2017/10/31

ردّ من مؤسسة السينما على قوس قزح «خرج سينمائي ناشف» وتعقيب عليه
ردّ من مؤسسة السينما على قوس قزح «خرج سينمائي ناشف» وتعقيب عليه

تشرين 

كتب أمين تحرير الشؤون الثقافية في جريدة تشرين السيد بديع صنيج في العدد 13063 تاريخ 22/10/2017، وضمن زاوية (قوس قزح) بعنوان «خرج سينمائي ناشف» نصاً يتعرض لعمل المؤسسة العامة للسينما والتظاهرات والمهرجانات التي تقيمها أو تشارك فيها. زبدة النص يمكن تلخيصها بكلمتين: هذه مهرجانات وهمية الهدف منها سرقة المال العام، الاتهام خطير طبعاً وهو يخرج من مجال الرأي والرأي الآخر إلى مجال الذم والقدح والتشهير. وطبعاً نحن قمنا بتحريك دعوى قضائية ضد السيد المذكور كرد رسمي وقانوني على ما ورد في زاويته، ولكننا ندرك في الوقت نفسه أننا مدينون لجمهور القراء بتوضيح أو نفي ما ورد في هذه الزاوية.
الأسابيع والتظاهرات والمهرجانات السينمائية ذات الطبيعة الثقافية ليست بدعة جديدة في نشاط المؤسسة العامة للسينما، وإنما هي جزء أساس من هذا النشاط، نص عليه قانون إحداثها، وقد ظلت المؤسسة تمارس هذا النشاط دورياً على مدى نصف قرن من حياتها، ولكن حدث في السنوات تطورات تقنية لابد من الوقوف عندها. سابقاً كانت أفلام التظاهرات كلها من نوع 35مم، وآلات العرض المناسبة متوافرة طبعاً، في السنوات الأخيرة، ولاسيما أثناء الحرب على سورية صرنا نعاني مشكلة: أفلام 35مم بدأت تنقرض وتزول إلى غير رجعة، وبدأت تحل محلها طريقة عرض الديجيتال (DCP) أي لم تعد هناك بكرات وأشرطة، وإنما ملف كمبيوتري، ترسله الشركة الموزعة للفيلم إلى صالة العرض مغلقاً بكود لا يفتح إلا من قبل الشركة نفسها، وهذا الملف يتضمن الفيلم الذي سيعرض على الشاشة عبر جهاز يدعى DCP مثل هذا الجهاز لا يوجد في سورية منه إلا في صالة عرض واحدة هي سينما سيتي، لقد حاولنا منذ بداية الحرب استيراد أجهزة كهذه لصالاتنا، غير أن ما حال دون ذلك هو سلم الأولويات التي فرضتها الحرب على ترشيد استخدام القطع الأجنبي.
لذلك، نحن عملياً نعرض حتى أفلامنا على أقراص DVD أو Bleu Ray عن طريق جهاز إسقاط، لأن هذه هي وسيلة العرض الوحيدة المتاحة لنا حالياً، وبالمناسبة، العروض السينمائية الاستعادية ذات الطابع الثقافي وليس التجاري تجري في كل بقاع العالم بالطريقة نفسها، أي بوساطة جهاز إسقاط وأقراص DVD أو Bleu Ray، ولسنا وحدنا في هذا المجال.
أما لجهة ما قاله السيد صنيج عن أن الأفلام التي نعرضها هي أفلام مقرصنة أو يتم تحميلها من الإنترنت، فإن هذا الكلام عار من الصحة وهو محض افتراء، المؤسسة العامة للسينما تشتري أقراصاً أصلية من شركات مرخص لها ولديها سجل تجاري أصولي، ويجري التعاقد معها وفق عقود نظامية يراعى فيها تكافؤ الفرص بين السادة العارضين، ولا يتلقى أي من تلك الشركات أي مبالغ خلافاً لعقودها، ثم تتولى المؤسسة ترجمة هذه الأفلام ترجمة أصلية وتعرضها.
الأخطر من ذلك هو اتهامه الصريح لإدارة المؤسسة العامة للسينما بالاحتيال بهدف تحقيق مصالح وأرباح شخصية، وهو اتهام وكلام ليسا جديدين علينا، فهو يكاد يكون نسخاً ولصقاً لكلام قيل على صفحة فيسبوك، يصرح صاحبها بأنه لا أدلة له على صحة ما يقول أما صاحبنا فيبدو أنه أكثر ثقة بنفسه، فحمل هذا الكلام مباشرة من عالم فيسبوك الافتراضي إلى جريدة تشرين الرسمية.
قبل أن نكمل، ثمة ملاحظة لابد من قولها رداً على من يشيعون أن مؤسسة السينما تحظى بـ «ميزانيات ضخمة»: تكلفة إنتاج فيلم لبناني واحد (كي لا نقول مصري أو فرنسي أو أمريكي) تعادل تكلفة إنتاج كل أفلام المؤسسة الطويلة والقصيرة مع مشروع دعم سينما الشباب مدة عام كامل.
ثمة مسألة غريبة نلاحظها منذ سنوات: كلما حققت المؤسسة نجاحاً ما، زاد الهجوم عليها، لاحظنا هذا أيام مهرجان دمشق السينمائي كلما كانت الدورة أنجح، كان الهجوم عليها أقوى، والآن نلاحظ هذه الحملة بمناسبة فوز الأفلام السورية بأربع جوائز أساسية في مهرجان الاسكندرية السينمائي وبالجائزة الذهبية في مهرجان روتردام.. هذه الحالة ولكننا نصادفها بكثرة، خاصة للأسف بين أوساط المثقفين تحس أن هناك رغبة دفينة لدى البعض بتتفيه وتسخيف أي نشاط ثقافي مهما كان الجهد المبذول عليه كبيراً.
سورية ليس فيها صحافة صفراء، تقاليد العمل الصحفي فيها جدية وصارمة وبعيدة عن هذا النوع من الإعلام الابتزازي الفضائحي، ولكن بين حين وآخر يبرز هنا أو هناك صحفي يتوق لاستيراد هذا النوع من الصحافة وزرعه في جرائدنا.. نتمنى أن نتكاتف جميعاً للحيلولة دون ذلك.
المكتـــــــــب الصحفــــــــــي
فـي المؤسسة العامة للسينما

تعقيــب المحــرر
رغم أن أي رد ينبغي أن يُرسل «بموجب كتاب مضمون أو ما يقوم مقامه مرفقاً به المستندات المتعلقة بالموضوع إن وجدت» حسب المرسوم التشريعي رقم 108 للعام 2011 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد والخاص بقانون الإعلام، لكن المؤسسة آثرت الرَّد «على الناشف»، علماً أنه كان من الأجدى عرض الوثائق لإطلاع الرأي العام عليها وليس التستر وراء تهديد ووعيد مغلوط قانونياً.
عندما تقام الاستعادات السينمائيّة من قبل جهة «احترافيّة» مسؤولة عن السينما في بلد كامل، وليس من قبل نادٍ للهواة أو «كافيه» يمتلك شاشة كبيرة لعرض مباريات كرة القدم، فإنّ هذا يحصل لهدفين هما: عرض نسخة تقنيّة عالية من الفيلم، أو مناقشته مع أحد صنّاعه، أو كلاهما معاً، وهذا ما تحدثنا عنه في زاويتنا، لكن المؤسسة العامة للسينما اعترفت في ردّها بأنّها لا تحقق أيّاً من الأمرين، بل تكتفي بما يمكن أن يفعله أيّ تجمّع للهواة، ومع ذلك تكلّف التظاهرة الواحدة ملايين الليرات وفق الكشوفات الرسميّة. إذاً، من الطبيعي أن نتساءل عن هذا الأمر. ثم بالنسبة لما جاء في الرد من أن «العروض السينمائية الاستعاديّة ذات الطابع الثقافي وليس التجاري تجري في كل بقاع العالم بالطريقة نفسها»، فهذا يجافي الحقيقة تماماً, أمثلة ذلك: «متروبوليس» في لبنان، «زاوية» في مصر، و«الهيئة الملكيّة للأفلام» في الأردن، و«دبي 365 فوكس» في الإمارات وغيرها.
وقبل أن تسهب المؤسسة في إثبات قانونيّة حقها في عرض هذه الأفلام، فلتعمل على إزالة أسماء محلات بيع الـDVD في البحصة في دمشق أو الجميليّة في حلب، و«كودات» مواقع التورنت المقرصنة من فيديو الفيلم، وأدلّة مترجمي موقع «subscene» قبل أن تعرضها. ربّما تطبّق المؤسسة الآلية التي ذكرتها على بعض الأفلام، ولكن العروض التي تمّت خلال الأعوام الفائتة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ ادعاءنا في محلّه، ثم هل لدى المؤسسة وثائق تثبت حصولها على ترخيص رسميّ لعرض كل شريط؟ دعونا نُذكِّر هنا بما أثاره بعض المخرجين العرب عن عرض أفلامهم ضمن قسم «الأفلام القصيرة المشاركة على هامش المهرجان» من دون الرجوع إليهم، وذلك في الدورة الرابعة من «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» ومن أولئك على سبيل المثال المخرجين ناجي إسماعيل، والمخرجة دينا عبد السلام.
أمّا الحديث عن «ترشيد استخدام القطع الأجنبي» فهو قمّة المفارقة فمن غير المنطقي أن جميع صالات المؤسسة لا تحوي جهاز DCP واحداً، ألا تستطيع بدل أحد أفلامها الذي تُشوِّه فيه صورة أبطال الجيش العربي السوري وتُظهِر فيه الإرهاب بأبهى حلّة، أن تُدوِّر نفقاته لتطوير إحدى صالاتها وتزويدها بأفضل الأجهزة؟ أم إنها حثيثة السعي في الحفاظ على الثقافة السينمائية من خلال مهرجانات وأفلام لا يتابعها إلا المئات فقط؟
نعم، المؤسسة تحظى بميزانيّة إنتاج ضخمة قياساً إلى تكلفة الفيلم في سورية، فميزانيّتها الإنتاجية التي تُقارب المليار ليرة تكفي لإنتاج ما يقارب ضعف عدد الأفلام الروائية الطويلة التي تنتج حالياً لولا ما يحصل. السينمائيون وأبناء المهنة يعرفون ذلك جيّداً، فما ينجزه مبلغ 1000 دولار في سورية أضعاف ما يمكن أن يحققه إنتاجياً في لبنان. بشكل أوضح، مبلغ 200 ألف دولار أكثر من كافٍ لإنجاز فيلم طويل في سورية، لكنّه لا يكفي في لبنان، وهكذا. ثم لماذا يغيب مبدأ المقارنة مع الدول الأخرى الذي تلجأ إليه المؤسسة في النواحي التي تعتقد أنّها تدعم حججها الواهية، في آلاف التفاصيل والآليات الأخرى؟ ولاسيما أن أفلامها لا تحقق شيئاً أكثر من تكريس الشبه والاستلاب الثقافي غير المفهوم في سنوات السلم، فكيف ونحن في سابع السنوات العجاف على بلدنا، وعلى ثقافتنا التي لن نرضى إلا أن نكون أمناء عليها، من حرصنا الشخصي أولاً، ومن ثم من منصبنا الذي يحمّلنا باستمرار مسؤولية إيصال صوت الناس الذين قد لا تتاح لهم منابر ليصرخوا عبرها فنكون نحن ذاك الصوت.
السقطة الكبرى هي في نظرية المؤامرة والتشكيك لدى مؤسسة السينما بمنتقديها «في أوساط المثقفين»، كما عشرات السينمائيين السوريّين الموهوبين الذين تمّ إقصاؤهم أو«تصفيتهم» مهنيّاً وإبداعياً، لمجرّد أنّهم رفعوا الصوت ضدّ مكامن الخلل فيما يفترض أنّه بيتهم السينمائي.
الحال الآن لم يعد كالسابق في ترسيخ الصمت والجهل. كثر يعلمون. كثر لن يقفوا مكتوفي الأيدي، لكن المؤسسة بدلاً من العمل الجديّ والعمليّ على تخليص نفسها من واقعها المأساوي، تصرف الطاقة والجهد في كمّ الأفواه، وتصيّد المنتقدين، وملاحقة حسابات الفيسبوك، ومَنْ وَضَعَ «لايك» على منشور ما ومَنْ لم يفعل، وإلقاء الاتهامات… كلّه من أجل هدف واحد: ترسيخ واقع مناسب لبضعة أشخاص فقط، على حساب كلّ شيء آخر. كلّ الحسرة على المشروع السينمائي السوريّ!