2013/05/29

زياد الرحباني: كنت رسول سلام بين والدَيَّ وهربت عندما فاق الوضع إحتمالي
زياد الرحباني: كنت رسول سلام بين والدَيَّ وهربت عندما فاق الوضع إحتمالي


مي ألياس – إيلاف

حلّ الموسيقار اللبناني زياد الرحباني ضيفاً على الإعلامية منى الشاذلي في حلقة أرادتها مختلفة، نحت فيها السياسة جانباً، لتركز على الجانب الفني والإنساني من حياة زياد، وجدلية أعماله التي غنتها والدته السيدة فيروز، وظروف طفولته، وتمرده الفني، وعلاقته بمصر، وتأثره بالموسيقار سيد درويش، وحبه الكبير لزكريا أحمد.

بيروت: كانت إطلالة الفنان زياد الرحباني مع الإعلامية المصرية منى الشاذلي عبر برنامجها "جملة مفيدة" الذي يعرض على قناة أم بي سي المصرية، مختلفة وغريبة نوعاً ما، فزياد الذي لا يطرح نفسه مغنياً لم يحبذ أن يؤدي أغانيه خلال الحلقة، وأكتفى بالعزف فقط على البيانو بمصاحبة التشيللو، فكانت الحلقة بمجملها حفلة موسيقية تخللتها دردشات متقطعة.

لا سياسة في برنامج سياسي!

ويبدو أن آراء زياد السياسية غير مرحب بها على القناة، فكان القرار أن يكون محور الحلقة عن الفن وفقط، وأعلنت الشاذلي مبررة  ذلك بأنه نابع من رغبتها في تغيير المزاج، فكل ما يتحدث به الناس في مصر ولبنان هو السياسة.

وهو ليس بالأمر السيىء بل على العكس، فزياد يتمتع بشخصية مرحة، وحديثه شيق، وهناك جوانب عديدة في حياته وفنه يمكن الإستفاضة فيها الى جانب آرائه السياسية المعروفة، لكن الغريب أن منى لم تحسن إستغلال الفرصة، ولم تستثمر مزاج زياد الذي كان جاهزاً للبوح بالكثير من أسرار وكواليس عمله مع والدته، وكانت مقاطعتها له بإستمرار لإرغامه على العزف مزعجة له وللمشاهد الذي كان يتوق لسماع ما يريد زياد قوله، وكان لا بأس من أن يتخلل الحديث بعض الموسيقى، وليس العكس.

كان رسول سلام بين والديه وهرب من المنزل عندما فاق الأمر إحتماله

ورغم ذلك لم يخلُ الحوار من بعض المانشيتات الصحفية كان أبرزها الدور الذي لعبه زياد في طفولته كرسول سلام بين والده ووالدته في خضم حياتهما الزوجية المضطربة، وخلافاتهما المستعرة.

زياد قال بأنه كان متفوقاً في المدرسة في سنوات طفولته الأولى لكن تركيزه تشتت عندما وصل الى سن الرابعة عشرة، حيث أثرت الخلافات العائلية على مستواه الدراسي، وكان والداه بإنتظاره يومياً بعد عودته من المدرسة ليلعب دور الحكم بينهما، وقال بأنه كان يحتفظ بمحاضر جلسات الصلح التي يعقدها معهما، ويذكر والده بكلامه، وكان عاصي الرحباني لا يسمح له بالكلام إن لم يكن في صالحه، وكان يستغرب ثقتهما في دوره بإصلاح ذات البين بينهما رغم أنه لم يكن يمتلك أي خبرة أو تجربة حياتية تؤهله لذلك، وأضاف زياد بأنه عندما تفاقمت الخلافات، وفاق الأمر قدرته على الإحتمال هرب من المنزل.

قبض 500 ليرة لبنانية ثمناً لأغنية "ع هدير البوسطة" من والده

وكشف زياد بأن أغنية "ع هدير البوسطة" لم تكن لفيروز بالأساس بل كانت ضمن عمل مسرحي، وعندما سمعها والده طلب شراءها منه، ووافق ، وباعها له بـ 500 ليرة لبنانية، وقال بأن الأغنية أحدثت ضجة كبيرة عندما قدمتها فيروز في حفل في باريس، وإتهمتها الصحافة في وقتها بالتشجيع على الخيانة الزوجية، لأنها قالت في الأغنية "شو بشعة مرته" وكأنها تقلل من جمال الزوجة وتتغزل بالزوج.  وهوجم هو مع أن قرار غناء فيروز للأغنية كان لوالده عاصي الرحباني وليس له.

وقال زياد بأن كلمات أغانيه بسيطة وسلسة ومن واقع الحياة، وهذا لا يعني أنها مبتذلة أو تافهة، وربط بينها وبين كلمات أغاني سيد درويش وأشعار بيرم التونسي، وضرب مثالاً على ذلك بأغنية الحلوة دي ، وجملة الديك بيدن كوكو كوكو ، وقال بأن هذا هو فن "المناقيش" الذي يحبه هو ويفضله على الفن المتفلسف والشعر المنظوم، ولم يفهم سبب الهجوم على أغنية "مش كاين هيك تكون" وصار الصابون وكأنه (بورنو).

أعمال الأخوين رحباني بقيت محلقة ولم تنزل على أرض الواقع

كما انتقد زياد كلمات أغاني الرحابنة التي لم تكن تعبر عن واقع لبنان وبقيت برأيه شعارات محلقة في السماء، واختلفت معه مقدمة البرنامج في هذه النقطة معتبرة بأن كل فنان هو إبن بيئته وأن أغلب أعمال فيروز مع الأخوين رحباني سبقت الحرب الأهلية في لبنان، بالتالي كانت تعبر عن جمال ورومانسية البلد، بينما زياد كان إبن الحرب اللبنانية، فكان الواقع القاسي والقبح الذي عاشه جزءاً لا يتجزأ من شخصيته الفنية، واتفق معها زياد على مضض.

وقال بأن الأخوين رحباني خلقا شخصية "مسرحية" لفيروز بعيدة عن شخصيتها الحقيقية في الحياة، وبأنها بقيت أسيرة لهذا المجد كلما إعتلت المسرح، وأضاف بأن أغانيه هي الأقرب لشخصية فيروز الحقيقية.


فيروز "نقعت" كيفك أنت بالجارور 4 سنوات

وكشف بأن أغنية"كيفك إنت" بقيت في الجارور لمدة 4 سنوات قبل أن تقرر فيروز تقديمها، وروى كيف أنه زارها في منزلها بمنطقة الروشة المطلة على البحر، وكانت الدنيا شتاء، والكهرباء مقطوعة، وأعطاها شريط الكاسيت الذي سجل عليه الأغنية لتستمع اليها، فردت بأنها ستفعل ذلك لاحقاً فالكهرباء مقطوعة، لكنه أصر على أن تستمع اليها بوجوده، فأحست هي بأنه يرغب بالبقاء لإقناعها بها، وبعد أن استمعت اليها على مسجل يعمل بالبطارية كان قد جلبه معه، صمتت، فعلم هو بأنها أحبّت فيها شيئاً ما، وسألته ماذا سنفعل بهذه الأغنية، فرد ستغنيها، فقالت متسائلة: بهذا الكلام؟ فرد بالإيجاب. وبقيت الأغنية في جارورها 4 أعوام، لأنها كانت قلقة من عبارة "ملا إنت" التي تعني التغزل بالرجل المقابل وفيها نوع من الجرأة، واعترف بأنها كانت محقة في قلقها لأن هذه العبارة كان محل نقد شديد عندما صدرت الأغنية.

وشدد هنا على أن فيروز "نقعت" الأغنية 4 سنوات لأنها لا تجامله بفنها، وهو حذر جداً لأنه يخشى توريطها، فقالت له منى لكنها تورطت من زمان منذ أن غنت " ع هدير البوسطة".

ودافع زياد عن ألبوم "كيفك إنت"، وقال بأنه حقق في حينها نسبة مبيعات عالية، مما يدل على أن الجمهور تقبله ولم يرفضه، ربما كان هناك إنقسام حوله ولكن لم يكن هناك رفض عام، ورغم النقد، إلا أن الأغنية باتت أساسية في برنامج حفلاتها. وقالت له منى بأنها من أغنياتها المفضلة التي تستمع إليها يومياً، لكنها لم تكن تعرف المعنى الحقيقي لعبارة "ملا إنت" وأنها غزلية.

جدل طائفي بسبب عودك رنان

وأضاف زياد بأن الكارثة الكبرى كانت عندما غنت فيروز أغنية "عودك رنان" خلال الحرب اللبنانية وكانت لاتزال في مرحلة مسلم – مسيحي، ولم تدخل مرحلة شيعي – سني.

فجاءت عبارة "عيدها كمان ظلك عيد يا "علي" مستفزة طائفياً للبعض، وفسرت على أن فيروز المسيحية تغني للإمام علي أو للجمهور الشيعي ... وقالوا بأنها نهاية فيروز، ولم تؤخذ على أنها تخاطب عازف عود في فرقتها إسمه علي. وحمل زياد على هذا الوباء الطائفي الذي لايزال يفتك بجسد الدولة اللبنانية حتى يومنا هذا وبعد مرور 33 عاماً على الحرب.

وعلقت الشاذلي، بأن كل هذه التفاصيل ستموت مع الزمن ولن يبقى سوى حب الجمهور للأغنية التي عاشت طيلة هذه المدة وستبقى، وردّ زياد بأن والدته يومها كانت سعيدة باللحن الإيقاعي السريع الذي تفتقر إليه في ريبرتوارها فأغلب أغانيها رومانسية، أو متوسطة السرعة، ولم تنتبه لإمكانية تفسير الكلام طائفياً.

وعندما سألته منى عن التبرير الذي قدموه في حينها، قال زياد بأنهم التزموا الصمت لأن أي تبرير كان سيزيد الطين بلة، وأن فيروز لم تعتد الرد على الإنتقادات أساساً.

هدوء نسبي

كما تحدث زياد عن ألبومه الموسيقي "هدوء نسبي" وظروف كتابته لموسيقاه خلال الحرب، وأن التسمية "هدوء نسبي" كانت مصطلح يتردد كثيراً في الأخبار وقتها. وكان يقيم على خط التماس بين البيروتين الشرقية والغربية. وكتبها عندما هدأت الأمور بعد إشتعال دام 100 يوم، وهي فترة شهيرة لمن عاصر الحرب.

عانى من عقدة إبن فيروز

وقال زياد بأنه لم يتقصد التمرد لا موسيقياً ولا حياتياً، وإنما جاءت الأمور بهذا الشكل تلقائية. ويعتبر أنه يقوم بالتعبير بشكل مختلف. ولم يخفِ زياد بأنه عاش عقدة إبن فيروز، وبأن شهرة والديه كانت مقيدة له كمراهق، وقال مازحاً: بأنه كان يحتاج أحياناً للقيام بأمور قد لا تكون مشرفة، لكن وجوده تحت دائرة الضوء كان يقيده.

ملك جمال

وكشف بأنه كلما سخر من شكله كانت والدته تعترض وتذكره بأنه تم إختياره كملك جمال عندما كان طفلاً، وبأنها لا تزال تحتفظ بالتسجيلات. وأضاف ساخراً ربما كان شكل منخاري مختلفاً في حينها، أو ربما جاملوني لأنني إبن فيروز.

تعاون مؤجل مع شيرين

وإختار زياد الفنانة شيرين عبدالوهاب من بين الأسماء المصرية الموجودة على الساحة، التي يمكن أن تنجح في تقديم أغانيه، لأنها ليست بعيدة عن الطرب القديم، وقال بأن فكرة التعاون بينهما مطروحة منذ العام 2005، لكن تضارب مواعيدهما كان الحائل دون إتمام هذا التعاون علماً بأنها تتواجد في بيروت كثيراً. وبدت وكأنها دعوة مفتوحة من زياد لشيرين لتفعيل التعاون إذا كانت جادة بهذا الصدد.

لا موقف من مصر

نفى زياد تهمة جفائه لمصر، فلا يوجد موقف مسبق، وهو إجمالاً لم يغادر لبنان طيلة الحرب اللبنانية، إلا مرتين مع والدته الى اليونان بهدف تسجيل ألبومي "كيفك إنت" و "إلى عاصي" لأن التسجيل في بيروت وقت الحرب لم يكن ممكناً.

وأن اول زيارة له الى مصر كانت في العام 2010، وقال بأنه لم يتلقَ دعوات للغناء في مصر، وفي حال حصل لن يرفض. وكشف بأنه هو من كان وراء تجديد فيروز لأغنية "أهو ده اللي صار" لسيد درويش، وهو مستغرب كيف مرت هذه الأغنية على الأخوين رحباني، ففيروز كان عندما تغني لسيد درويش يعتقد الناس بأن هذه الأغاني كتبت ولحنت لها خصيصاً، وضرب مثالاً بأغنية "زوروني" التي إرتبطت بفيروز بشكل كبير لدرجة أن الناس إعتقدت بأنها لها من الأساس.

كما كشف زياد بأنه يحتفظ بصورة معلقة على حائط غرفته منذ زمن طويل للشيخ زكريا احمد، وأن بعض زواره يعتقدون بأنها لشخص من العائلة. وقال بأن سيد درويش وزكريا عزمي الأقرب اليه فنياً، بينما رياض السنباطي رغم عظمته فألحانه معقدة. وعندما طرحت الشاذلي فكرة تشابه روح أعماله مع أعمال سيد درويش قال بأنه يفتخر بالتشابه  إن وجد المهم ألا يكون سرقة أو نسخاً

لقاء ممتع ولكن...

كان اللقاء بشكل عام ممتعاً، لكنه كان بالإمكان أن يكون أكثر إمتاعاً لو حضر له بشكل أفضل، ولو لم تفرض منى عليه العزف بشكل ملح بعد كل جملة ينطق بها، وربما أضاعت فرصة ثمينة في إنتزاع تفاصيل كثيرة عن كواليس حياته وعلاقته بفيروز لو سمحت له بالإسترسال في الكلام أكثر، ولم تقاطعه بهذا الشكل الذي كان مزعجاً للمشاهد في بعض الأحيان.