الأطفال في زمن الحرب) (بعيدا عن الوطن) (نداء الأرض ) .‏ وقدم المخرج باسل الخطيب عدة أفلام منها( أمينة) ( اللعنة ) (قيامة مدينة) (الحركة الخامسة) . وكان الكفاح الوطني حاضرا في العديد من الأفلام التسجيلية سواء في أفلام مؤسسة السينما أو دائرة السينما في التلفزيون منها (شموس صغيرة) لخالد حمادة و(جاء تشرين )لوديع يوسف و(البترول والمعركة) لفاروق عبيسي و(الدرع الحصين) لبشير صافية و(بين الوثيقة والراوي) لعبد المعين عيون السود ، و(العيد الذهبي للجلاء) لعبد الغني بلاط، وفيلم عن (ثورة الشيخ صالح العلي) لعصام سليمان و(نضال اهلنا في الجولان) لغسان شميط . وآخر فيلم تسجيلي عن نضال الجولان فيلم (صفقة مع السرطان ) إخراج أديب الصفدي ويتحدث عن الأسير المحرر(سيطان الولي) . وقدم السينمائيون السوريون أفلاما تعرف بتاريخنا العريق إلى جانب تصوير ما تشهده من تقدم في العصر الراهن ومنها (سورية ستة آلاف عام من الحضارة)و(سورية الحديثة )لمحمد شاهين ،و(مسارات النور) لباسل الخطيب و(سورية ارض الاكتشافات) لوديع يوسف ، و(مذكرات وطن) لأمين البني.‏

ونشير للفيلم الوثائقي (صدى الحضارات ) بسام محي الدين حسين الذي رصد أهم الكنوز الأثرية في المحافظات السورية بهدف التوثيق البصري لها وإيصالها للعالم بشكل يعطي صورة كاملة عن الغنى الحضاري لبلدنا ويظهر أهميتها المعرفية والجمالية المتجذرة في أعماق التاريخ. وقد أسهمت أفلام عديدة في بث الوعي الاجتماعي وأهمية دور الشباب في المجتمع ومنها ( طريق أخضر إلى البحر ) لخالد حمادة عن قيام الطلبة بشق طريق في صلنفة ،و(المعلمة) عن العلاقات الانسانية بين أطفال ومعلماتهم ،و(أطفال من بلدنا) لجورج بدرية عن أهمية التربية في تنشئة الجيل ، وكان للتوعية البيئية نصيب من الفيلم الوثائقي ونجد في هذا التوجه عدة أفلام منها (دمشق مسافة النظر) لهند ميداني، و(مذكرات رجل بدائي )لموفق قات و(أحلام منتصف الظهيرة ) لغسان عبد الله . وتمثلت التوعية الاجتماعية في عدة أفلام منها (يوم في حياة طفل) لمأمون البني الذي يشير إلى تأثير عمل الأطفال على مستواهم التعليمي ،وفي ذات الاتجاه فيلم (متر مربع) لوليد حريب الذي أخرج فيلما عن آثار الزواج المبكر بعنوان (لحظة فرح).‏

وعن العلاقة بين المكان والإنسان نشير إلى فيلم  (الشاهد) لريمون بطرس عن العلاقة بين الإنسان والحضارة على ضفاف العاصي ،و( رتل كامل من الأشجار ) لطلال ديركي ويؤكد على علاقة الإنسان بالمكان ودور الرابطة الإنسانية في بقائه وتجذره فيه ،و(بصمة مكان) لأيهم اللحام سلسلة أفلام وثائقية تبحث في البصمة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدمشق من خلال معالمها الأثرية،مثل مكتب عنبر والجامع الأموي وقلعة دمشق وكنيسة حنانيا والمرجة والشارع المستقيم وأبواب دمشق.‏

وهكذا نرى أن السينما الوثائقية السورية سعت دوماً إلى  تسجيل الأحداث وعملت على التوعية الوطنية والاجتماعية كما أسهمت في المعرفة،ووضع قضايا الشباب والأطفال في دائرة الضوء ، وعبرت بصدق عن تلك القضايا ضمن رؤية فكرية وفنية مناسبة.‏