2012/07/04

زياد الريس: الفيلم التلفزيونـي بديل مؤقت عن السينما في سورية..
زياد الريس: الفيلم التلفزيونـي بديل مؤقت عن السينما في سورية..

دمشق صحيفة تشرين ثقافة وفنون الخميس 7 كانون الثاني 2010 حوار: سامر محمد إسماعيل لم يتنازل المخرج السينمائي «زياد جريس الريس» عن حلمه الذي بدأه بفيلم «فنجان شاي» بموسكو عام 2000، لاسيما بعد أن شارك به في مهرجان دمشق السينمائي وتم إبعاده من المسابقة الرسمية، فزياد الحائز على ماجستير الفنون في كتابة السيناريو والإخراج السينمائي حاز على ثلاثة جوائز للإبداع في مهرجانات السينما الروسية، ويتابع اليوم عمله كمخرج تلفزيوني له حساسيته الجديدة في عالم الدراما إذ يحضر الآن لإخراج مسلسل تلفزيوني عن قصة الزعيم الليبي معمر القذافي بعنوان «الفرار إلى جهنم»، يتكلم هنا الريس عن فيلم الأمانة الذي أنتجه التلفزيون عن الجولان السوري المحتل. تشرين التقت (الريس) وكان الحوار الآتي. لو تحدثني بدايةً عن خيارك في إخراج نص الأمانة للمؤلف «جمال جنيد»؟ ‏ حقيقةً طُرح عليّ أكثر من نص، ولكنني فضلت العمل الذي فاز في مسابقة «الجولان في القلب» التي أقامتها مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري،برأيي أن هذا النص كان على درجة عالية من الجدية، لأنه طرح موضوعة الجولان على مستواها الإنساني، وبعيدة كل البعد عن المستوى السياسي الذي يمكن أن تكون عليه معالجة مسألة هامة للسوريين مثل مسألة الجولان السوري المحتل، فالنص يتجنب كل القراءات الخاطئة التي تريد أن تحشد أكثر من قضية إقليمية وعالمية لمناقشة حق السوريين في العودة إلى أرضهم العربية في الجولان. ‏ من ناحية أخرى يطرح الفيلم صراعاً بين جيلين مختلفين،الأول هو جيل الآباء الذين شهدوا النزوح عن الجولان ومازالوا يحلمون بالعودة إلى ديارهم خلف السياج الإسرائيلي، والثاني جيل الأبناء الذي يحاول أن يبحث عن طريقته في استرداد الحقوق، فالحماسة التي تملأ الأبناء كبيرة للعودة لكنها ليست كحنين آبائهم الممزوج بالقهر ورغبتهم في استرداد الأرض. ‏ الحل برأيي كان بالرمز الذي قدمه الفيلم عبر حكاية «عساف» الشاب السوري الذي يستشهد تاركاً الأمانة لأخيه، والتي نكتشف في نهاية الفيلم أنها عبارة عن بندقية. ‏ هل نستطيع أن نعتبر أن البندقية رمز للمقاومة السورية الموجودة في الجولان؟ ‏ المقاومة في الجولان موجودة منذ عام 1982 وحتى قبل ذلك بكثير، من ينسى منا الانتفاضة المستمرة للعرب السوريين برفضهم لأي نوع من أنواع تذويبهم في المجتمع الإسرائيلي، ورفضهم المستمر لأي محاولة من سلطات الاحتلال لتغيير الهوية العربية السورية. ثقافة المقاومة ‏ أليست هذه مقاومة؟ أليس فشل الإسرائيليين المستمر في تغيير المناهج التعليمية في مدارس الجولان واستبدالها بأخرى إسرائيلية، أليس مقاومة؟ ‏ إرسال مئات الأطنان من التفاح الجولاني إلى سورية ورفض بيعه إلى تجار إسرائيل، أليس مقاومة؟ ‏ الأسرى السوريون في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذين يتعرضون لأبشع أنواع العسف والمعاملة منذ عشرات السنين، أليس مقاومة؟ ‏ برأيي أن جبهة الجولان وعلى عكس ما يقوله البعض هي من أكثر الجبهات المفتوحة في العالم. ‏ يعرض الفيلم لطريقة جديدة في تناول التراث العربي في الجولان، كيف استطعت عكس ذلك إخراجياً؟ ‏ أستطيع أ أقول لك أن الجذر التاريخي الواحد للمنطقة التي تمتد عليها ثقافة المقاومة من فلسطين وجنوب لبنان وصولاً إلى الجولان تنتمي إلى فهم واحد، مفاده الأرض التي تعد الإرث الأهم في حياة العربي وطريقته في العيش، الحكاية لا تتعلق بالجولان وحده، بل بمجمل الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل، لذلك لم يسع الفيلم إلى تضييق الرؤية التي ينظر السوري إلى أرضه المغتصبة، بل كان الفيلم يذهب نحو الحلم العربي الجماعي الذي ينظر إلى حقوقه كجزء لا يتجزأ من الكل العربي الممانع في هذه المنطقة. ‏ الرمزية التي يؤكد عليها الفيلم هي إشارة واضحة لقيمة الشهادة التي تعتبر من أهم رموز التراث العربي، والتي جاءت مع الازدياد المتصاعد لعدد الأسرى السوريين في السجون الإسرائيلية خذ مثلاً الأسير السوري«بشر المقت» الذي قضى أكثر من خمس وعشرين سنة في الأسر، وهو ما يزال متمسكاً بهويته العربية السورية، ولذلك تقول كانت البندقية في الفيلم لتقول أن كل شيء وارد في تغيير أسلوب المقاومة، وتحويله من الممانعة وضبط النفس إلى خيار القوة واسترداد الحقوق، فاختلاف نوعية المقاومة عن غزة وجنوب لبنان لا يعني انتفاءها. ‏ هل يشكل الفيلم جزءاً من الحملة الإعلامية التي يقوم بها التلفزيون العربي السوري من أجل الجولان ؟ ‏ هذه ليست حملة ولا بروباغاندا ولا يمكن أن نسميها كذلك، بل هي من أولويات المهام التي يقوم بها التلفزيون الوطني من أجل حق سورية بأرضها المحتلة، فمن يصمد لما يقارب الأربعين سنة ولا يفرط بشبر من التراب، ويصر أن يسبح في مياه طبرية لا يمكن أن يكون إلا مقاوماً، حتى ولو ظهر الأمر أنه ممانعة لكن هذه الممانعة هي في الأصل ثقافة مقاومة مهما تعرض السوريون لضغوطات إقليمية ودولية يبقى الجولان في القلب. ‏ قد لا تستطيع أن تحقق هجوماً عسكرياً لكنك مجرد أن توقف هذا الزحف الدولي فأنت ترسّخ هذه الثقافة، وأعتقد أن ما حققته السياسة السورية في السنوات الأخيرة من إنجازات كان يحتاج لإمكانيات تفوق طاقة الاتحاد السوفياتي سابقاً، أريد أن أقول إن هذه السياسة استطاعت عبر الممانعة أن تصد جيوشاً تعتبر من أعتى جيوش العالم، ولذلك جاء الفيلم ليعكس هذه الرؤية ويرمز لها عبر لغة سينمائية جيدة. ‏ كيف عكست ذلك في توزيعك للأدوار على ممثلي الفيلم؟ ‏ ركزت في اختياراتي على ممثلين سوريين جولانيي الأصل أو من جنوب سورية، وهذا تقصدته لأحصل على أداء طبيعي وحقيقي وخالٍ من التصنع، وأستطيع القول إنني توفقت إلى حد كبير باختياري لفريق العمل، فكان معي الفنان عبد الرحمن أبو القاسم وهو فنان فلسطيني الأصل وجميعنا يعرف ما معنى أن تكون فلسطينياً لاسيما أننا شاهدنا حجم المجزرة الإسرائيلية الوحشية لأهلنا في غزة، وكذلك كان سهيل جباعي ونجوى علوان والفنانة ديمة قندلفت وهذا برأيي ساهم في نقل الحالة من التمثيل إلى التجسيد الحقيقي للدور. ‏ بين الإنتاج السينمائي والتلفزيوني ‏ لكن ألا تظن أن إنتاج الفيلم تلفزيونياً يقلل من قيمته الفنية وجمالياته فيما لو أُنتج سينمائياً؟ ‏   لا أخفيك أن الفيلم تعرض للنقد واعتبره البعض فيلماً سينمائياً فوجهوا انتقاداتهم على هذا الأساس، وما لم يلاحظوه هو أن هذا الفيلم أُنتج تلفزيونياً، لكن هذا بالنسبة لي كان له أثر إيجابي في نفسي لأن الجودة التي صُنِعَ بها الفيلم كانت تضاهي جودة صناعة السينما، خذ مثلاً الفيلم السينمائي في سورية يكلف ما يقارب الخمس وعشرين مليون ليرة سورية في حين فيلم الأمانة التلفزيوني لم تتجاوز تكلفته المليون ونصف المليون ليرة سورية، أضف إلى ذلك أن انطباعاً آخر وقع فيه البعض الآخر وهو كليشيهات السهرة التلفزيونية وهذا أيضاً لا ينطبق على فيلم «لأمانة»لأنني اشتغلت هذا العمل بلغة السينما المنفذة بطريقة تلفزيونية، وبالتالي تعرض الفيلم لانتقادات وقعت في مغالطتي السينما والسهرة التلفزيونية، وفي كلتيهما لم أسع إلى ثرثرة كلامية أو بصرية، بل ذهبت نحو الشعرية الصورية، مركزاً كاميرتي على الشحنات العاطفية في اللقطة، ووضعت كل ذلك في خدمة المستويات الفنية التي أردت الوصول إليها، لا أنكر أن هناك مآخذ على الفيلم، أحدها هي المباشرة في الحوارات المكتوبة، لكنني لا أرى أن المباشرة دائماً أحد العوامل السلبية في العمل الفني، فقد نحتاج أحياناً إلى المباشرة لاسيما أننا لا نستطيع إخفاء رغبتنا في كتابة وتجسيد حلمنا بالعودة إلى الجولان.، لذلك أرى أن الفيلم التلفزيوني هو بديل مؤقت عن السينما السورية. ‏ ماذا لو صورت الفيلم في الجولان ألم يكن ذلك من طموحاتك كمخرج؟ ‏ أتمنى لو كان العمل في الجولان وما أتمناه أكثر أنني عندما سأصور في الجولان سيكون قد عاد إلى الوطن الأم، عندها سنتطلع إلى أمانة أخرى وهذا ما أقوم الآن بكتابته وأعمل على تحقيقه في فيلمي القادم الذي سيكون عن الجرائم الوحشية التي ارتكبتها عصابات الهاغانا في فلسطين ما قبل نكبة عام 1948، ولا أخفيك أن فيلم الأمانة كان مُقررا تصويره في دمشق لكنني آثرت على تصويره بجوار شريط الأمم المتحدة، تيمناً بالعودة إلى الأرض المحتلة. ‏ مآرب شخصية ‏ ما هي فرص إعادة عرض الفيلم؟ ‏ الفيلم سيشارك في مهرجانات دولية وعربية ويترجم الآن لعدة لغات منها الإنكليزية والفرنسية والروسية والصينية، وتوزع نسخ منه للعرض في صالات المراكز الثقافية في سورية. ‏ لكن كيف تفسر هجوم الصحافة السورية على فيلم «الأمانة»؟ ‏ لا أستطيع القول إن كل النقاد هاجموا الفيلم، لكن هناك طائفة من النقاد يكتبون لتحقيق مآربهم الشخصية، وهم على علمي قلّة، أريد أن أقول يجب على الإنسان أن ينظر إلى العالم بمنظور الجمال لا أن ينظر ليقبِّح الأشياء، فمن شاهد فيلمي بهذا المنظار أحبَّه ومن لم يُحبَّه فهو بالأساس لا يملك سوى عين قبيحة.. ‏