2013/05/29

الوجه الغائب لمبدعي الدراما السورية في نحنا ضيوفك
الوجه الغائب لمبدعي الدراما السورية في نحنا ضيوفك


عمر محمد جمعة – البعث

تحظى البرامج التي تقدّم في الأعياد والمناسبات بنسب مشاهدة عالية، ولاسيما تلك التي تتسلّل إلى الوجه الغائب للكتّاب والمبدعين، وتعيد على نحو مختلف مناقشة وإنتاج مسائل فنية ودرامية تابعها المشاهدون وتركت لديهم أسئلة وانطباعات متباينة مختلفة عن علاقة هذا الكاتب أو الفنان أو المخرج مع الأنا المنطوية أو المنفتحة على الآخر. ولعل البرامج التي قدمتها الفضائية السورية في عيد الأضحى الأخير كانت لافتة من حيث الأفكار الجديدة والرغبة بالبحث عما يسلّط الضوء أكثر على تجارب إبداعية وفنية لافتة تركت بصمات واضحة في عالم الفن والدراما السورية، وكان من أبرز هذه البرامج، برنامج "نحنا ضيوفك" التي أعدّته الزميلة روزالين الجندي وأخرجته المخرجة منال صالحية، حيث سعى البرنامج وعبر ثلاث حلقات استضاف فيها على التوالي: المخرجة رشا شربتجي، ومهندس الديكور حسان أبو عياش، والمخرج تامر إسحق، إلى استحضار الوجه الغائب لهؤلاء المبدعين والكشف عن المؤثر التبادلي بين المبدع وعمله أو مهنته،

وذلك عبر الحديث عن جوانب ذاتية وشخصية يجهلها الغالب الأعم من متابعي الدراما السورية، ليتعرف عليها عبر هذا البرنامج، الذي يعرض المعادلة مقلوبة، إذ وبدلاً من أن نرى الكاتب أو المخرج ضيفاً في استديوهات التلفزيون، يعمد فريق العمل إلى زيارته في بيته ليصبح العنوان "نحنا ضيوفك" عتبة في العبور إلى الكثير من التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بحياة هذا المبدع، كحضوره الاجتماعي، والاهتمامات الأخرى والقراءات والكتب التي يقرؤها مروراً بما يربطه بالعائلة والأصدقاء والمحيط، وصولاً إلى علاقة كل ما سبق وتأثيراته في روح ووجدان هذا المبدع.

ولئن حاولت الزميلة روزالين الجندي معدّة البرنامج من خلال الأسئلة التي طرحتها وأدارتها بنجاح المذيعة حلا قوطرش، الهروب من النمطية والتقليد في مثل هذه الحوارات وتسليط الكاميرا أكثر على الجانب الذاتي المجهول من حياة ضيوفها، إلا أن الدراما وأسرارها وغواياتها وما يجري في كواليسها الخلفية أو الظاهرة ظلت حاضرة كعامل متؤثر بطبيعة حياة وثقافة هؤلاء المبدعين، وكإشارة ودلالة بيّنة أنه لا يمكن الفصل في مثل هذه الحوارات بين حياة المبدع الشخصية والأخرى المهنية.

في الحلقة الأولى عرضت صاحبة مسلسلات: الولادة من الخاصرة، تخت شرقي، قانون ولكن، أشواك ناعمة، غزلان في غابة الذئاب، زمن العار، يوم ممطر آخر، أسعد الوراق، المخرجة رشا شربتجي التي وُلدت في بيت فني لطفولتها التي عاشتها مع والدتها المصرية ومهندسة الديكور في القاهرة، وعملها مدرّسة في رياض الأطفال في الإمارات قبل أن تعود إلى سورية، وعلاقتها بأبيها المخرج هشام شربتجي وعشقها وممارستها للتصوير الضوئي وأثر ذلك في توجهها نحو الإخراج، كما تحدثت عن قصة زواجها وأسباب طلاقها من الفني ناصر ركا، ومعارضة والدها لهذا الزواج والمشكلات التي انتهت مع تعاونهما الفني في عملها الأخير "ساعات الجمر"، كما تحدثت عن بعض الأسرار التي تجري في كواليس العمل الفني وعلاقة الاحترام التي تربطها بالفريق الفني الذي يعمل معها، إضافة إلى الذكريات المؤلمة والمضحكة في الوقت نفسه التي ترافق عمليات التصوير.

أما مهندس الديكور حسان أبو عياش الذي ولد في السويداء عام 1943 من والدين لبنانيين، وقضى حوالى خمسة عقود وعاصر أجيالاً فنية مختلفة، فقد عاد بالذاكرة إلى تخرجه من كلية الفنون الجميلة وتعيينه في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون كمهندس للديكور عام 1966، ولقائه بالأستاذ سعيد النابلسي أول مهندس ديكور في التلفزيون ومصمّمة الأزياء هيفاء عربي كاتبي، إضافة ليحيى العظم ولبيب رسلان زميلاه من الكلية. وتحدث عن انطلاقته زمن الأبيض والأسود وأهم ديكورات الأعمال الدرامية التي أنجزها ومنها: تمثيلية اللحن الزنجي الطويل لفيصل الياسري 1971، مسلسل زقاق المايلة 1972، تمثيلية عواء الذئب 1974، ومسلسل فوزية 1977 والأعمال السابقة كانت للمخرج شكيب غنام.

كما عاد أبو عياش إلى الانعطافة الجديدة في تاريخه الشخصي وتاريخ الدراما السورية، حيث أشار إلى عملين مهمين كان الديكور بطلاً فيهما وكرسا تعاونه الفني فيما بعد مع المخرج بسام الملا، هما "أيام شامية" و"العبابيد"، وقد استمر هذا التعاون وأثمر عن: الخوالي، ليالي الصالحية، باب الحارة، مؤكداً أن مقومات نجاح العمل الدرامي ترتكز على عناصر مهمة متضافرة هي: القصة أو الحكاية، والممثل الخلاق ويوازيها الديكور والمكان والماكياج والإضاءة. فيما سجل عتباً كبيراً على الصحافة الفنية التي تدرس العمل الفني من زاوية السيناريو أو الإخراج أو أداء الممثلين فقط، وتتجاهل المكوّنات الفنية الأخرى ومنها الديكور الذي يعطي المسلسل هويته ويرسخ ذاكرة للمكان ويساهم في تلقي المشاهد للعمل بطريقة صحيحة ومتكاملة.

وفي الحلقة الثالثة والأخيرة تحدث المخرج تامر إسحاق الذي قدم للدراما السورية: الدبور، الخبز الحرام، ومؤخراً "الأميمي" عن حياته العائلية والأثر الكبير الذي تركته والدته في طموحه وتوجهه نحو الفن، وتدرجه في العمل الفني الذي بدأ بالتصوير الضوئي، مشيرين إلى أن إسحاق بدأ تجربته كمصور فوتوغرافي، دخل بعدها إلى عالم الإخراج من خلال عمله "سكريبت" ثم عمل مخرجاً منفذاً مع حاتم علي، ونجدة أنزور، والليث حجو والمثنى الصبح، ومخرجاً مساعداً مع هيثم حقي وسيف الدين سبيعي، قبل أن يخرج عدة حلقات في مسلسل "منمنمات اجتماعية" ومسلسلين عراقيين هما "الحب والسلام" و"شناشيل". على أن الروح المتوثبة والرغبة في المغامرة والإيمان بالوجوه الشابة المبدعة، كانت السمة الدالة على أن تامر إسحاق يعي أن إغناء الثقافة البصرية وحده لايكفي إن لم يجد المخرج أو المبدع محيطاً يسعى إلى دفع هذا الغنى نحو أفق أوسع وأرحب، وهو ما جاهد لتمثله ومعايشته مع فريق العمل الذي يقاسمه هذا السعي وهذا الطموح.

برنامج "نحنا ضيوفك" الذي عرّفنا بصورة جديدة وعبر الحلقات الثلاث المذكورة على هؤلاء المضيفين، كان خطوة أولى في البحث عن الجانب المخفي والعلاقة التبادلية في حياة بعض الكتّاب والفنانين والمخرجين، ونجزم أنه حظي بمتابعة جيدة ولبى رغبة المشاهد السوري ببرامج طالما بحث عنها في القنوات العربية الأخرى.