2012/07/04

جنود الله ضياع الأيديولوجيا الحزبية وهيمنة الغيبيات
جنود الله ضياع الأيديولوجيا الحزبية وهيمنة الغيبيات

اسماعيل مروة - الوطن

قد يكون فواز حداد من القلة الذين ينتظر القراء أعمالهم الروائية، وهذه حالة صحية عززها فواز حداد في رحلته الروائية حيث أخلص للرواية، ومع كل عمل يصدر له نجد النقاد والقراء أمام عمل مميز يحمل بصمة خاصة لكاتب شبه منعزل عن الأوساط الثقافية، لا يبذل أي جهد في فرض نفسه وأعماله على الساحة الأدبية، بل لا يسعى شأن العديدين إلى اختيار موضوعات إشكالية ضمن التابوهات لتثبيت وجوده، ففي الوقت الذي نجد روائياً أو روائية يسعى إلى المكاشفات الفجة في كل التابوهات ليثبت وجودها فإن فواز حداد إن تحدث عن السياسة كان محللاً، وإن تناول الجنس كان واقعياً دون ابتذال، وإن تحدث في الدين كان واصفاً لما يجري دون إغراق في إنكار ما لا ينكره الآخرون.

جنود الله

صدرت رواية فواز حداد الجديدة «جنود الله» في حزيران 2010 عن دار رياض الريس في بيروت، ولم أعثر عليها في المكتبات، قرأت عنها خبراً أو تحليلاً لكنني لم أضع يدي عليها إلا من خلال الأستاذ المخرج نجدة أنزور ففي زيارة له أخبرني أنه يعمل على مسلسل مهم للعام القادم عن رواية حداد (جنود الله) ودون أن أشير قدم لي نجدة نسخة من الرواية لم أستطع أن أمضي يومين دون أن تكون مقروءة شأنها في ذلك شأن مرسال الغرام وتياترو ومن قبل موزاييك وقد كانت سعادتي بهذه الرواية مضاعفة أكثر من مرة فهي لروائي من نوع خاص قبل كل شيء، ويعمل نجدة أنزور عليها مسلسلاً يكرّس من خلالها نفسه مخرجاً للروايات بعد عدد من الأعمال بدأت بنهاية رجل شجاع وأخيراً ذاكرة الجسد، وكلنا نعلم أن الرواية أقوى للعمل الدرامي.. وتقدم فواز حداد روائياً بعد عمل إشكالي مهم عن الضغينة والهوى ذلك العمل الذي قدم بصورة لائقة لسيناريو صنعه الراحل ممدوح عدوان، وهذا التقديم يبشر بأن يلتفت صناع الدراما في سورية إلى الرواية.

ضياع الأيديولوجيا

تأتي رواية جنود الله رصداً للتحول الكبير الذي دهم العالم بعد انهيار اليسار كسلطة سياسية داعمة للفكر اليساري المتوزع في جميع أنحاء العالم، ومع أفول السلطة اليسارية ترهل الفكر- وإن مؤقتاً- ليبدأ الفكر الايديولوجي المقابل بالانتشار والانتشار الفظيع مستغلاً أخطاء اليسار فكراً وسلطة، وهذه الأخطاء لا تزال موجودة في بقايا اليسار حتى اليوم، ومستغلاً كذلك ما حققته الميديا في صراع رأس المال مع اليسار الذي انتهى بانتصار مبدئي لرأس المال والأيديولوجيات اليمينية والدينية.. قد يكون ما جاء به حداد في روايته مرثية للفكر اليساري، فالشخصية الرئيسية الأبوية تنتمي إلى الفكر اليساري أو الماركسي بصورة أدق، ليبدأ التحول المزعج في حياتها، وتكون البداية من الزوجة اليسارية أصلاً التي دفعها خوف العجائز عندما تبلغ مرحلة عمرية محددة إلى اختيار بعد آخر لا علاقة له باليسار، فقبلت لنفسها ما لم تقبله لابنتها، وبغية حماية ابنتها تم التحول في حياة المرأة التي عاشت اليسارية في أقصى درجاتها كما يتحدث الرجل زوجها.

لا شك في أن فواز حداد نجح أيما نجاح في حديثه عن ضياع الأيديولوجيا وضياع العمر وفق معادلة ضياع العمر في البحث عن أفكار ومواقع وأشياء.

حداد والجماعات المتطرفة

قرأت فواز حداد فوجدته غواصاً في عوالم شخصياته، محللاً دقيقاً وعميقاً، وفي جنود الله استطاع تحليل المجتمع ذي الصبغة اليسارية بتفوق، وقدّم شخصياته المتأثرة بالغياب الممنهج للفكر اليساري بتفوق، وأثبت قدرة صاحب الفكر على التمسك بفكره دون تنازل، كما حصل مع البطل الذي انفصل وأحب وأراد أن يعيش بحرية فعشق وحملت حبيبته، ومن خلال مونولوجات غاية في الحميمية وجدنا الفكر الذي اعتنقه لا يزال في تلافيفه ويوجد له المسوغات بعيداً عن المجتمع ورؤيته.

لكن ما استرعى انتباهي تناول فواز حداد للجماعات الدينية مستنداً إلى فكرة أن يكون الابن هو الفاجعة وهو ما قدم سابقاً في عمل (ليس سراباً) عندما كان الروائي العلماني (عباس النوري) يقاوم التوجهات المتدينة وليس المتطرفة فقط لنجد ابنه (وائل شرف) منغمساً في الجماعات المتطرفة.. وعند قراءة الرواية نجد الخلاف واضحاً بين المثالين، ولكن ما أريد أن أبني عليه هو أن فواز حداد وهو الروائي المهم جداً لم يعط قضية التطرف حقها في تحديد النشأة والأسباب والواقع والنتائج المترتبة، وهذه مشكلة حقيقية لدى مبدعينا عندما يتناولون فكراً دون أن ينتموا إليه أو يتعمقوا بمعرفته، فتأتي معالجتهم قراءة سطحية لواقع سمعوا عنه ولم يعايشوه، وهذا التسطيح له محاذيره، فهو أولاً يظهر هشاشة التناول وثانياً يجلب التعاطف، وفي حالة جنود الله، الأب ينفصل عن الأم، الأم لا علاقة لها بشيء والأب عاشق ومسافر بعيد، والابن يعيش البطالة.. فماذا يريد منه الروائي أو القارئ..؟

أين المناقشة العميقة للفكر الذي جذبه؟

هل نعرف شيئاً عنه؟

أين دخول المال الديني بقوة؟

أين دور السلطات والدولة في تعزيز مثل هذه الحركات في ظل بطالة تعجز عن معالجتها؟

أين دور المجتمع الأهلي والجمعيات الأهلية؟

الفكر المتطرف ليس نبتاً شيطانياً يخرج دون تغذية.. لا يكفي كما في ليس سراباً أن يسافر للدراسة ليعود متطرفاً، ولا يكفي ما وضعه فيه فواز حداد من ظروف اجتماعية ليكون متطرفاً، ولو جرب صديقنا فواز حداد أن يستمع إلى مثل هؤلاء، حتى عن البسطاء لسمع كلاماً تصنع عنه روايات، وهنا لا أستثني أي شريعة أو مذهب أو طائفة فالتطرف فكر ينفي الآخر وبالقوة، وينسب هذه الإرادة بالنفي إلى الله!!

من علّم هذه المشيئة؟

كيف وجدت هذه المشيئة؟

نتمنى على الروائي فواز حداد أن يخصّ هذه المعالجة العميقة برواية مميزة تشريحية، لا تكفي اليوم شخصية عادل إمام الهزلية أو غيرها لتصوير الإرهاب والتطرف.. الأمر فكر بحاجة إلى معالجة!

وبما أن نجدة أنزور يقوم على إعداد هذه الرواية في مسلسل، أرجو أن يتجاوز السيناريو بالاسترشاد بالروائي في هذه القضية وأن يعمق تشريحه الفكري المعمق.. وقد سبق لنجدة أن فعل ذلك في (ما ملكت أيمانكم) ولكن في إطار نظري على النت، فهل نراه في صلب المعالجة والحياة؟! وهل صحيح أن غياب الحياة الحزبية عن المجتمع العربي وراء ظهور التطرف؟