2012/07/04

  ـ غنيت للمغتربين أغنيات الوطن الأم ..     سنتان ونصف، شيء في عمر أي إنسان، عادت بعدهما كروان وهي أغلى شوقاً، وأحر عاطفة، بالرغم من النجاح الساحق الذي حققته لبلادها في كل مكان من الولايات المتحدة، في كل لحظة أقامتها وفي كل عملٍ قامت به، وكان انتصار كروان الأساسي ذلك الذي حققته في سنة كاملة سلختها من هذه المدة وهي على فراش المستشفى بين الحياة والموت حيث أجرت ثلاث عمليات تجميلية لأنفها، الذي عاد كما كان قبل الحادثة المشئومة في حياتها، وعادت بعد انتهاء العملية لتهب فنها كله .. وصوتها الجميل بما فيه من حساسية وعمق، وأخلاقها الهادئة على ما فيها من (( نرفزة )) لبلدها .. ولأصدقائها وأهلها، ولحياتها الفنانة الأولى .. ولم تكد كروان تصل حتى توسطت قمة العمل الفني بين التلفزيون والإذاعة. فالمعروف أن كروان هي المطربة الوحيدة التي لم يغرها النجاح على ترك دمشق لأنها معلقة بالبلد الجميل بكثير من الإخلاص وبألف لون من العاطفة .. ولم يكن في نية كروان أن تبدأ العمل، لكن العمل لا يرحم، والذين طلبوا منها أن تبدأ العمل أخوتها .. أبناء بلدها .. لذلك لم تسترح، لم تنتظر، وعاد الصوت الحلو إلى الإذاعة .. والآن مع بدء التلفزيون سينطلق في الميكروفون ويظهر الوجه على الشاشة ..   التلفزيون .. هنا .. وهناك وطافت كروان في الولايات المتحدة من نيويورك .. إلى اريزونا وسان فرانسيسكو، ومرت بكاليفورنيا وفلوريدا، ولوس أنجلوس، والمدينة الساحرة هوليود، وبوسطن،، ووستر، وميشغان، وأوهايو، تباكت رود آيلون، وغنت في كل مكان، وغنت في كل مكان، وكان التلفزيون في كل مقاطعة يتابع خطوات الفتاة العربية بالثانية، ويعطي مستمعيه العرب، الجالية التي لا تخلو منها أية مقاطعة هناك، شيئاً من البلد الأم، وكان التلفزيون هناك يجري مقابلات مع المطربة الزائرة تتحدث فيه عن بلادها ونهضتها ، وكانت تلاقي تجاوباً عجيباً من الجميع.. وعندما تتحدث كروان عن التلفزيون الأميركي تبدو قسمات الإعجاب بالبرامج التي يقدمها هناك أن التلفزيون في أميركا ـ كما تؤكد ـ يملأ حياة الناس هناك، وقد أصبح بعد ظهور مئات المحطات التلفزيونية، شيئاً من لوازم الأسرة الأميركية، فيه لكل واحد من الأسرة زاوية خاصة وحياة خاصة .. ولم تترك كروان، أو بالأصح لم تتركها أية إذاعة عربية، وهناك عدد كبير من الإذاعات تملكها الجاليات العربية وتقدم فيها كل أسبوع فواصل من الغناء والطرب العربي، وظلت كروان تحتكر هذه الفواصل طوال إقامتها هناك، وانهالت عليها العقود، وكانت تقبل جزءاً منها وترفض الكثير لأنها لا تريد أن تقيم هناك، بل كانت ترتب كل أمورها على أساس العودة .. وعندما يحين الوقت ..   سأعود وحان الوقت وعادت كروان في أوائل هذا الشهر .. عادت لتملأ الإذاعة ـ كالعادة ـ مرحاً ـ وصداقة .. وبين عبارات الترحيب قالت لي: ـ لقد اشتقت لبلدي .. كان كل شيءٍ فيها يغريني على العودة، على الرغم من العمل المستمر الشاق في فترات الاستشفاء، كنت باستمرار أنتقل من مدينة إلى مدينة، ومن مسرح إلى مسرح، وقد عملت مع كبار الفنانين هناك في حفلات واحدة، غنيت مع داني تامس في عدة مدن، ومع عدد كبير من الأسماء اللامعة من المطربين والمطربات، وأحييت معهم في كل أنحاء الولايات المتحدة حفلات كبرى وكانوا يلقبوني هناك بأم كلثوم المهجر.   ـ والآن ؟ ـ الآن عدت إلى بلدي، وسأعود إلى المستمعين الذين حنوا إلي، وحننت إليهم.   ـ والتلفزيون بدمشق ؟ ـ إن الخطوات المبدئية تدل على أنه عمل جبار وسأقدم كل ما يطلب مني له .. إن كل ما يجري في بلدي يتفاعل مع دمي وقلبي، وأنا مستعدة للمساهمة بكل ما أستطيع أن أفعله.   ـ وهل بدأت في الإذاعة ؟ ـ سجلت أهزوجة لعيد الثورة وسأسجل قريباً عدد من الأغنيات أتعلمها الآن من عدد من كبار الملحنين ..   ـ وهل ؟ ـ لا تكمل السؤال .. أكاد أعرفه .. سأسافر قريباً .. إلى الإقليم الجنوبي، لأسجل عدداً من الأغنيات بناءً على طلب صوت العرب، والقاهرة .. ولكي آخذ عدداً من الأغنيات الجديدة من كبار الملحنين هناك.   هذه قصة المطربة كروان باختصار .. أو هي قصة (( بنت بلدنا )) التي عادت يهزها حنين عجيب لبلدها ولإعطاء هذا البلد الذي أنشأها .. كل ما تستطيع من صوتٍ طروب وعاطفة جياشة.       المصدر: مجلة هنا دمشق ( إذاعة وتلفزيون الجمهورية العربية  المتحدة ) ـ العدد 172 ـ السنة السابعة ـ 1 آب ( اغسطس ) 1960 ـ ص 14 , 15 .