2012/07/04

المسؤولية التلفزيونية
المسؤولية التلفزيونية

أمينة خيري – دار الحياة

ربما لا تكون هناك فقرة ضمن مواثيق العمل الإعلامي تنص على المسؤولية التلفزيونية الفضفاضة، لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإنها باتت ضرورة حتمية! الجريمة التي شهدتها مدينة الإسكندرية المصرية واستهدفت كنيسة بمصلّيها ليلة رأس السنة ليست أزمة زيت أو ندرة سكر أو حتى مياه صرف صحي اختلطت بمياه الشرب. هي ليست ملفاً من تلك النوعية التي تسيل لعاب برامج الحوار لتجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين المصريين المشتاقين لرؤية مشكلاتهم الحياتية اليومية بالصوت والصورة بينما يخضع المسؤولون الحكوميون عنها لجلسات محاكمة علنية تلعب فيها المذيعة دور المدعي العام والقاضي ومنفذ الحكم، لكنها جمرة نار لا يمكن أن يستغلها بعضهم تلفزيونياً لبناء سمعة أو حشد نسبة مشاهدة أو دق على أوتار حساسة.

لعلها المرة الأولى التي تنتهج فيها القنوات المصرية مع اختلاف أهوائها وأجنداتها وانتماءاتها وملكياتها نهجاً وطنياً عقلانياً نابعاً من حرص بالغ على البلد. خرجت البرامج والحوارات والتنويهات والتغطيات التلفزيونية تركض وراء الحدث البشع باحثة عن تحليلات الخبراء ومنقبة عن خيوط أولية كل بطريقته، لكنها وقفت وقفة مواطن مصري واحد بصرف النظر عن عقيدته. وعلى رغم عدم وجود اتفاق مسبق بين القنوات التلفزيونية حول أسلوب تغطية الحدث، إلا أن الميل إلى عدم الاثارة كان واضحاً – على غير العادة - في الغالبية العظمى من البرامج الرئيسة ذات نسب المشاهدة الأعلى. الأكيد أن التعامل الإعلامي هذه المرة مع ما حدث في الإسكندرية صعب جداً. فمن جهة هناك مشاعر المسيحييــن المصــرييــن المتــأججـة غضباً وحزناً، وهناك شعور مصري عارم بالرعب من أن تتحول مصر إلى عراق آخر، ومن جهة ثالثة تجد هذه القنوات نفسها مضطرة إلى تغطية الحدث بأسلوب مهني، بالإضافة إلى الرغبة في منافسة بقية القنوات التي تغطي الحدث.

وعلى رغم أنه في مثل هذه المواقف يقفز بعضهم أحياناً على القواعد المهنية ركضاً وراء التميز وجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، لكن هذه المرة احتلت الرغبة في الاستحواذ على المشاهد المرتبة الثانية بعد الرغبة في الحفاظ على الوطن. إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الملاحظات التي تندرج تحت بند الأجندات السياســــية. فالقنوات الرسمية انتهجت نهـــج الشعارات الهادفة إلى «الحفاظ على نسيج الوطن» و «حماية لحمة الأمة»، بالإضافة إلى جرعة الأغاني الوطنيــة المعتادة. مثل هذه الشعارات والعبـارات الإنشائية التي تدور في فلك الوحدة الوطنية انتقصت من إقبال المشاهد اللاهث وراء متابعة الحدث نفسه وتطوراته وردود الفعل وتوابعه من تظاهرات وتعامل الأمن معها، وهو ما وفّرته القنوات الخاصة التي تعرف جيداً محتويات الخلطة المطلوبة في مثل هذه المواقف الصعبة.

وإذا كان وزير الإعلام المصري أنس الفقي ناشد الإعلام «التهدئة» في تناول الملف القبطي في أعقاب أحداث العمرانية قبل نحو أسبوعين، فإن المناشدة لم تؤخذ بكثير من الاهتمام في حينه. ويبدو أن مثل هذه الأحداث الجسام لا يحتاج إلى مناشدات، بل إلى حسّ وطني والتزام حقيقي بمعايير العمل الإعلامي الباحث عن الحقيقة والمعلومة المنزّهة عن الشحن العاطفي والتهييج الطائفي.