2012/07/04

رحيل الممثل الروسي فياتشيسلاف تيخونوف
رحيل الممثل الروسي فياتشيسلاف تيخونوف

  الوطن السورية عن عمر يناهز 82 عاماً رحل الممثل الروسي، أسطورة الشاشات السوفييتية والروسية، فياتشيسلاف تيخونوف. ومع أن الموت قدر لا مفر منه، وعلى الرغم من مرض تيخونوف، إلا أن نبأ رحيله جاء كالصاعقة، حزنت بسببه الملايين من محبي الممثل في روسيا وكل الجمهوريات السوفييتية السابقة وفي عدد من دول العالم. كيف لا يحزنون لرحيله وهو الذي جسد حقبة بأكملها من صناعة السينما السوفييتية، وقدم للمشاهد أدوراً ما كانت لتدخل التاريخ لو قدمها غيره.

 

حزن لرحيله الرئيس ميدفيديف، فأرسل برقية تعزية جاء فيها: «أحبه الملايين في بلدنا ليس بصفة ممثل عبقري فحسب بل بصفته إنساناً يتمتع بكاريزما استثنائية، وذكاء فطري، وقوة روحانية كبيرة» كل هذه الصفات يستحقها تيخونوف بجدارة، فدونه من الصعب تخيل صناعة السينما وكل الثقافة الروسية. هذا ما جاء في برقية الكرملين. ولم يتأخر رئيس الوزراء بوتين عن التعزية بوفاته واعتبره الاثنان خسارة كبيرة لروسيا ولكل الشعوب في الدول المجاورة. قال بوتين معزياً بوفاة تيخونوف: «إنها خسارة كبيرة لنا جميعاً لا يمكن تعويضها. فارق الحياة ممثل عظيم، إنسان بموهبة كريمة وبارزة، كبير بقيمه الداخلية وبكرامته ونبله».
وقبل الحديث عن مسيرته الفنية قد يكون في معرض ما قاله عنه زملاء حياته، وشخصيات سياسية روسية، تعبير أكثر دقة وعمقاً عن قيمة وحجم وأهمية هذه الشخصية الفنية التي يدور الحديث عنها. في رحيله قال إيفان ميلنيكوف نائب رئيس البرلمان الروسي: تيخونوف ممثل عظيم من أولئك الذين سترتبط أسماؤهم بالثقافة الوطنية في القرن العشرين. أما زميله المخرج مارك زخاروف فقد قال: لقد كان تيخونوف تجسيداً للرجل الروسي الحقيقي. لقد كان إنساناً بطلاً بكل المعاني الإنسانية للكلمة، وكان شخصية مدهشة. أما الممثل والمخرج الروسي الشهير ألكساندر كالاغين فقد قال عنه: «تيخونوف حقبة كاملة بحد ذاته. جسد الضمير والأخلاق وأعلى درجات المهنية. لقد أعطى دروساً جيدة ليس لزملائه فحسب بل لكل المشاهدين».
أما أكثر ما يثير الدهشة مما جاء في التعزية لرحيل تيخونوف هي تلك العبارات التي جاءت على لسان الناطق الرسمي في جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية: لكل الناس، بما في ذلك العاملين في الاستخبارات الروسية، كان نبأ وفاة الممثل الذي يحبه الجميع تراجيديا شخصية. في واقع الأمر أجل لقد حزن لرحيل تيخونوف كل من شاهد ولو عملاً واحداً له، فخلف تلك الشخصية الهادئة الجدية المتزنة، يختفي رجل طيب محب للمرح، متواضع جداً. أما سبب تعزية جهاز الاستخبارات بوفاته فهذا يعود إلى دور لعبه تيخونوف وجعله يتربع على قمة الشهرة هو دور ضابط الاستخبارات السوفييتية الذي زُرع في جهاز الاستخبارات الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وشغل منصباً رفيع المستوى في مؤسسة هتلر الأمنية الأشد قمعاً في تاريخ البشرية.
في مسلسل «سبع عشرة لحظة ربيعية» حيث لعب فياتشيسلاف تيخونوف دور (شتاندراتن فيورر شتيرلتس) جسد تيخونوف شخصية البطل السوفييتي الحقيقي، وكل من شاهد ذلك المسلسل يعجز عن الفصل بين التمثيل والواقع، لدرجة أن تيخونوف بدا بأعين كثيرين رجل استخبارات سوفييتية حقيقياً، وتجربته في جهاز الاستخبارات الألماني بدت واقعية أيضاً. بعد ذلك التصق هذا اللقب بشخص المثل الروسي الذي روى في حوار صحفي كيف نُقل ذات يوم إلى مشفى عسكري إثر أزمة صحية، وهناك سأله المناوب عن اسمه، فأجاب، ومن ثم سأله عن رتبته فأجابه تيخونوف مازحاً: شتاندراتن فيورر شتيرلتس. ومعروف اليوم أن كل العاملين في الاستخبارات الروسية يكنون كامل الاحترام والتقدير لهذا الممثل على ذلك الدور في «سبع عشرة لحظة ربيعية».
وُلد فياتشيسلاف تيخونوف، ممثل الشعب السوفييتي، وممثل الدولة الروسية، في شتاء عام 1928 بالقرب من موسكو. ابن ميكانيكي ومربية في حضانة أطفال. أرسله والده للدراسة في معهد مهني، فأنهى الدراسة فيه وعمل بعد ذلك (لحام حديد) في مصنع حربي. وفي عام 1944 حاول الدراسة في معهد الهندسة، لكن بعد فترة ولدت عنده فكرة تجربة حظه في الدراسة في معهد عموم الدولة للسينما. يقول تيخونوف إنهم رفضوه هناك لسبب مضحك ومؤلم في آن واحد: اذهب فلديك ملامح وجه أرستقراطية. إلا أن الحظ حالف تيخونوف حين ضمه البروفيسور بوريس بيبيكوف إلى صفه. وما هي إلى سنوات خمس حتى أنهى تيخونوف الدراسة في معهد السينما بدرجة ممتاز.
بدأ التمثيل في السينما عندما كان طالباً ولعب دوره الأول في فيلم «الحرس الشاب» وبعد ذلك لعب مجموعة أدوار على خشبة المسرح. في عام 1957 عاد إلى الشاشة بلعبه دور (سائق التراكتور ماتفي موروزوف) في فيلم «القضية في بنكوف». ومن هذه اللوحة بدأت مسيرة تيخونوف المهنية مع المخرج ستانيسلاف روستوسكي. خلال فترة أربع سنوات (1959-1963) لعب تيخونوف ستة أدوار رئيسية في ستة أفلام. وحصل عام 1970 على جائزة الدولة لقاء دوره في فيلم «لنعش حتى الإثنين». ومن الأدوار المفضلة عنده دوره في فيلم «الحرب والسلام» عن رواية ليف تولستوي.
أما دوره الأكثر نجومية على الشاشات فكان في مسلسل «سبع عشرة لحظة ربيعية» للمخرجة تاتيانا ليوزنوفا. وقد حصل على جائزة روسيا السوفييتية حينها. منذ ذلك اليوم أولى تيخونوف اهتماماً للأعمال ذات الطابع الوطني، فشارك في العمل الذي يعرفه كثيرون في العالم العربي «تاس تعلن» عام 1984. قبل ذلك شارك بأعمال وطنية عدة منها: جبهة خلف خط الجبهة، وجبهة خلف خطوط العدو، وفيلم حاربوا دفاعاً عن الوطن. ولديه مئات الأدوار في أفلام ومسلسلات تلفزيونية جسد فيها شخصيات مختلفة جوهرياً وفي كل عمل له يبدو وكأنه مولود للدور الذي يؤديه. حصل تيخونوف على وسام بطل العمل الاشتراكي، وجائزة لينين، وقُلد أوسمة: لينين، وسام ثورة «رمزية الاحترام»، ووسام «لقاء خدماته للسينما الوطنية».
هذه أسطر قليلة عن حياة شخصية عظيمة رحلت، مبدع ترك للأجيال العبر والدروس وأهم شيء أنه ترك خلفه المعاني الحقيقية للحب والإخلاص، حب الوطن وحب الإنسان للإنسان. لذلك يستمر حب الجماهير لتيخونوف عبر الأجيال، من معاصريه وصولاً إلى جيل العصر.