2013/05/29

حملات تلفزيونية
حملات تلفزيونية


فجر يعقوب – الحياة


تداولت وسائل الإعلام خبراً متعلقاً بانتحار طبيب الطوارئ الخاص بالنسخة الفرنسية من برنامج survivor «الناجي» بعد أسبوع من وفاة أحد المتسابقين فيه بأزمة قلبية. الطبيب الفرنسي ثيري كوستا ترك رسالة وراءه يتهم فيها وسائل الإعلام بدفعه الى الانتحار، فهو – أي الطبيب – واثق من أنه عامل المتسابق بكل احترام، وبالتالي فإن الفرضيات والاتهامات التي روّجت ليس هناك ما يثبتها في مواجهة الحالة المأسوية التي دفعت بالمتسابق جيرالد بابين للموت حزناً وكمداً على فشله في أول تحد له في البرنامج.

حالتا بابين وكوستا تحرضان على التأمل لجهة تغلغل العالم الافتراضي بكل مكونات الحياة الواقعية، الى درجة أن ما يحدث في الواقع يكاد يشبه كل شيء يمكن أن يحدث على شاشات التلفزيون في كل مناطق المعمورة. هذا قد يحدث في أكثر الدول تطوراً، وليس هناك ما يمنع حدوثه في الدول الأقل تطوراً. بعضهم يمكنه أن يعزف على متعلقات كثيرة بهذا العالم. فنحن نشاهد تحريضات تصدر عنه في كل اتجاه، وقد لا نقف أمامها كثيراً بحكم الخطى المتسارعة لهذا العالم «الفظ» من حولنا، والشعور بالمرارة يكاد يتحكم بكثر، وهم يشاهدون كيف أن التلفزيون يساهم بصناعة هويات هشة وغير محصنة للبشر، ربما تكون في وجه منها هويات تلفزيونية بعدما أصبح مرآة غبشة تمتص كل ما حولها، كما كان يردد فيديركو فيلليني حين يجيء بحديثه الى هذا الجهاز العجيب.

اليوم يدور الحديث عن حملات تلفزيونية من أجل مدّ يدّ العون وإغاثة منكوبين في مناطق مختلفة من العالم، ومنها منطقتنا. بعض هذه الحملات الافتراضية توسعت ووصلت إلى فلسطينيي سورية الذين تقطعت بهم السبل مع تأزم الوضع السوري وتعقده إلى أبعد الحدود. فضائيات «المحور» و«الأقصى» و«القدس» التي تعهدت تنظيم الحملة لم توضح كيف يمكن أن تنتهي ومتى وأين. لا توضيحات حول هذا النشاط التلفزيوني. ثمة من يلجأ هنا إلى الفضاء ليجاهر بتنظيم حملات من هذا النوع قد تبدو نوعاً من المكابرة وطمعاً بالاستفادة من الصخب الذي قد يوفره التلفزيون من دون فوائد عملية ترجى على هذا الصعيد. نعم ثمة مايجول في الأفق. كأن يتحول كل شيء إلى معلومة سابحة في الفضاء من باب أن التلفزيون يمكنه أن يكون ضامناً أكيداً لكل هذه النشاطات.

ربما كان ممكناً أن يعلن عن تنظيم حملات غوث وعون من دون أن يطلق عليها اسم «حملات تلفزيونية»، فالواضح والأكيد أن الواقع الذي يذعن كثيراً لسلطة هذا الجهاز العجيب قد يدفع ثمناً طائلاً حين يتخاذل في مواجهته. الشاب المنتحر في البرنامج دفع الثمن. لم ينج من براثنه. ربما لا ينجو كثر من براثن الشهرة والمال والأضواء، وليس اللاجئون الفلسطينيون «الجدد» بحاجة لحملات تلفزيونية من هذا النوع. ربما تكون الحاجة إلى حملات إغاثة على أرض الواقع لا يشترك فيها التلفزيون، لأن الأزمات التي تعصف من حولهم علمّت أن الفضاء ليس رحيماً بهم إلى هذا الحد.