2012/07/04

القنوات الفضائية ترتدي عباءة الـــــرقيـب
القنوات الفضائية ترتدي عباءة الـــــرقيـب

خمس الحواس- دار الإعلام العربية


كثيرا ما اشتكى صناع السينما من التضييق الذي يمارسه جهاز الرقابة على المصنفات الفنية والذي يقوم أحيانا بحذف العديد من المشاهد، وربما عدم إجازة عرض العمل بالكامل، أو حتى تصويره من الأساس.. لكن يبدو أن معاناة السينمائيين لم تعد قاصرة على الإفلات من براثن جهاز الرقابة، ولا التحايل عليه.. فمع انتشار الفضائيات التي تقوم بعرض الأفلام السينمائية فوجئ السينمائيون بأن أعمالهم تتعرض لمجزرة فنية تتمثل في قيام الفضائيات باجتثاث العديد من المشاهد بطريقة تشوه هذه الأفلام، وكأن القائمين على هذه الفضائيات صاروا رقباء أكثر من الرقباء الحقيقيين.. هذه الظاهرة ناقشها «الحواس الخمس» عبر السطور التالية، فإلى التفاصيل.

الظاهرة التي اشتكى منها العديد من السينمائيين خلال الشهور الأخيرة تزايدت مع قيام العديد من القنوات الفضائية بشراء الأفلام ومن ثم التباهي بأنها سوف تعرض هذه الأفلام بعد قصها وإعادة مونتاجها مرة أخرى بعد حذف العديد من المشاهد؛ ما اعتبره كثير من صناع السينما إهانة لهم وللفن السابع بدلا من أن تكون هذه الفضائيات وسيلة مهمة لعرض الأفلام.

معايير مزدوجة

وفي هذا السياق، يقول الناقد عصام زكريا، إن كل إنسان في الوقت الحالي أصبح يتقمص دور الرقيب، بعد أن أصبح فرض الرأي والتدخل في شؤون الآخرين ثقافة سائدة في المجتمع، ما ترتب عليه عدم احترام لمؤسسات الدولة أو للقائمين على هذه الأعمال..وأضاف: نحن نعيش حالة من ازدواجية المعايير، فالناس تهاجم الرقابة؛ لأنها تسمح بعرض بعض المشاهد، في حين الإنترنت الآن أصبحت تتيح للمرء مشاهدة أي شيء؛ تحت دعوى أننا نعيش عصر الانفتاح والحرية، فإذا تخيلنا أننا نستطيع أن نخفي أي شيء فنحن واهمون.

وأشار إلى أن المناخ العام هو الذي أفرز ثقافة الرقابة، مشيرا إلى أن صاحب القناة الفضائية يقوم بحذف المشاهد من وجهة نظره البحتة، بدعوى أن ذلك بإلحاح من الإعلام والجمهور.

واعتبر زكريا ذلك نوعا من التخبط، مؤكدا أنه لا يوجد وجهة نظر واحدة إزاء هذه الظاهرة، الأمر الذي أدى إلى اضطراب الإبداع وتراجع حرية الرأي، ما أدى بدوره أن أصبحت السينما المصرية (عقيمة) لا تحتوي على صورة ولا رأي واقعي، الأمر الذي أثر بالتالي على كتابة السيناريو بشكل منهجي ومنظم، فأصبح الكاتب يتجنب الخوض في المناطق التي يخترقها مقص الرقيب.ولفت زكريا إلى أن هناك أناسًا ضد الإبداع، لكنه أكد أن كبت الحريات يضر المتلقي نفسه قبل أن يضر بالمبدع، مشيرا إلى أن الحل الوحيد هو تصنيف الأفلام إلى جريمة، عنف، حركة، ورومانسية، واجتماعي، وهكذا..

يتم التنويه بمحتوى الفيلم حتى لا يكون هناك مبرر بأن الفيلم قد يضر بالمشاهد خاصة من الناشئين.

سياسة خاصة

إلى ذلك، أكد سيد خطاب - رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أن من حق كل قناة أن يكون لها سياستها الخاصة، لكن دون الإضرار بسياق الفيلم الذي تقوم بعرضه؛ لذلك يجب على كل قناة أن تتعاقد على الفيلم الذي يناسب سياستها؛ ولا تضطر لممارسة دور الرقيب فتقوم بقص ما لا يعجبها من مشاهد، وبالتالي تهدر المجهود الذي بذله فريق العمل.وأشار إلى ضرورة وجود اتفاق مسبق بين المنتج والموزع على بيع الفيلم

للقنوات دون الإخلال بم

ضمونه، لكن في كثير من الأحيان

لا يكون هناك وجود لهذا الاتفاق.أشار خطاب: كل إنسان رقيب على نفسه، فيقوم باختيار الفيلم الذى يراه مناسبا له ولأسرته، مثلما يقوم بشراء تذكرة سينما ويدخل دار العرض لمشاهدة فيلم معين دون وصاية أو رقابة من أحد.

مجزرة فنية

وحول الضوابط التي تتحكم في عرض الأفلام على الفضائيات يقول المخرج خالد يوسف: الأمر كله متعلق بحقوق الملكية الفكرية؛ لذلك يجب على القناة قبل أن تقوم بحذف أي مشهد من الفيلم أن ترجع إلى المخرج والمنتج، وأن تخبره بما لا يتوافق مع منهجها أو سياستها؛ وطالما رأت القناة أن هذا الفيلم لا يتناسب مع سياستها فمن الأولى ألا تشتريه من البداية بدلا من أن تلجأ إلى ارتكاب مجزرة فنية في حق القائمين عليه.وعن أسباب تزايد هذه الظاهرة من قبل الفضائيات أضاف: المجتمع نفسه أصبح يجنح إلى التدخل

في شؤون الآخرين، ولا ينظر إلى القيمة التي يناقشها الفيلم، بل يركز فقط على ما يظهر من جسد الممثلة.

وصاية على المشاهد

أما الناقدة عصمت حمدي فقالت: معاملة المشاهد على أنه طفل قاصر يحتاج دائماً إلى الوصاية من جانب جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أو الرقابة التليفزيونية، وكذلك رقباء القنوات الفضائية (الجدد) أمر مستفز يهدر جهد المبدعين، فكيف يسمح مسؤول أي قناة فضائية لنفسه بالتدخل بالحذف أو التغيير في عمل سينمائي أجازته الرقابة، وهذا ما حدث بالفعل مع العديد من الأعمال السينمائية منها فيلم «رسائل البحر» للمخرج داود عبد السيد، الذي تعرض لحذف العديد من مشاهده بعد أن تم عرضه على فضائية (روتانا سينما)، والتي قامت باستقطاع العديد من المشاهد المهمة دراميا بحجة أنها تخل بالآداب العامة، ما دفع داود عبد السيد إلى تقديم شكوى إلى نقيب السينمائيين مسعد فوده.وأوضحت حمدي أن مشاهد «رسائل البحر» لا يوجد بها ما يخل بالآداب العامة في شيء، فضلا على أن القناة ارتضت من البداية أن تأخذ الفيلم كما هو؛ لذلك لم يكن من حقها أن تمارس دور الرقيب مرة أخرى بعد أن أجازته الرقابة على المصنفات الفنية، وتم عرضه جماهيريا خلال العام الماض

ي، وهذا ما تكرر أيضا مع فيلم «ولد وبنت» عندما ارتأى القائمون على قناة فيلاالحياةلالا أنه يضم مشاهد لا تناسب المشاهدين، ما دفع مخرجه كريم العدل والشركة المنتجة لرفع دعوى قضائية ضد القناة ، مشيرة الى أنه ليس منطقيا أن تستمر الفضائيات في تشويه الأفلام من ناحية، وأن تستمر الشكاوى والدعاوى القضائية من جانب صناع الأفلام من ناحية أخرى، مؤكدة أن الحل الوحيد أن يكون هناك عقد مسبق بين منتج الفيلم والقائمين على القناة، وفي هذه الحالة لهم مطلق الحرية في عدم عرض الفيلم بأكمله، وبالتالي يتم تجنيب الفيلم التشويه والقطع والمونتاج غير المدروس كوصاية على المتفرج في عصر السماوات المفتوحة.