2012/07/04

انتقاد الجمهور للمذيع مناوشات على الهواء
انتقاد الجمهور للمذيع مناوشات على الهواء

مصطفى عبد الرحيم – دار الخليج

“صوتك غليظ”، “ليش مو كاشخ اليوم”، “تمدح كتير وبياع حكي” . . هذه نماذج من رسائل نصية ومكالمات يتلقاها مقدمو برامج البث المباشر .

منهم من يتقبل النقد، ومنهم من يطلب من المشاهد أو المستمع أن يغير المحطة، لأنه لا يمكنه الخضوع لعملية تجميل لتحسين صوته، أو ليبدو وسيماً . وإذا كان من بين الرسائل والاتصالات ما يخرج عن اللياقة، فهناك في المقابل متصلون بدرجة خبراء لكثرة متابعاتهم الأخبار والبرامج عبر مختلف القنوات والإذاعات .

كيف يتلقى المذيع تعليقات المشاهدين والمستمعين الشخصية التي تخرج عن إطار الموضوع الذي يتم مناقشته على الهواء، وكيف يتصرفون خصوصاً أن رد الفعل يأتي مباشرة عبر الأثير أو من خلال الشاشة؟

سألنا مذيعي البرامج “المباشرة” وجاءت إجاباتهم في هذا التحقيق . .

يقول راشد الخرجي مقدم برنامج “البث المباشر” على قناة “سما دبي”، إن تقبل المذيع للنقد وكياسته في تهدئة الضيف سواء داخل الاستوديو، أو عبر مداخلة تليفونية، يعود إلى خبرته ودرايته وثقافته، لأنه غالباً لا يعرف هوية المتصل ولا أهدافه . لذلك فإن مهمة المذيع تبدأ أولاً في تهدئته، ثم موافقته على الصحيح من كلامه، لأننا في النهاية جزء من الناس ونعمل من أجلهم .

وكما يقال “الزبون دائماً على حق”، فإن المشاهد أو المستمع على حق، ما دامت وجهة نظره على درجة من الوجاهة أو الصواب، تحتمل المناقشة . أما إذا تجاوز الضيف وخرج عن السياق، أو تطرق لموضوعات لا يمكن معالجتها على الهواء، فمن واجب المذيع أن يوقفه بلباقة وينبهه والمستمعين معه إلى الهدف الحقيقي من البرنامج  .

يضيف الخرجي إلى أن مداخلة الضيف، لا ينبغي أن تنال من هدوء مقدم البرنامج لأنه غالباً ما يكون على الهواء لعدة ساعات، وفقده لأعصابه في أول البرنامج ربما يؤثر في أدائه بقية الحلقة .

ويلفت إلى أن مقدم برامج البث المباشر، لابد أن يضع في اعتباره تعدد فئات وثقافات المتلقي، فهناك من يكون على دراية بطبيعة البرنامج وما يقدمه من خدمات للناس، وآلية العمل التي من خلالها يصل بصوته للمسؤولين .

وهناك من لا يهمه إلا أن تعالج مشكلته بغض النظر عما إذا كان المسؤول في اجتماع أو مشغولاً في أداء عمله .

أما بالنسبة للرد على الرسائل النصية خلال البرنامج فيقول: أقرأ كل الرسائل النصية، وأطلب من فريق عملي أن يعيد الاتصال بأشخاص، وجهوا انتقادات للبرنامج . وأتذكر أنني اتصلت شخصياً بأحد الأشخاص الذين لم يعجبهم البرنامج، لأعرف السبب . وسرعان ما تبدلت وجة نظره بعدما تأكد أنني حريص على رسالته ومساعدته .

“إرضاء الناس غاية لا تدرك” بهذه المقولة بدأ عبد الله راشد، مقدم برنامج “الرابعة والناس” على شبكة الرابعة الإعلامية بعجمان، تعليقه على قضية انتقاد المذيع على الهواء، مضيفاً أن بعض المتابعين للبرنامج يتصلون به لمجرد التنظير فقط، غير عابئين بوقت البرنامج ولا أهدافه التي يعمل من أجلها ثلاث ساعات يومياً .

ويضيف بو راشد: رغم خبرتي الطويلة في مجال برامج البث المباشر، إلا أنني أعتبر نفسي مازلت أتعلم، وأتقبل النقد . الذي أراه جيداً، خاصة إذا جاءني من أكثر من فرد أعهد إليهم بالثقافة والثقة . بينما في المقابل لا يمكنني قبول وجهة نظر مستمع أو مشاهد لا يقبلني، بحجة أن ملامحي أو صوتي لا يتناسبان مع ذوقه، لذا أقول له “لست مجبراً على متابعتي، وأمامك محطات وبرامج ومذيعون كثر . ربما منهم من يروق لك ويناسب ذوقك” .

ويتابع بوراشد: أنا أيضاً هناك من لا يعجبني من المذيعين، وهي حرية شخصية تعطي للمتابع أن يدير المؤشر، ويبحث عما يرغب في متابعته .

ويؤكد مقدم برنامج “الرابعة والناس” أن المذيعين ليسوا ملائكة، بل هم بشر معرضون للخطأ والنسيان، ويمكنهم تقبل النقد حتى لو كان لاذعاً شرط أن يكون في محله ويعالج موضوع الحلقة، ويعود بالنفع على مقدم البرنامج والمستمع والمسؤول الذي يستمع إلى البرنامج في بعض الأحيان .

ويضيف: من بين الناس من يتصل ليشكو مقاطعة الضيف على الهواء، وهو ما أضطر إليه في بعض الأحيان، لأن المتصل قد يسترسل في حديثه، ويأخذ حق متصلين آخرين . وقد أضطر لمقاطعة المتصل لشعوري بأنه لا يسيطر على كلامه، وقد يذكر أسماء لها حق الرد وهم ليسوا معي على الهواء، مما يدخلنا في أمور قانونية نحن في غنى عنها .

من جانبه يقول أحمد المجيني مقدم برنامج “استوديو 1” على “إذاعة أبوظبي”، ليست كل الانتقادات التي توجه للمذيعين سلبية، فهناك من ينتقد ويكون على قدر من الوعي والمسؤولية . وعلى مقدم البرنامج أن يتقبل ذلك، وعلى المذيع أن يعمل وفق المقولة الشهيرة، رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .

ويضيف: يجب ألا نتخذ المنتقدين من الناس أعداء لنا، فهناك انتقاد يراد به الإصلاح، وعلى المذيع ألا يتشبث بآرائه الشخصية لأنها ربما تكون خاطئة، كما أن خوف بعض الإعلاميين من النقد يفقدهم روح المبادرة، والطموح، والقدرة على اتخاذ القرار الصائب، وأعتقد أن الانتقاد لا يكون موجهاً لشخصي ولكن لآرائي التي ربما تكون خاطئة .

ويؤكد المجيني أن المذيع الناجح هو الذي يقبل النقد حتى لو كان لاذعاً، ويتدبر فيه ليكون أحد أسباب التغيير نحو الأفضل . فهناك رأي ناقد وآخر رأي منتقد . الأول يتسم قائله بالكياسة ويريد الإصلاح، أما الثاني فلا يحالفه توفيق الألفاظ والنبرة الصوتية، وغالباً ما يصدر من الحاسدين والحاقدين،  وفي المقابل ليس كل المنتقدين على حق .

ويتابع المجيني: لا يحق للمتلقي الإساءة للمذيع أو انتقاده بأقبح الألفاظ، فمثل هذه التصرفات المتكررة قد تُحبط من همم المذيع، وبالتالي تقلل من كفاءته وإنتاجيته وحبه لعمله في خدمة الناس، بينما يجب أن تجمع بين مقدم البرنامج والمتلقي علاقة يسودها المودة والاحترام المتبادل . لأنه كما قيل قديماً من يزرع الورد يستمتع برائحته ومنظره، ومن يزرع الشوك عليه ألا يتوقع إلا الجروح والألم .

أما جمال مطر مقدم برنامج “البث المباشر” على قناة “نور دبي”، فيقول إن تقبل النقد من قبل المذيع يعتمد على أخلاق الإعلامي وسماحته، ودرجة تقبله للآخر، وعدم تعاليه على الناس، فهناك مسؤولية ملقاة على عاتق المذيع، وهي أن يختم كل حلقة وجميع الأطراف يشعرون بالرضا، من مستمعين ومشاهدين ومسؤولين أو حتى مقدم البرنامج نفسه، وكل ذلك لن يتحقق إلا بمذيع على درجة عالية من الثقافة والوعي، والحلم والهدوء لتقبل اقتراحات وانتقادات الناس، أو حتى شكواهم . والمتلقي على درجة من الوعي لأهمية الرسالة الإعلامية، المقدمة من قبل برامج البث المباشر، والتي باتت في الفترة الأخيرة همزة وصل بين الناس وبين المسؤولين .

ويضيف مطر: يعتمد تقبل المذيع للنقد على أسلوب المتصل أو الضيف، فهناك كلمات تقبل ويقدر صاحبها، أساليب أخرى لا يمكن تقبلها، لاسيما على الهواء حيث مئات المتلقين يشتركون في الحوار .

وعن قراءته لرسائل الجمهور على الهواء يقول: أقرأ 90% من الرسائل الواردة، وأكتفي بالرد على بعضها، مثل من يقول لي إن صوتك اليوم غليظ . معتبراً ذلك نوعاً من أنواع الدعابة، وفي المقابل أعتذر عن قراءة رسائل أخرى تحمل وجهات نظر لا تتفق مع خط البرنامج، أو تخرج عن السياق بأي شكل من الأشكال، وأكتفي بذكر رقمين من رقم الهاتف الواردة منه الرسالة، وأقول لصاحب الرقم أعتذر عن قراءة رسالتك .

يقول محمد غانم مصطفى مدير عام إذاعة رأس الخيمة، ومقدم برنامج البث المباشر، إن عمل المذيع مرهون في أحيان كثيرة بثقافته وخبرته، واطلاعه بشكل مستمر على القوانين والقرارات التي تصدر عن الدوائر والهيئات الحكومية، وهو ما يمكنه من الرد على المستمع على الهواء .

لكن هناك بعض المستمعين لا يرغبون في سماع ردي، ويطلبون أن أتصل بالمسؤول، الذي قد أكون اتصلت به ليتحدث في نفس الموضوع أكثر من خمس مرات، وإذا رفضت يتهمني البعض بالتقصير .

ويضيف مصطفى: أصبح مقدم برنامج الهواء وأنا أولهم، متهماً بمحاباة المسؤولين على حساب مصلحة المواطن، ومتهماً أيضاً من قبل المسؤول بمحاباة المواطنين وملاحقته في كل مكان .

وحول رده على انتقاد المتصل له وطريقة امتصاصه للكلمات اللاذعة التي قد توجه إليه يقول مصطفى: الكلمة الطيبة هي مفتاح عمل المذيع، فعندما أشعر بحسي وخبرتي أن المتصل مشدود الأعصاب، لا أعطيه مجالاً للحديث إلا بعد تهدئته بكلمات طيبة ودبلوماسية مقبولة .

ويكشف مدير عام إذاعة رأس الخيمة عن عزمه أكثر من مرة ترك العمل الإعلامي، بعد ما أصبح محاصراً لمدة 24 ساعة في اليوم بالمكالمات الهاتفية وطلبات وشكاوى الناس، وكأن المذيع لديه عصا سحرية تمكنه من حل كل المعضلات بلمسة واحدة . ويتساءل قائلاً: إذا كان المذيع يتدخل لحل مشكلات الناس، فمن يحل مشكلاته؟

حول استقباله لانتقادات الناس له، يقول حسن يعقوب مقدم برنامج “الخط المباشر” على إذاعة الشارقة . إنه لا يرد في بعض الأحيان على رسائل نصية ليس لها علاقة بموضوع الحلقة . أما فيما يتعلق بالاتصالات فيكتفي بشكر المتصل، وعدم التعليق على المكالمة قائلاً له إن الملاحظة  قد وصلت .

ويضيف يعقوب أن بعض الرسائل لا يرد عليها لأنها تكون خارج إطار الموضوع الذي تتم مناقشته في الحلقة .

وعن درجة استفادته من النقد يقول: أنا من الذين يهمهم تطوير أدواته بشكل مستمر، وكل يوم يتعلم الإنسان شيئاً، وأذكر أنني تعلمت من رسالة وردتني من أحد الزملاء، يطلب مني التقليل من كلمة “أنا” التي ربما يفسرها آخرون على أنها غرور أو تباهٍ . حيث كنت أقول “أنا قمت اليوم بكذا، واتصلت بفلان” وطلب مني زميلي

أن أبدلها بكلمة “نحن”، حتى يشعر الزملاء وفريق البرنامج، أننا يد واحدة ولا فرق بين من يعمل خلف الميكروفون (أو الكاميرا) ومن يعمل خلفه .

ويتفق معه محمد خلف مقدم البرامج بمؤسسة الشارقة للإعلام، من أن المذيع لابد أن يكون أول من يطبق مبدأ الصراحة والشفافية، وأن يتقبل النقد والملاحظات التي ترد من المتابعين لبرنامجه، لاسيما إذا تكررت ما يعني أنها ملاحظة صحيحة وعليه الأخذ بها .

ويضيف خلف: هناك آراء تتدخل في الأمور الفنية للبرنامج، غالباً لا تلقى قبولاً من القائمين على البرنامج، لأن المتصل أو مرسل الرسالة ليس على دراية كافية بفنيات العمل الإذاعي أو التلفزيوني . أما فيما عدا ذلك فالمجال مفتوح أمام الناس للنقد، لأن المذيع في النهاية بشر يخطئ ويصيب، ولا بد له إذا أراد النجاح أن يتغير