2012/07/04

بوسطة تستقبل الفنانة صباح فور عودتها من نيويورك
بوسطة تستقبل الفنانة صباح فور عودتها من نيويورك

    صباح تعود من رحلتها الحب في أمريكا بالدولار طعمية وكباب في نيويورك   في الشقة الهادئة المطلة على النيل، جلست صباح ـ وكانت عائدة لتوها ـ من المطار تروي للكواكب تفاصيل رحلتها التي استغرقت ما يقرب من خمسة شهور   قالت صباح: لم أكن أتوقع أن تطول رحلتي مع وزجي، أنور منسي، غير أن الظروف شاءت أن تستغرق هذه الرحلة ثمانية شهور، زرت خلالها فرنسا وانكلترا قبل عدوانهما الغادر على مصر، وكذلك زرت سويسرا وايطاليا وأمريكا إلى جانب لبنان، ووضح لي خلال زيارتي لفرنسا هذا العام، أن أهلها فطنوا إلى أسباب شكوى السائحين في بلادهم، من إقلاق الراحة وإنعدام النظافة، فعمدوا إلى التخلص من هاتين الشكويين .. والتقيت خلال وجودي في باريس بالزميل فريد الأطرش، وكان قد جاء للعلاج، فأمضينا معاً وقتاً طيباً، ولما سمعنا عن مرض الزميل عبد الحليم حافظ ووجوده في انكلترا، سافرنا إلى لندن حتى نكون إلى جواره عند إجراء العملية له .. وعدنا إلى باريس ثانية، ثم قررنا السفر إلى أمريكا في رحلة فنية، واتفقت مع زوجي على أن نعهد إلى أحد البيوت التي تخصصت في العناية بأطفال المسافرين في سويسرا بابنتنا "هويدا" فاخترنا بيتاً تشرف عليه مربيات تخصصن في العناية بالأطفال، بحيث يجدون في مربياتهم ما يجدونه في آبائهم من الحب والحنان .. وأول ما يطالعك في جنيف أنك ترى الحياة فيها تسير وفق نظام دقيق يغلب عليها طابع الأناقة والنظافة، بما قد لا تجده في أية عاصمة من عواصم أوربا، إلى جانب هذه المشاهد الطبيعية الرائعة .. ثم بعد أن اطمئننا على "هويدا" سافرنا إلى إيطاليا حيث التقيت هناك بكثير من المصريين. وأهم ما يلفت النظر في طرقات روما كثرة محال الأزياء، ويكاد يقتصر نشاطها على زوار إيطاليا، فالطبقة الراقية الإيطالية وحدها هي التي تهتم بالأزياء، أما المرآة الإيطالية العادية والمتوسطة فإن أهم ما تعنى به منذ زواجها هو دراسة فن التفصيل لتوفر على زوجها ماله! وعدنا إلى باريس مرة أخرى، ومنها ركبنا الطائرة إلى أمريكا، ونزلنا في أحد فنادق نيويورك وكان أول ما لفت نظري هناك، أن الأمريكيين جميعاً يمتازون بالسرعة العجيبة، فالجميع مشغولون، وليس لديهم وقت يضيعونهم والدولار وحده هو كل شيء في أمريكا ... إنه هو الذي يتحكم في عقولهم وفي مصائرهم، وأجمل تعبير يقوله الشاب لحبيبته .. ـ أنت أجمل من مليون دولار !! وكذلك يبدو مستوى الحياة في أمريكا مرتفعاً جداً، بحيث لا يقوى عليه الفرد ذو الدخل المحدود، فالعامل الذي يتقاضى أربعين دولار في الأسبوع يحيا حياة أقل من زميله العامل المصري الذي لا يكاد يتقاضى ربع هذا المبلغ .. وقد ظللت أياماً أمضي النهار على لقيمات صغيرة، حتى وفقت إلى العثور على عناوين مطاعم شرقية فاستطعت أن أملأ بطني من طعامها الشرقي اللذيذ. والأناقة في السيدات تبدو لكل ذي عين. والأزياء هناك تباع بأسعار جنونية، ورغم هذا تجد السيدات أنيقات حتى العجائز منهن! ولا هم للشاب الأمريكي إلا أن يعمل طوال النهار، عملاً مضنياً شاقاً، فإن أمامه المثل الأعلى الذي يسعى إليه وهو أن يصبح مليونيراً ! وتنفق الدعاية الصهيونية في أمريكا مبالغ طائلة، في سبيل نشر الأنباء الكاذبة عن مصر، وعندما وقع الاعتداء الغادر على مصر، نشطت الدعاية الصهيونية في نشر أنباء مكذوبة عن انتصار الاستعمار، وكان أن اتصلت مع زوجي بالأستاذ علي خليل الذي كان يعمل في هيئة الأمم المتحدة فكذب لنا هذه الأنباء. ولمست خلال وجودي هناك، أن الرأي العام الأمريكي كان مع مصر خلال المعركة رغم أن الدعاية الصهيونية كانت تحاول أن تبدد هذه المشاعر الطيبة بدعاياتها المغرضة ولكنها لم توفق إلى ذلك. وقد أكد لي أحد الأمريكيين الذين تعرفنا بهم خلال رحلتنا، أن الأمريكيين جميعاً يعجبون بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، ويعتقدون أن سياسته ستدفع مصر إلى الأمام في خطوات جبارة .. وقد غنيت في عشرين حفلة، وتلقى الأغاني المصرية إعجاباً شديداً من الشرقيين المقيمين في أمريكا، وقد وجدنا أغنية "زنوبة" منتشرة هناك، وكان رواد الحفلات التي أقمتها يلحون عليّ في أن أغني هذه الأغنية دائماً .. وأقمت عدة حفلات دعوت إليها بعض الأمريكيين وبعض الشرقيين، وكان الطبق الرئيسي الذي قدمته هو "الطعمية" فأقبلوا عليه بنهم على أن الدعاية الصهيونية نجحت كثيراً في تصوير حياتنا الاجتماعية صورة مشوهة. فالكثير من الأمريكيين ما يزالون يعتقدون أن المصريين يسيرون في طرقات القاهرة وهم يركبون الجمال والحمير!! ولما عرف الأمريكيون أنني إحدى نجوم السينما في مصر قاموا بعمل احاديث مع. والأمريكيون يقدسون نجوم السينما، فلما زرت بعض المصانع كان في استقبالي المديرون وكبار الموظفون. والتقينا هناك بمارلون براندو، وبول بيرنير، وكنت قد التقيت في دوفيل في فرنسا بانجريد برجمان، وأعجبني فيها وقارها واحتشامها وجمالها الهادئ. وجميع كاباريهات نيويورك تعزف موسيقى أغنية "القمح" لمحمد عبد الوهاب ويعرض بعض دور السينما أفلاماً مصرية لمدة يوم واحد، وحضرت هناك حفلة عرض فيلم "لحن حبي" الذي قمت ببطولته أمام فريد الأطرش وصادف هذا الفيلم إعجاباً كبيراً. وأقمت قبل سفري حفلتين خصص إيرادهما لمنكوبي بور سعيد، وتردد الهتاف خلالهما بحياة مصر والزعيم عبد الناصر. وكان يمكن أن تطول رحلتي لولا شدة حنيني إلى الوطن، فعدت إلى سويسرا حيث وجدنا ابنتنا "هويدا" وقد نسيت الكلمات العربية ولم تعد تعرف سوى الفرنسية! عن مجلة الكواكب ـ العدد 186-22يناير 1957-21 جماد تاني 1276