2012/07/04

بين الخربة وأم الطنافس.. الهبوط من القمة
بين الخربة وأم الطنافس.. الهبوط من القمة


حسين صقر - الثورة


بما أن الكوميديا كنوع فني لابد أن تعرَف إلا من خلال معاييرها الجمالية, والتي تميزها عن الأشكال المسرحية والتلفزيونية الأخرى.

‏ لتبدو دراما شعبية مسلية وهادفة وتزرع على وجوهنا الابتسامة في الوقت ذاته, من الضروري أن تحاط بعوامل إنجاحها كافة ، و لا تتناقض مع المفهوم العام لبيئة العمل الذي تتحدث عنه هذه الكوميديا, وذلك بعيداً عن الهزل والابتذال الذي يستجدي الضحك بدل خروجه من الأعماق حتى لو لم نكن مهيئين نفسياً لذلك.‏‏

والكوميديا بتعريفها العام والشائع هي مسرحية يقوم الفعل الدرامي فيها على تخطي سلسلة من العقبات، والتي لا تحمل خطراً حقيقياً , وتكون الخاتمة فيها سعيدة، كما أنها تهدف إلى التسلية عبر تضخيم الحدث وإعطائه شكلاً غير طبيعي, بحيث يستطيع المتفرج رؤية هذا التضخم بشكل عقلاني لكونه خارج الحدث, وبذلك يشعر بتفوقه بكونها – أي الكوميديا – تتطلب منه موقف محاكمة لا خوف ولا شفقة فيه.‏‏

وبالتالي فإن التعمق فيها يؤدي إلى نوع من التنفيس واستثارة الوعي لأنها تشكل التصاقاً بالواقع اليومي, ولاسيما أن جمهور الكوميديا أوسع وأكثر تنوعاً من التراجيديا, وهذا له أسبابه العديدة والتي تخضع لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية, فضلاً عن أن الكوميديا تحاكي الطباع من خلال الفعل الذي تحمله صفة و طبيعة الشخصية.‏‏

الدراما السورية تميزت بهذا النوع من البرامج والأشكال، وكان للفنانين السوريين والكوادر العاملة معهم في هذا المضمار الفضل في نشر هذا النوع في أرجاء الوطن العربي، لما أثاروه من تنوع في هذا المجال.‏‏

ومن هذا المنطلق تواصل شركات الإنتاج الفني الاهتمام بهذه الأعمال ولاسيما في ظل الظروف التي تعيشها الأمة العربية والإحباط الذي تتعرض له في مجالات كثيرة إقليمياً ودولياً، وبالتالي أصبح المواطن العربي بحاجة ماسة للتنفيس على خلفية تلك الضغوطات ليبتعد بنفسه قليلاً عما يجري.‏‏

في العام الماضي وما سبقه قامت بعض الفضائيات العربية بعرض أحد المسلسلات الكوميدية السورية الذي يتحدث عن بيئة في الساحل السوري يسمى ضيعة ضايعة، وأعتقد أنه حصل على نسبة مشاهدة كبيرة لتحقيقه معظم شروط الكوميديا وأضحكنا ونال إعجاب الكثيرين نصاً وأداءً وتصويراً، بعد أن اعتمد على شخصيتين رئيسيتين كانتا شغل الناس الشاغل وبسببهما تتفاعل الأحداث وتتطور، وإذا تناولت قصتهما أمراً ما كان ذلك التناول خاصاً بصفات تلك الشخصيتين، وهكذا أصبحت قرية السمرة مقصداً سياحياً على خلفية المسلسل.‏‏

الكاتب أراد تكرار التجربة بعد اختياره بيئة أخرى لعمل كوميدي ناجح آخر، وكانت محطته هذه المرة في إحدى القرى الجنوبية والتي سمّاها الخربة كعنوان للعمل واختار المخرج بعض شخصيات العمل من تلك المنطقة لصعوبة اللهجة وكان هؤلاء إلى جانب مجموعة أخرى من الفنانين السوريين المعروفين والمهمين في الوسط الفني، لنفاجأ بمطبات كثيرة لم يحسب حسابها، من أهمها عدم إتقان اللهجة من الفنانين الذين لا ينتمون لتلك المنطقة ويتحدث البعض منهم عدداً من اللهجات في جملة واحدة حتى ضعنا بين مجموعة كبيرة من اللهجات ليس محلياً وإنما عربياً أيضاً.‏‏

المطب الآخر هو عدم تركيز العمل على شخصيتين كوميديتين أو ثلاثة أو أكثر قليلاً في العمل، إلى جانب الشخصيات الأخرى الجادة التي تتميز بصفات جيدة كالنبل والكرم والشهامة والصدق والذكاء وفهم وتقبل الآخر، حتى غدت تلك البيئة عبارة عن مجموعة كبيرة فيها من البخل والغباء والحقد والجبن والكذب والمبالغة، ما لم نسمع عنه في تلك البيئة إلا في حالات فردية لا تندرج على قرية بكاملها، وغدا وجهاء تلك القرية المفترضة أناساً لا يكنون لبعضهم إلا الحقد والشماتة والضغينة.‏‏

الأمر الثالث هو تناول قضايا، تمس بعض الأمور التي يتباهى بها أبناء تلك المنطقة منها ما يتعلق بالشكل وأخرى بالمضمون، ومنها ما يحمل بعض الإشارات التي لا داعي لها ويكررها بعض شخصيات العمل، أو التلفظ بكلمات ومصطلحات لا يسمح بها حتى أثناء المزاح في جلسات هؤلاء الخاصة، ولا نعلم إذا كان الهدف منها تسليط الضوء على فكرة ما أو انتزاع الضحكة التي لا تحل في مكانها.‏‏

إذاً الإضحاك ليس شرطا لوجود الكوميديا, كما أن كلمة كوميديا لا تفترض دائما وجود الضحك لأن فهم المضحك تدخل فيه اختصاصات متنوعة مثل الفلسفة وعلم النفس والاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية الأخرى.‏‏

وعليه تقدم كوميديا الخربة حدثاً غير متماسك, تؤديه شخصيات العمل بنفس الطريقة، مكررة نفسها، وجميعها أرادت أن تكون محورية، حيث من غير المعقول وإن كان من قبيل الفكاهة أن تنتمي جميع الشخصيات إلى شريحة واحدة لها طريقة عمل وتفكير واحدة في الحياة، خاصة إذا علمنا  أن تطور الكوميديا مرهون بأن تستقي موضوعاتها من نبض الناس والوطن ولا تقوم على تأليف حكايات خيالية، معتمدة دوماً على الغلط والغرابة، وأن كوميديا هذا العام متشابهة مع كوميديات الأعوام السابقة خاصة أن أكثرها عبارة عن أجزاء مكررة من عناوين سابقة و إذا كانت مدروسة أكثر فستكون أفضل من الأجزاء السابقة وهذا بشهادة إحدى شخصيات العمل الرئيسية في لقاء لها، إذاً فماذا عن الخربة.‏‏

صحيح أن الدراما السورية لعبت دوراً مهماً في نجاح الكوميديا، وهي مرغوبة ومحببة للمشاهدين في الوطن العربي، وتتميز سورية بأنها تقع في منطقة متعددة الفصول ومتعددة القوميات واللهجات، وهناك تنوع بين عاداتها وتقاليدها بين شمالها وجنوبها وغربها، كما أن العمل الكوميدي السوري يكون عصارة إبداع قلة من المخرجين أو الكتاب، والقلة دائما تكون نخبوية بعكس الكثرة التي تكون عامية، كما يقول فنان آخر، إلا أن مسلسل الخربة مع الأسف لم يحقق الأهداف المطلوبة.‏‏