2012/07/04

راهيم حساوي: سيأتي يوم يصير المسرح في كل مكان
راهيم حساوي: سيأتي يوم يصير المسرح في كل مكان


مصطفى علوش – تشرين

من يقرأ نصوص راهيم حساوي المسرحية يلاحظ تلك الخصوصية المسرحية الظاهرة في حواراته، وفي آخر نص مسرحي له (أنشودة النقيق) 2012، نلاحظ هذا الكم الكبير من الأسئلة المقلقة المتعلقة بعزلة الإنسان،

وذلك من خلال الحوار الحار بين العجوز والخادمة،  ويبدو نقيق الضفادع في النص معادلاً للنقيق الداخلي للإنسان المعاصر. ولعل أكبر اختبار  تنتظره هذه النصوص هو إمكانية تحولها إلى عروض حية، يتفاعل معها الجمهور والنقاد معاً، راهيم حسّاوي، من مواليد منبج عام 1980، كاتب مسرحي سوري له عدة  نصوص مسرحية, نشر منها: مسرحية السيدة العانس في مجلة الموقف الأدبي 2010م. ومسرحية قصيرة (الأصابع) في ملحق الثورة الثقافي.

ومسرحية ( الرخام ) عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة 2011, مسرحية ( أنشودة النقيق) عن دار تالة في دمشق 2012, حصل مؤخراً على الجائزة الثالثة في مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي للكبار عن مسرحية ( الرخام ).


«تشرين» آثرت حواره للتعرف على رأيه بالعديد من المسائل والقضايا التي طرحها في نصوصه:

غربة عبيثة

من يقرأ نصوصك يلاحظ هذه الغرابة الممزوجة بالعبثية، إضافة إلى الأفكار الوجودية  الموجودة في معظم نصوصك (الرخام ) (السيدة العانس )، (أنشودة النقيق)،  ما أسباب هذه التوجهات الفكرية في نصوصك؟

إنّ ما يَحْدُث في حياة كل فرد منا هو بمنزلة مسرحية, و لا يمكن لأي فرد أن تكون حياته خالية من الغرابة التي تستحوذ على جُلّ ما يمر به من أحاسيس أو تفكير أو خيال, وهذه الغرابة إما أن تكون ناتجة عن عبثية قرارات الإنسان أو أن تكون سبباً في حدوث العبث, من هنا فالشخصيات في نصوصي ما هي إلا صورة عن الغرابة التي أشعر بها و يشعر بها كل فرد منا و لا نجد لها مبرراً حقيقياً سوى طبيعة الوجود, ولكن قد يستطيع المرء منا أن يروّض ذاته مع هذا الوجود, و شيئاً فشيئاً يصبح المرء ممزوجاً بهذا الوجود بدلاً من أن يكون منسلخاً عنه, وهذا الأمر ليس بالأمر الهين.

هناك من يقول إن لديك قدرة على إحداث الارتباك ليس على مستوى الشخوص، بل على مستوى القراءة والتلقي.. برأيك هل الارتباك المقصود هو دلالة على غنى النص أم أنه دليل على غموض عام  في  النص لديك.؟

لا.. إن الكاتب يتقصد إرباك القارئ, ولكن قد يكون الحدث الدرامي و ما تحمله الشخوص من مواقف إزاء هذا الحدث هو مَن يجعل القارئ يرتبك من هذه المواقف, و لاسيما أن ملخص حياة كل فرد منا سواء أكانت مكتوبة أم غير مكتوبة تشكل لنا ارتباكاً لا بدّ منه. وأعتقد أن غنى النص مسألة لا بد منها في النص الجيد, أما مسألة الغموض في النص فهي تتفاوت من قارئ للآخر في قراءتها, هنا يكمن دور الناقد الجيد.

صمت مفجر للحب

ترى ما هي مرجعياتك المسرحية التي شكلت الدوافع الرئيسية للدخول في الكتابة المسرحية؟

في صيف 1996ولم يكن عمري يتجاوز السادسة عشرة سنة كنتُ أعمل في ورشة بناء, كان ذلك بالقرب من شارع الحمرا, وبالتحديد في ورشة مشروع بناء مدرسة, والتي تم بناؤها وصار اسمها مدرسة جول جمال وهي معروفة, بعد انتهاء ساعات العمل كنتُ أخرج في المساء و أسير في شارع الحمرا, كنتُ أشعر أن المارة في الشارع  يشبهون رياضيي التزلج على الجليد, وراقصات الباليه, حيث كانوا يتحركون بنشاط واضح بينما  كان التعب يسري في جسدي آنذاك, ومصادفة لاحظت الناس يدخلون لمكان عبر درجات نحو الأسفل, ونزلت فكان هو مسرح الحمرا, في هذه اللحظات أقتربتُ من الفنان الكبير خالد تاجا وطلبتُ منه أن يدخلني معه, فطلب مني أن أنتظره قليلاً ريثما ينهي شأناً ما في المحل المقابل لمدخل المسرح, وكولد فضولي لم ألتزم بما طلبه مني, فاستطعت أن أندس مع الداخلين دون تذكرة, علماً أن العرض آنذاك لم يكن بتذاكر فلقد كانت الدعوة خاصة للنقاد و الصحفيين والفنانين و ذوي الشأن, العرض كان مشروع تخرج دفعة من طلاب المعهد العالي, و حين تم إطفاء الأضواء شعرت بشعور مختلف عمّا شعرتُ به في الشارع وسط وجوه المارة, شعرت بالطمأنينة والمساواة و الألفة, كانت هذه المرة الأولى التي أدخل فيها مسرحاً, وأذكر تماماً أني تابعتُ الصمت المطبق من قِبل المتفرجين, كان صمتاً حاداً استطاع أن يفجر بداخلي الكثير من الخيال وحب المسرح...

كل نص مسرحي هو حالة غير مكتملة من دون عرض، طبعاً لكل قاعدة استثناء، لماذا لم نرَ نصوصك عروضاً حتى الآن؟

المسألة شائكة جداً, ولكن أستطيع أن أقول إن العملية الإبداعية خاضعة للمصادفة و للزمن, وهذا مؤسف, ونحن نفتقد ذاك المُكْتَشِف الذي يسير عبر اجتهاده الشخصي الخالص نحو عملٍ ما, فمعظم حالات التلقي تكون خاضعة لمعايير من هنا وهناك, وهذه المعايير تأخذ الكثير من الزمن و التراكم حتى يتفق الجميع عليها, وخير دليل على هذا هو التهافت على بعض الأعمال التي قدمها مَن ماتوا, أو مَن وصلوا لنهايات أعمارهم , فمثلاً من الطبيعي أن يقوم ناقد ما بالكتابة عن الشاعر بودلير في هذا الوقت أو في الوقت الذي نال فيه بودلير الكثير من الإجماع على أهمية شعره, ولكن هل كان من الممكن أن يكتب هؤلاء النقاد ما كتبوه أثناء سماعهم لقصائد بودلير في بدايته, إن الذين شعروا بأهمية شعر بودلير في بدايته هؤلاء هم المُكْتَشِفون الحقيقيون,وليس من كتب عنه فيما بعد بغض النظر عن أهمية ما هو مكتوب, و يُقال إن صموئيل بيكت عندما قدم نصه ( في انتظار غودو) لأحد المهتمين بالمسرح, قام هذا الأخير بالاستهزاء من بيكيت وبنصه, لذلك قد تحتاج نصوصي بعض الوقت كي تظهر على يد مخرج ما, و أود أن أشير إلى أن مخرجاً معروفاً و ذا تجربة مسرحية معروفة حاول العمل على إخراج نص ( السيدة العانس) ولكنه اعتذر في لحظة ما بسبب عدم توفر ممثلين أكفياء لأداء أدوار الشخوص في النص, وهذا ليس تقليلاً من شأن الممثلين بل خير دليل على هجرهم للمسرح, أما المسرحي الدكتور سامر عمران فلقد عبّر عن إعجابه بنص (الرخام ) وقال إنه نص عميق و مهم و يحتاج لوقت لا يستهان به للعمل على إخراجه, و تركَ الأمرَ معلقاً بسبب انشغاله و التزامه بشؤون مسرحية أخرى, وللأمانة طلب مني الاستمرار بالكتابة وعدم التوقف، وأشكره على هذا.

توريط المتلقي


إلى أي مدى تبحث عن المعنى داخل هذا البناء الدرامي المعقد إلى حد ما في نصوصك (السيدة العانس )، (الرخام)؟

إلى الحد الذي يجعل من المتلقي متورطاً معي كتورطي مع الشخصيات التي أكتبها, وهذا الشيء يمنحني الإحساس بالعدالة عبر مشاركة الآخرين بإحساسهم في تخلصي من عبء الشخصيات.

لماذا ركضت نحو الرخام عنواناً لأحد نصوصك، ما هي دوافعك النفسية لاختيار مفردة  الرخام ركيزة درامية داخل النص؟

نعم هي دوافع نفسية, فالرخام يكاد يشبه خلية النحل, وهذه الخلية غاية في التعقيد،  وكل ما نمر به في حياتنا هو معقد لحدّ الجلوس والنظر في الرخام و تأمله أينما كنا،  هذا فيما يخص العنونة, أما ما يتضمنه نص الرخام فهو أكثر تعقيداً ووجعاً.

شخصياتك في نصوصك تبدو عليها التوق  للظهور على الخشبة, ما الذي جعلك تتجه للمسرح في زمن الركض نحو كتابة الدراما التلفزيونية؟

إن الدراما التلفزيونية موجهة لأفراد الأسرة بعمومها, أما المسرح فهو مُوَجّه للقادرين على نقل ما يقدمه المسرح من الخشبة إلى المجتمع عبر أدوات أخرى وصياغات أخرى, وقد يكون هذا النقل مباشراً, أو غير مباشرٍ، ولذلك لا يمكن للمسرح أن يقدم أفكاره من دون النخبة التي تقوم بدورها في ترجمة ما يقدمه المسرح. لا أعتقد أن ثمة مقارنة بين المسرح والدراما التلفزيونية, فالمسرح يقدم لنا تحليلاً دقيقاً للنفس البشرية, وهو طقس من ألفه إلى يائه, بينما الدراما التلفزيونية تكتفي بالحدث الذي يحدث دون الغوص بالدوافع العميقة التي دفعت الشخصيات نحو هذا الفعل أو ذاك, وهذا لا ينفي أنّ الدراما التلفزيونية الجيدة قدمتْ الكثير من التوجيهات و المتعة لأفراد المجتمع بعمومه.

يد النقاد

ما رأيك بالمسرح السوري المعاصر، أقصد ما تعرضه وزارة الثقافة؟

أذكر أني نمتُ بأحد العروض, وتحسّرتُ على ثمن تذكرة الدخول وتذكرة القطار الذي جئت به خصيصاً لمشاهدة العرض, وأنا آسف على طريقة إجابتي, ولكنها الحقيقة, و لا أتحدث من موقع أني كاتب مسرحي, بل من موقع أني متفرج متعطش للمسرح. أعتقد أن الأمر بسيط للغاية لا يحتاج مني لأن أحلل ما يجري, و أعود و أكرر أن كل ما يحدث من خفوت وتردٍ في المسرح, للنقاد يد في هذا, فالناقد هو الرقيب الحقيقي, وهو الذي يصحح المسار لكل ما يحدث من حِراك ثقافي بأشكاله كلها.

في نصّك الأخير (أنشودة النقيق ) اتجهت نحو  الإيحاءات الفلسفية المملوءة بدلالات نفسية لها علاقة بالعزلة التي يعيشها الإنسان  في الزمن المعاصر؟

قد يستطيع الإنسان أن يغيّر شكل العزلة, ولكن لا أعتقد أنه يستطيع التخلص منها, فالشعور بالعزلة ما هو إلا شعور بالتمعّن أمام كل ما حدث للإنسان وما زال يحدث،  فالعزلة حالة تأهب لشيء ما, وليست هروباً من شيء ما.

لديك نص مسرحي قصير جداً ( الأصابع ) تدور أحداثه بين أصابع قدمي رجل مُقْعَد, وقد لاحظنا فيه تحليلاً دقيقاً لمفهوم الخوف, ولكن كيف لمثل هذا النص أن يرى النور؟

لقد أخذ النص شكلاً مسرحياً, ولكن في حقيقة الأمر من الصعب تجسيد مثل نص كهذا على خشبة المسرح, وذلك لسببين, أولاً هو قِصر النص, وثانياً بسبب تركيبة النص الخاصة, فلا يمكن أن نجسد أصابع قدم رجل مُقعد على خشبة مسرح, وإن حدث هذا سيفقد النص محتواه, والجدير ذكره ثمة معادلة لا بأس بها وهي معالجة هذا النص بالأنيمشن, أو عبر الرسوم المتحركة.

ما الذي يريد أن يقوله راهيم حساوي في هاجسه المسرحي؟

أود أن يصير المسرح عزاء الإنسان, و مكاناً آمناً يبعث الطمأنينة في النفس عبر التحريض على التفكّر و التمعّن , و محركاً في قراءة ما يفعله الإنسان و الغوص في دوافع هذا الفعل, وبهذا يستطيع الإنسان أن يجيد لغة موحدة يتداولها الجميع فيما بينهم بسلام, أعتقد أن للمسرح سطوة و هالة كبيرتين لم يتم استغلالهما بالشكل الجيد إلى الآن, وسيأتي يوم يصير المسرح في كل مكان و من دون نص و ممثلين و مخرج و جمهور, الناس سيتقمصون الفكرة فجأة و من دون سابق إنذار.