2012/07/04

حسن. م يوسف: رأسي ساحة حرب بين الجنون والعقل.. قلبي يمتد من خضرة الحب إلى جحيم الرماد
حسن. م يوسف: رأسي ساحة حرب بين الجنون والعقل.. قلبي يمتد من خضرة الحب إلى جحيم الرماد


ماهر منصور – تشرين


«التاريخ الحقيقي.. ليس موجوداً في الكتب! التاريخ الحقيقي موجود في دمنا»! ‏

يبتسم حسن. م يوسف وهو يستعيد العبارة، من كتابه «عبثاً تؤجل قلبك»، يخط بيديه إهداء لي من خمس كلمات: «الزميل العزيز.. من دون أي تأجيل». ‏

لا يؤجل حسن حلم اليوم إلى غد، إلا حلماً واحداً تلبسه في منتصف السبعينيات، فتمسك به حتى تعثر به، وقد مرت الآن ثلاثون عاماً وربما أكثر، وما زال حسن يحمل حلمه كما يحمل سيزيف صخرته، عبثاً يوصل سيزيف صخرته إلى منتهاها، وعبثاً يخرج حسن حلمه من دائرة المستحيل.. لكنه، كما سيزيف، سيعاود المحاولة.. لم يتعب.. ولن يتعب.. ‏

حسن يا صديقي.. التاريخ الحقيقي موجود في أحلامنا المؤجلة.. ‏

في منتصف السبعينيات.. كان على الشاب حسن م. يوسف، الفائز بالمركز الأول في مسابقة جريدة البعث للقصة القصيرة أن يعلن صراحة عن أمنية.. يتذكر حسن: «سألوا كل واحد منا، ماذا تريد أن تكون في المستقبل وكنت آخر من يطرح عليه السؤال؟ قلت: أريد أن أكون مواطناً»!! ‏


أسأله: ‏

تلك كانت أمنيتك منذ نحو ثلاثين عاماً؟ ‏

«لم أكن أعبر عن أمنية.. بل كنت أعلن عن قرار اتخذته». ‏

حسن يا صديقي.. بعد نحو ثلاثين عاماً أو أكثر، أسألك عن المواطن الذي صرته، وعن ذاك الذي كنت تنتظره طوال هذه الأعوام..؟ ‏

«في أوقات اليأس، التي بدأت تزداد مع التقدم في العمر، أشعر بأنني عبد بالمعنى القديم للكلمة! أحمل سلاسلي وكتلة تقييد الحركة الثقيلة تحت جلدي! وفي لحظات العجز، أرى العبد في داخلي يحمل كرته ويجرجر سلاسله ويعدو لاهثاً أمام ضبع مفترس يشبه اللقمة! لكنني في أوقات الصداقة والحب والموسيقا، أفقد الإحساس بجسدي، وأرى هذا العالم بعينين طازجتين كعيني مجنون منفلت في البراري! وأحس بأنني خفيف كريشة تحملها نسائم الصحبة في رحابة زرقاء لا حدود لها!. ‏

لقد عاشرت نفسي نصف قرن، وكلما حاولت رسم صورة لها، كنت أجدها قد تغيرت قبل انتهاء المحاولة! ولهذا لن أحاول رسم صورة شخصية لي، لعلمي بأنها ستكون قبل انتهائها، صورة شخص آخر!! ‏

رغم ذلك، أعترف بأنني أبدو في هذه اللحظة شخصاً يشبه الهزيمة! احتلته فلسطين، وبدده النفط، وملأته قعقعة الخطابات الإنشائية، وصرعه أزيز الدربكات المناضلة في ليل العرب اللاهي الطويل! ‏

أشعر بأن رأسي ساحة حرب بين الجنون والعقل، وبأن قلبي يمتد من خضرة الحب إلى جحيم الرماد! أنا عاقل بما يكفي لأدرك حجم الخراب الذي تدفع أمريكا البشرية إليه! ومجنون بما يكفي كي أمتحن صوتي المجرد ضد البوق الأمريكي الذي أصبح بحجم الدنيا! ‏

أنا عاقل بما يكفي، لأدرك أن البحر هو قطرة التقت بشقيقاتها، وأن الماس كان فحماً، يوماً من الأيام، وأن الديناصور العملاق قد انقرض لأن قدراته العقلية لم تكن متناسبة مع قواه البهيمية! وأنا مجنون بما يكفي كي أراهن على استيقاظ البحر في النقطة! رغم إدراكي أنني في أحسن حالاتي أكون مجرد ريشة تحملها نسائم الصحبة في رحابة زرقاء لا حدود لها!» ‏

لا صورة شخصية منتهية لحسن م. يوسف.. ربما هو محكوم بما توصل إليه الكاتب البلغاري الكبير نيقولاي خايتوف في ختام قصته «أزمنة الرجال»: «تريد شيئاً وتستطيع آخر، ولكنك تفعل الثالث أو الرابع»! ‏

ربما لأنه، لأن حسن، الإنسان والمبدع، كما السماء.. ندرك بدايتها، أما نهايتها فمتروكة للمدى المفتوح على كل الاحتمالات. ‏

وعلى الأغلب لا صورة شخصية منتهية لحسن م. يوسف.. لأن لحسن عند كل واحد فينا صورة، فما من مسافة تفصل حسن عن الآخر المتلقي، على نحو يبدو لي أني في الكتابة، سأعرّف المعرف وأصل الموصول أصلاً...حسن م. يوسف باختصار هو حسن م. يوسف. ‏


فارس..لأكثر من جواد ‏

كتب حسن م. يوسف في المسرح، كما أنجز سيناريوهات سينمائية ولكن أكثر ما ساهم في انتشار الرجل إضافة إلى عمله الصحفي اليومي والقصصي، كان منجزه في الكتابة الدرامية... لذلك نجده يكرر دائماً: «إن أهم ما قدمه لي التلفزيون هو أنه قد أوصلني لأهلي، فأبي وأمي لا يحسنان القراءة ولا الكتابة، وقد تواصلا مع كلماتي أول مرة، من خلال مسلسل (نهاية رجل شجاع) الذي كتبت له السيناريو والحوار عن رواية المبدع الكبير حنا مينة». ‏