2012/07/04

النص الدرامي السوري يعيش فترة المراهقة
النص الدرامي السوري يعيش فترة المراهقة

آلجي حسين - تشرين دراما

ثمة خيال يرتسم في ذهن المتسلّقين على مهنة السيناريو، متعلق بكيفية تحقيق الربح السريع بـ1200 صفحة من قياس الـ(A4) (1).

أجل، صفحة الـ A4 هذه تخزن سرّ المهنة التي يعتقد الكثيرون أن السيناريو عبارة، فقط، عن عمود يقسم الصفحة إلى نصفين يتوسطهما عمود ثالث لتحديد اسم الشخصية، في حين أن العمود اليميني يختص بالوصف، أما اليساري فمحصور بالحوار، وفي غضون شهر يكون النص جاهزاً ينتظر مخرجه في شركة الإنتاج. ‏

الكثير من الجهات الآن حملت على عاتقها افتتاح دورات تدريبية للشباب الراغبين بتعلّم هذا الفن الـ«سد فيلدي» (2)، كخطوة أولى وأخيرة نحو ميدان العمل النافع. ‏

المهم، الكاتب الشاب اليوم يتمنى الحصول على فرصة إنتاجية لعمله الأول، كون الإنسان وُلد ومعه البذرة الأولى للدراما كفن أدائي، وهذه البذرة تتلخص في الحدوتة أو القصة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بميل الإنسان للمحاكاة. ‏

ففي حين تبرز أهمية التأثير الذي تخلّفه الدراما على كينونة الإنسان، يرى الكاتب السيناريست نفسه في خضم هذا الصراع، لأن المسؤولية هنا مضاعفة، فعليه يتوقف اختيار الفكرة ومجرى العمل كله، وليس هذا فقط، بل مجموعة التوترات التي ترافق عملية الكتابة نفسها، هذا إن تحدّثنا بكل صراحة عن الكاتب المثالي بكل معنى الكلمة. ‏

كُتّاب الدراما معروفون لدينا، فهناك من يكتب كل عام نصاً واحداً أو نصّين، وهناك من يكتبه كل عامين، وهكذا دواليك، وتتعلق الغزارة الإنتاجية لدينا بسيل دراما رمضان الفائض، ومطلوب إذاً كل سنة أكثر من أربعين عملاً مكتوباً ناجحاً حظي بفرصة الإنتاج. ‏

السيناريو.. خيال ولغة وفكر ‏

عند خضوعي لدورة تعلم السيناريو لدى الكاتب «عدنان عودة» في «بيت الفن» قبل أكثر من ست سنوات، كان «عودة» يجبرنا دوماً على امتلاك الخيال، فـ«القواعد الدرامية وحدها لا تكفي لإنتاج عمل ناجح»، وفي «قسم الصحافة» في «جامعة دمشق» كان الدكتور عربي المصري مدرّس مادة «التحرير الإعلامي» يخبرنا في درس السيناريو أن اللغة مهمة جداً في كتابة النص الدرامي، ففي حين ستعبّر لغتك عن النص، فلا داعي إذاً لوصف أو تحديد اللقطات والكوادر التي تُعتبر تدخلاً في عمل المخرج، لكن المصري رغم ذلك كان ينوّه بأن «هناك من يؤطّر السينما بعدد صفحات ومشاهد معينة شرط أن يصحب ذلك تحديد اللقطات والزوايا والكوادر وما إلى ذلك لتسهيل مهمة المخرج، أما الفئة الأخرى فلا ترى لذلك داعياً، وهي تترك المسائل التقنية لمصلحة المخرج وتُفضّل التلميح إلى اللقطات من خلال وصفها بلغة بليغة نوعاً ما»، ولاشك أن هذا الصراع قائم منذ فترة بعيدة بين التيارين الكلاسيكي وتيار ما بعد الحداثة. ‏

لكن للدكتورة نهلة عيسى طريقة أخرى في تدريس «فن السيناريو» فهي تستنتج أن السيناريو وصف لكل شيء أمام الكاميرا، من خلال سرد الأحداث وفقاً لأسلوب القص المتبع، وينقسم إلى «الديكورات – الأضواء – الشخصيات – الأفعال». ‏

هكذا كنا نتلقى دروس السيناريو، وفي حال ستقدّم نصك إلى مدينة «هوليود» لإنتاجه بعد ترجمته بالطبع، فما عليك سوى اختصاره إلى أربعين كلمة أو أربعة أسطر تتلوها على مسامع لجنة التحكيم التي ليست من ظروفها الصعبة الاستماع لقصتك كاملة، فهناك آلاف القصص تنتظر في الخارج. ‏

ولأننا نتحدث عن ضرورة الاختزال، فلا أعتقد ذلك جارياً على المسلسلات السورية وغير السورية، فالاختزال نستطيع تطبيقه على فن السينما كون الأمور محصورة بالناحية الزمنية المحدودة نسبياً، أما في سورية والوطن العربي، فلدينا شهر رمضان، شهر الكرم.. الكرم في المسلسلات والنصوص، ولأن الكاتب مطلوب منه ثلاثين حلقة بالتمام والكمال وأحياناً أكثر من ذلك، فمن الطبيعي أن يسيطر الحشو على مجمل مدة العرض، هذا إذا استثنينا المسلسلات التي تعتمد على الاسكتشات المنفصلة. ‏

لكن كيف يستطيع النص السوري تجاوز هذه المسالة؟ ‏

الحشو وحده ليس سيد الموقف سواء في الكلام والحركات، فهناك الشخصيات.. أبطال القصة الرئيسيين والأساسيين والثانويين بغض النظر عن أدوارهم وخلفياتهم وبنائهم، وهذه العناصر الثلاثة تشترك مشكّلة الحالات والانفعالات. ‏

ليس بإمكان أي كاتب للسيناريو الشروع بكتابة قصته من دون أن يكون لديه على الأقل بعض الأفكار المتبعثرة عما يريد إيصاله، وتتّحد هذه الأفكار ضمن فكرة واحدة أو مقولة واحدة يراها السيناريست الرسالة لمجمل عمله، وهذه الفكرة يسميها «سقراط» بالمقدمة المنطقية، فمن الأهمية بمكان حضور الفكرة في ذهن الكاتب منذ البداية. ‏

رحم الله أيام السباعيات ‏

منذ فترة لابأس بها لم نشهد مسلسلات سورية أقل من ثلاثين حلقة، فكم ستكون الفرصة جديدة في حال إنتاج أعمال تعتمد السباعية أو الثنائية أو العشرينية، ما الذي يضير ذلك؟ ‏

الكاتب الدرامي السوري تعامل مع الورق في وقت سابق، والورق يختلف عن التقنية التصويرية بطبيعة الحال، ولأن العديد منهم عرف سرّ المهنة، فما كان من قلمه إلا الانحياز نحو قضايا مجتمعية غير معايشة تماماً. ‏

السيناريو والمكان.. واديان ‏

ما أقصده أن أغلبية الأعمال التي تعتمد البيئة العشوائية «مناطق المخالفات» موضوعاً لها لا تعتمد الحياد في التناول، ليس الحياد فقط، بل لا يحتوي العمل معلومات ضرورية وأساسية سواء فيما يتعلق بالمكان أو بطبيعة الشخصيات نفسها. ‏

«يازلمة عم يصورو مناطق المخالفات وكأنّو اللي عايشين فيها وحوش مو بشر»، عبارة يقولها أحد مراقبي النصوص في التلفزيون السوري، طبعاً كيف لا والكاتب لم يعش يوماً واحداً في مناطق المخالفات، واستقى معلوماته ربما من بعض المقالات الصحفية أو عن طريق بعض الأصدقاء. ‏

مهمة الكاتب الدرامي لا تبتعد عن مهمة الباحث الاجتماعي، فالكاتب الغزير الإنتاج «هاني السعدي» حين كتب سلسلته المعروفة إنما اعتمد على معلومات ساعدته على بحثه العلمي المتعلق بمرض «الإيدز» على سبيل المثال، وكذلك الكاتب والفنان الشاب «محمد أوسو». ‏

الحكاية غير متعلقة بالكتابة من أجل الكتابة فقط، ثم إن السيناريو ليس قصة تروى فقط، هناك بناء للشخصيات يجب أن يشتغل الكاتب على أبعادها السيكولوجية والسوسيولوجية، والمهم فكرة العمل التي من المفترض أن يعرف مبدعها نهايتها قبل بدايتها، من دون نسيان عناصر الصراع والذروة ووجهتي الحبكة الأولى والثانية والتشويق وغيرها من العناصر المهمة. ‏

مسلسل «ماملكتْ أيمانكم» اشتغل فيه الصراع الدرامي على أشدّه، لكن في منتصف المسلسل لاحظنا اتجاه الفكرة نحو مواضيع أخرى أو أفكار مغايرة، ولم يكن الحدث الرئيسي يسير بموازاة الأحداث الفرعية، رغم أن النص كان جريئاً، فالصراع يمثّل العمود الفقري في البناء الدرامي ومن دونه لا قيمة للحدث مع ضرورة التركيز على بعض الأعمال التي تحمل في طياتها صراعاً فكرياً مثل المسرحيات الفكرية، ويُفضل في حالات كهذه الاكتفاء بالقراءة من دون التمثيل ومن هنا ظهر مصطلح «مسرح الفكر». ‏

إلى أين سنصل حين نتحدث عن الحوار في الدراما السورية؟ ‏

في وقت سابق قال الناقد والسيناريست «محمد مرعي الفروح» في إحدى الندوات أن «الفنان (ياسر العظمة) في مراياه يميل إلى زرع حوارات غير ضرورية على ألسنة نسائه ريثما يأتي الفحل (الرجل) ويتحدث الحوار الأهم». ‏

مراهقة النص الدرامي السوري ‏

لكل شخصية لغتها المفترضة التي تناسب عمرها ومستواها المهني والوظيفي والعلمي، فلولا الحوار لما كان هناك أدب مسرحي مثلاً، فهو العنصر المكمّل للعناصر السابقة، ويُعتبر مولد الأدب المسرحي لحظة صعود الممثل الإغريقي المشهور «ثيسبيس» خشبة المسرح معلناً الحوار لأول مرة عليها بعد أن كان المسرح غنائياً راقصاً وشعرياً. ‏

يجب أن يقدم كل حوار معلومة وأن يصعّد الحدث باتجاه الذروة، لا أن يأتي الحوار من أجل الحوار فقط وتضييع الوقت كما لاحظنا ذلك في مسلسلات سورية عديدة مثل «صبايا – باب الحارة 4»، وكأن للنساء الحظ الأوفر من الثرثرة. ‏

إذاً، الحوار الحقيقي غير درامي، فالفن ليس تصويراً للواقع كما يقول الفيلسوف الإغريقي «أرسطو» بل محاكاة له أو صورة عنه، ففي حين يجب على الحوار الدرامي أن يتسم بالوضوح وسهولة الفهم وأن لا يتطلب جهداً كبيراً من الجمهور ليفهمه، ينبغي أن يكون مناسباً لطبيعة الجمهور والشخصية والوسيلة المكتوبة فضلاً عن كونه موضوعياً ومناسباً لإيقاع العمل ومكان التصوير «لوكيشن». ‏

لذا، تزايد الاهتمام بالسيناريو من قِبل الكتّاب والمثقفين بعد الانتشار الذي حققته الدراما السورية في محاولة لتطويرها ودفعها للخروج من المآزق والمطبّات التي بدأت تعترضها، فقد لجأ العديد من الكُتّاب إلى صيغة العمل الجماعي أي ورش كتابة السيناريو. ‏

حتى أن هذه الورش لا تقدم المفيد أحياناً، ولأن العديد منها حفل بكثرة الأشخاص، فضاعت الفكرة أو الرسالة، ربما لأن الكاتب الواحد للنص يستطيع تلقي أو إرسال الفكرة بشكل أيسر. ‏

إذاً النص التلفزيوني السوري يشكو من كثرة الشخصيات التي تعيث الفوضى في المسلسل، وتسيّر الحبكة الدرامية نحو البطء لا التعقيد، في حين أن الحوارات لا تكون مناسبة لمستوى الشخصيات، فالطبيب يتحدث بلغة التلميذ، وأطفال «هاني السعدي» يتحدثون بلغة الكبار، وفوق ذلك لا يحقق الحوار الدرامي وحدته الفكرية والعاطفية التي يتوقف عليهما خاصية الإقناع. ‏

كل هذا، والحوار الجيد لا يعبّر عن نص جيد لدينا، وتبقى خواتيم الحكايات بيد صانعها الذي يعتمد في كثير من الأحيان على المصادفة في حلّ الأحداث، دون أن تكون النهاية مقبولة درامياً كما في سلسلة «باب الحارة»، ليأتي عدم التوحّد بين المكان الدرامي والشخصيات في النص، فلا المنزل ولا البيئة الخارجية توصفان حالة الشخص، ولا الشخص يوصف المكان. ‏

النص الدرامي السوري يعيش، بالتالي، فترة المراهقة، إما أن يصبح الولد باراً أو عالة على المجتمع.

[email protected]

هوامش: ‏

1-السيناريو: كلمة يونانية الأصل، وأول استخدام لها كان بمعنى خشبة المسرح، وفي الثلاثينيات استخدمت الكلمة بمعنى عدّاد رقمي عن الكلاكيت للمشاهد واللقطات التي تصور لترتيبها وتوفير الوقت والنفقات، ولم يأخذ شكله الحديث إلا في مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي. ‏

2-نسبة إلى الأميركي المعروف «سد فيلدي» صاحب الكتاب الأكثر شهرة «السيناريو».‏