2012/07/04

«ثورة سينمائية» تشعلها أفلام عربية وهوليوودية
«ثورة سينمائية» تشعلها أفلام عربية وهوليوودية

خمس الحواس – أسامة عسل

المعروف عن السينما أنها ذاكرة الشعوب ترصد التاريخ وتعكس الأوضاع التي يمر بها أي مجتمع، وتنبع أهميتها في مقدرتها على تشكيل وجدان

الجماهير باعتبارها أكثر الفنون شعبية، فهي فن يعشقه الناس ينقل همومهم وأوجاعهم ويتفاعل مع أفكارهم وآمالهم

ومع هبوب رياح التغيير في مصر بدأ الجميع يتحدث عن دور الفن السابع قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير، التي لم تكد تنجح حتى بدأت شركات الإنتاج

وصناع الأفلام في الإعلان عن نشاط كثيف لتنفيذ أعمال تعبر عن ملحمة الشارع المصري، ولا شك في أن الإعلام الذي نقل أدق تفاصيل وأيام

الثورة بالصوت والصورة ألهب خيال كثير من كتاب السيناريو حول تجسيد ما حدث على شاشات السينما، وامتد هذا التأثير ليصاحب الثورة خلال

انطلاقها حيث أنهت المخرجة المصرية نيفين شلبي فيلما وثائقيا طويلا بعنوان (أنا والأجندة) صورته أثناء المظاهرات واختارت للظهور به أفراد من

شباب الثورة سخروا من الاتهامات التي زعمت وجود أجندات أجنبية خاصة بهم، مؤكدة في لقطات مركزة وسريعة أنهم يبحثون عن الكرامة

والحرية والعدالة الاجتماعية ومحاسبة الفاسدين

كما قام المخرج مجدي أحمد علي طوال فترة الاعتصام التي شهدها ميدان التحرير بوسط القاهرة، في تصوير مشاهد حية لتفاعل جميع فئات

الشعب للاستفادة منها في فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان (الميدان) ويتناول أحداث الثورة المصرية، وكذلك فعل المخرج خالد يوسف وسعد

هنداوي حيث سجلوا تفاصيل كواليس ردود الأفعال من جميع الأطراف

وليس بمستغرب أيضا، بعدما أكد الرئيس الأميركي أوباما أن ما حدث في مصر يعد درسا ملحميا لكل شعوب العالم، أن يعلن صناع السينما في

هوليوود عن تقديم فيلم روائي قصير يحمل عنوان (ثورة فيس بوك المصرية) سيناريو وحوار مايك فرح، يتناول من منظور أميركي ثورة الشباب

المصري لإسقاط نظام الحكم من خلال استخدام الموقع الاجتماعي (فيس بوك) لشحن الطاقات واستمرارها رغم انقطاع خدمة الإنترنت عدة أيام عن جميع المصريين، بخلاف إعلان شركات كبرى في لوس أنجلوس ـ كما نشر موقع hyper vocal

الأميركي المهتم بالفن ـ بالشروع في وضع اقتراحات وتصورات حول فيلم بعنوان (18 يوماً) وهو عدد الأيام التي استمرت فيها الثورة منذ بدايتها

يوم 25 يناير وحتى تنحى الرئيس مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير، ورشح الموقع الممثل الانجليزي لان ماكشين لأداء شخصية الرئيس مبارك، كما

رشح الممثل الأميركي ريتشارد دريفوس لأداء شخصية نائب الرئيس عمر سليمان، والممثل جيفرى تامبور للقيام بدور محمد البرادعى الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية أحد أبرز المعارضين، ورشح الممثل المغربي سعيد طغماوي لأداء شخصية وائل غنيم مدير التسويق الإقليمي لشركة

جوجل وصاحب صفحة كلنا خالد سعيد وأحد منظمي فكرة الثورة الشعبية السلمية على النظام، واقترح الموقع شخصية خيالية لفتاة ناشطة

تشارك على الانترنت في دعم الثوار والتنسيق لفعاليات التظاهر بينما يرفض والدها السماح لها بالذهاب إلى ميدان التحرير واقترح أن تقوم ناتالى

بورتمان بأداء دور هذه الفتاة

ورغم أن المشروع مجرد ثرثرة هوليوودية إلا أن الصحافة الفنية الأميركية وصفته بأنه مشروع فيلم كبير مضمون النجاح.

ولا نحتاج لأن نذكّر بأهمية السينما المصرية عند الجماهير العربية، فقد أسهمت في حراك هذا الفن على المستوى العربي والعالمي، ورغم مقولة

أن الفن لا يصنع ثورة لكن يمكن أن يقودها، يسلط (الحواس الخمس) الضوء من خلال صناع السينما والنقاد على أفلام لعبت دورا في تنوير الناس

وتنبأت بالثورة قديما وحديثا

تنبأ سينمائيون مصريون ومنذ عقود بما حدث في ثورة شباب 25 يناير، بل إن أفلامهم أسهمت إلى حد بعيد في إيقاظ الوعي من غفوته، وكان لها

دور في إشعال وإذكاء روح التغيير المصرية، حيث تتالت الأعمال التي تعزف على وتر الرفض وتحاول إيقاظ الوعي كلما مال إلى إغماءة، ورغم وصف

البعض لها بأنها «سوداوية» لكنها شخصت حالة الإنسان المصري الذي تُداس أحلامه وتتبعثر حياته سدى، ورغم أن الوقت لا يزال مبكراً لفتح

الكثير من الملفات لكن استطاعت تلك الأفلام في أوقات حرجة أن تدق ناقوس الخطر وتقود لواقع مغاير تماما لم يكن يتخيله أكثر المتفائلين

شيء من الخوف

يقول الإعلامي والقاص الروائي ناصر عراق الذي شارك مع مئات الآلاف في ميدان التحرير: تذكرت وأنا أهتف وسط حشود الناس يحيي شاهين

المكلوم باغتيال ابنه، وهو يقود الآلاف من بني قريته صارخاً (جواز عتريس من فؤاده باطل) في الفيلم البديع «شيء من الخوف» الذي أخرجه

حسين كمال سنة .1969

ويضيف عراق: لم تبخل السينما المصرية بفنها طوال تاريخها عن تقديم أفلام تندد بظلم الحكام وجبروتهم، في الوقت الذي لم تستح أحيانا من أن

تنتج أفلاماً أخرى تمجد الوضع القائم مهما كان هذا الوضع بائساً وظالماً، ومن هذه الأعمال فيلم (لاشين) الذي حققه المخرج فريتز كرامب،

إيطالي الجنسية، هو أول فيلم مصري يرصد استبداد الحكام وانصياع المحكومين، عرض للمرة الأولى في 8 يناير 1938، ولاشين هو قائد الجيش

النبيل في بلد يحكمه سلطان مستهتر يتلذذ بمطاردة النساء وتناول الخمر، في الوقت الذي يذيق فيه رئيس وزرائه (كنجر) أهل البلاد الأمرين، من

خلال فرض الضرائب الباهظة وتكميم أفواههم، وقد بعث هذا الفيلم برسالة للملك الجديد فاروق آنذاك ولنظام حكمه تفضح أولئك الذين يهملون

البلاد ويقهرون الناس ويحرمونهم من العيش بكرامة، خاصة أن الشاعر الرقيق أحمد رامي هو الذي كتب حوار الفيلم بلغة رائقة تلمّح وتحذر وتبشّر

ويسترسل ناصر عراق قائلا: لا يغيب أيضا إقدام المخرج بركات على تحقيق فيلم (أمير الانتقام) سنة 1950 له علاقة ما بما كان يحدث في نهاية

عصر فاروق من مظالم، أدت في نهاية المطاف إلى سقوط آخر حكام أسرة محمد علي، وتولي جمال عبد الناصر والذين معه السلطة في مصر

عام 1952، حيث عكس الفيلم انتفاضة الشعب ضد النظام الحاكم وأطاح به، فإن حسن الهلالي فقط في أمير الانتقام هو الذي فضح جبروت

وبطش بدران أمام الوالي، وهو أيضاً الذي قضى عليه في مبارزة بالسيوف أنهت حياة الرجل الثاني الظالم، بينما وللأسف لم يوجه الفيلم أي كلمة

إدانة واحدة للرجل الأول (الوالي) الذي قرر أن يعيد ترتيب الحكم في خدمة الشعب بعد اكتشافه مظالم بدران

أفلام فضحت الفساد

ويرى الناقد السينمائي محمد حمودة أن هناك أفلاما كشفت ما أصاب المجتمع وفضحت الفساد الذي ضربه في مقتل، ولكنها كانت أشبه

بصرخات تحذير وتنبيه لما أصاب المجتمع من تغييرات ـ سلبية في معظمها ـ ولكن للأسف تاهت هذه الصرخات وسط طوفان اللامبالاة والاستهانة

من قبل المسؤولين، وأثبتت الأيام أن تأثيرها كان تراكمياً حتى وصلت لحظة الانفجار والثورة فترددت الكلمات نفسها أو الصرخات التي طالما

قدمتها هذه الأعمال السينمائية الجادة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وعلى وجه التحديد مع جيل السينمائيين الجدد أمثال عاطف الطيب

ومحمد خان وبشير الديك ووحيد حامد وخيري بشارة وأسامة أنور عكاشة وغيرهم، ثم شريف عرفة أواخر التسعينات إلى جانب أعمال بعض

الكبار المواكبة للفترة الزمنية نفسها أمثال صلاح أبو سيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين

ويواصل حمودة قائلا: إن مثل هذه الأعمال وغيرها لم تكن تحض على الثورة بأي شكل من الأشكال ولكنها كانت دعوات للإفاقة والانتباه من اجل

تغيير الواقع وتنقيته مما طرأ عليه من تغييرات خلطت كل الأوراق وقلبت المجتمع رأساً على عقب، فأفلام مثل ضربة معلم واللعب مع الكبار وضد

الحكومة والمنسي وطيور الظلام وغيرها كشفت عن الفساد الذي امتدت أياديه إلى كل مكان في المجتمع، وحذرت أفلام مثل البريء والنوم في

العسل وعمارة يعقوبيان من مغبة القهر وما يمكن أن يقود إليه من غضب، كما كشفت أفلام مثل زوجة رجل مهم والبريء مساوئ تضليل

المجتمع، وفضحت أفلام مثل عودة مواطن واللعب مع الكبار عن حجم وخطر البطالة على الشباب، وكشفت كذلك أعمال مثل الإرهابي والمصير

والنوم في العسل ودم الغزال عن صناعة الإرهاب وكيف يُستغل وإلى أين يقود، الأمثلة كثيرة والإشارات أكثر ولكن التغافل عنها والتعامي عن

رؤيتها أدى في النهاية إلى الثورة التي حذرت منها هذه الأعمال بالتلميح في كل الأحوال ـ فكل لبيب بالإشارة يفهمُ ـ حيث إن التصريح كان نوعاً

من الانتحار في ظل القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع لسنوات طويلة

مواقف سياسية فنية

وأكد المخرج خالد يوسف الذي ساند وشارك مظاهرات الشباب في التحرير داعياً لتغيير النظام، أن موقفه ليس وليد اللحظة الحالية بل معروف منذ

الثمانينات أي منذ بدء عهد الرئيس حسني مبارك، وهو الموقف الذي يضعه دائماً نصب عينيه والتي ظهرت في العديد من أفلامه وكذلك مواقفه

السياسية على مدار عمره الفني في أعمال مثل هي فوضى مع يوسف شاهين الذي نبه إلى أن الشعب وحده هو من سيقف أمام الظلم

والقهر، وحين ميسرة الذي دخل مناطق العشوائيات وأحزمة الفقر التي تحيط بالقاهرة وحذر منها، وأضاف قائلا: لقد تنبأت بتلك الأزمة التي مرت

بها مصر ضمن أحداث فيلمي دكان شحاتة العام قبل الماضي لكن خاب توقعي في تحديد موعدها الذي توقعت أن تكون في العام 2013، وقد

اتهم هذا الفيلم بالسوداوية المفرطة وانسداد أفق الأمل فيه، ولكني كنت مصرا على أن الواقع المصري أقسى، وربما كان سكان العشوائيات

بجانب بلطجية الحزب الوطني هم من تسببوا في السلب والنهب الذي تخلل أيام الثورة المصرية الجديدة

وأشار المخرج خالد يوسف إلى أنه عكس في أعماله قضايا المهمشين وسكان العشوائيات وعرض حياتهم كاملة دون تحريف أو تضليل، فكل

مشاهد تلك الأفلام تعبر عن الواقع ويمكن أن تكون أقل من الواقع، وهو بهذه الأعمال قصد إلى تصحيح الأوضاع وليس إلى نشر الشذوذ والبلطجة

كما أدعى البعض، ولكن لم يستمع إليه أحد بل كانت أفلامه تعاني دوما من مشاكل أمام رقابة المصنفات الفنية بل ويتم عرضها على كافة

الجهات الأمنية المختصة بالبلاد

رغبة شباب الثورة

ويقول المخرج سعد هنداوي، ربما كان فيلم كباريه للمخرج سامح عبد العزيز تشخيصا سينمائيا يحمل أهمية كبيرة لحال الواقع المزري في مصر

قبل الثورة، تماما مثلما عبر فيلم ظاظا للمخرج علي عبد الخالق عن رغبة الشباب في أن يمثله جيل الشباب وليس العواجيز، وأشار هنداوي إلى

أن فيلمه (السفاح) الذي تعرض للعائلات الغنية المفككة أبرز ما تفرزه تلك الطبقة من أفراد منغمسين في تحقيق مصالحهم الشخصية ويشكلون

خطرا حقيقيا على المجتمع

وفند سعد هنداوي دور الفن السابع في هذا المجال قائلا: باعتبار أن السينما هي الأكثر جماهيرية وشيوعا بين الفنون التي عرفها العالم، فهي

يمكنها إذا أرادت أن تكون سلاحا أو أن تصبح مخدرا، هذا يتوقف دائما على من يقدمها ومن يستهلكها، ونحن نعيش حاليا تجربة رهيبة وممتعة

يجب أن نحولها إلي أرض صلبة تتسع لعشرات الأفلام والوثائق والأحاسيس، ترصد معالم ما يحدث بدقة ولا يكون تناولها مجرد شكل عابر أو

استغلال لتحقيق شهرة سينمائية، أو يتم صعود السلم السينمائي على أطلالها وأشلائها وهو بالطبع مرفوض جملة وتفصيلا

خالد يوسف: توقعت الثورة في «دكان شحاتة» وخاب ظني في أن يكون موعدها عام 2013

ناصر عراق: أنتجت السينما المصرية أعمالا عديدة نددت بظلم الحكام وجبروتهم

محمد حمودة: الأفلام الجادة رغم سوداويتها أشبه بصرخات تحذير لما هو مقبل