2012/07/04

الكومبـارس: «زنـوج» الدرامـا السوريـة
الكومبـارس: «زنـوج» الدرامـا السوريـة

سامر محمد اسماعيل - السفير

حشد كبير م الرجال بانتظار العد العكسي لبدء المعركة، خيول الفرسان تقف على مصاطب عدة بانتظار لحظة الحسم، مشاة ورماة سهام و«منجنيقات».. الجميع يأكل ساندويش الفلافل وبسرعة «يكرع القازوز». وثمة من يدور على الجيش الافتراضي ليسقيه الماء من «بيدون» وسخ. يشرب الفرسان وهم «يزلطون» اللقمة، ثم ينقضّون بالرماح والسيوف على بعضهم البعض في إشارة من مخرج المسلسل.

هكذا يبدو لك المشهد، الذي يشارك فيه عدد كبير من الكومبارس، وأنت تراقب في صحراء تدمر مثلاً تصوير أحد المشاهد في مسلسل تاريخي سوري. طبعاً لن تطمع بأكثر من ذلك لفيلم تسجيلي يعكس كيفية التعاطي مع الحشود البشرية، حيث يتداخل المعاصر بالتاريخي على نحو دراماتيكي مؤلم. خصوصاً عندما يقوم أحد نجوم الصف الأول بصفع أحد الشبان الذي يرتدي زي رامي سهام في جيش أبي عبيدة بن الجراح، وعندما يسأل الشاب عن أسباب هذه الإهانة، تُحل القصة على أنها «مزحة»، ومحاولة لأخذ مشهد واقعي من المعركة.

الشاب ذاته، المقتول سابقاً بطعنة ناجزة من «القعقاع بن عمرو التميمي»، تراه مرةً أخرى خلف كل من باسل خياط ونادين تحسين بك في مسلسل اجتماعي، وهما يجلسان في كافتيريا للعشاق، في حي المزة الدمشقي. فيما يقوم الشاب بتناول شراب المانغا مع فتاة لا يعرفها، هي مثله أيضاً جاءت لتصوير مشهد في المسلسل، مقابل أقل من 500 ليرة سورية، أي ما يعادل عشرة دولارات في اليوم الواحد.

هكذا يبدو مشهد الكومبارس في الدراما السورية، التي تفاخر منذ فورتها الإنتاجية في مطلع التسعينيات برخص اليد العاملة. ويمكن ملاحظة ازدياد حجم العاملين في الحلقة الواحدة، من فنيي صوت وديكور وملابس وإضاءة. لكن الطامة الكبرى هي في الحقوق المهدورة للحشود التي تشارك في الجو العام لهذه الأعمال، لا سيما التاريخية منها. حيث يمكن رصد عائلة كاملة (الزوج والزوجة وأبناؤهم) يقضون يوماً كاملاً في ظروف مناخية قاسية، لتصوير مشهد المارة في شوارع بغداد في العصر العباسي، مقابل أجور أقل ما توصف بأنها غير إنسانية، لقاء حجم الجهد المبذول.

الحكاية تبدأ من مدراء الإنتاج الذين يعملون على ضغط الميزانية، عبر التحكم بأجور الكومبارس. فمعظم شركات الإنتاج الدرامي الموجودة في سوريا، تعمل ضمن آلية المنتج المنفذ، لاعتماد سياسة شد الحزام، فتأتي الأرباح على حساب الكومبارس وممثلي الصف الثالث.

الغريب أن شركات الإنتاج في سوريا رفعت أجور ممثليها ومخرجيها نسبياً، لكنها حتى اليوم لم تلتفت الى أجور الكومبارس الذين هم بمثابة «زنوج» هذه الدراما. كما أنهم لا يجدون دعماً من «نقابة الفنانين السورية» التي تركت الحبل على غاربه لما يسمى «بمكاتب الكومبارس». فتقوم هي الأخرى بتوفير أكبر قدر من الشباب والشابات للتغرير بهم ووعدهم بالنجومية، من قبل من يعملون في خدمة شركات المال النفطي.

أما وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فلم تحدد موقفها من هذا النوع من العمالة في سوريا، في غياب قانون يحمي هؤلاء من الاستغلال. كما أنهم لا يحظون بتأمين صحي أو اجتماعي. برغم أنهم يتعرضون لأخطار عدة في الصحاري والقفار السورية، كما حدث مثلاً مع نمر عدوان (28 عاماً)، الذي تعرض لكسر خطير في مرفقه، بعد سقوطه عن الفرس في مسلسل «المتنبي».

اللافت للانتباه أن الكومبارس في سوريا يقدم فرق مجازفة أيضاً تقوم بتنفيذ مشاهد غاية في الخطورة، كما حدث في مسلسل «هدوء نسبي». لكن في النهاية يتم عزلهم عن فرق العمل وعن نجوم الصف الأول والثاني، بحجة الضجيج الذي يصدرونه، ويتلقون شتائم ما أنزل الله بها من سلطان. مع أن هناك منهم من يعمل في اليوم لمدة 16 ساعة متواصلة تحت الشمس الحارقة أو في البرد القارص، وأحياناً بلا وجبات إطعام، حيث يمنع عليهم تناول الأكل والمشروبات أثناء التصوير.

حدد التلفزيون السوري أجور الكومبارس في الأعمال الاجتماعية التي يقوم بإنتاجها ب400 ليرة سورية، و700 ليرة سورية في الأعمال التاريخية. وهو قانون قديم استغله متعهدو الكومبارس. وهم الذين يلجأون إلى سرقة هذه الأجور مقابل توفير وسائل النقل من وإلى مواقع التصوير البعيدة، فيقنعون الشباب بأنهم يوفرون لهم أول خطوة في طريق النجومية.

المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، بل يؤتى بالكومبارس على عجل وقبل ساعات طويلة من بدء التصوير، ومن دون أن يتلقوا أية تعليمات من القائمين على العمل الفني، فتقع أخطاء مخجلة أثناء العرض. كأن يظهر أحد مقاتلي صدر الإسلام قبل 1400عام وهو يرتدي حذاءً رياضياً صنع في 2010، وهذا يعود إلى العنصرية التي يعامل بها الكومبارس، من دون محاولة تأهيلهم فنياً، أو الاجتماع بهم قبل دوران الكاميرا. ليبقى الكومبارس في نظر معظم القائمين على الدراما السورية مجرد مجاميع لا يحق لهم الثورة، إلا في إحدى لوحات المسلسل الكوميدي «بقعة ضوء» المعنونة «بثورة الكومبارس»، التي تعرضت لحادثة حقيقية جرت أثناء تصوير مسلسل تاريخي. وطالب من خلالها زعيم ثورة الحشود (الفنان فارس الحلو) بوضع أسماء الكومبارس في تترات المسلسلات، مثلهم مثل نجوم الصف الأول.