2013/05/29

«سـاعات الجمـر».. يـأسٌ لا فكـاك منـه
«سـاعات الجمـر».. يـأسٌ لا فكـاك منـه


حسن نصّور – السفير

كلّ المسارات تودي إلى مآزقَ. بقعة الضوء تجفّ رويداَ رويداً، حتى لا يكاد يُرى من أمل إلّا الموت. هذا هو الانطباع الذي يخلّفه الجزء الثاني من مسلسل «الولادة من الخاصرة» في المشاهد، الذي يسأل عن مغزى تلك القسوة الهائلة. تصّر المخرجة رشا شربتجي في الجزء الثاني من العمل الذي كتبه سامر رضوان تحت عنوان «ساعات الجمر»، على عدم تعميم الشخصيات المقدَّمَة في هذا العمل، على المجتمع بأكمله. لكنّ المخرجة الشابة توغل في كسر الهوّة بين الواقع والشاشة، لتبلغ عنفية المشهد مداها.

وهذا ما يختزل الأدوار في دوامة من العناء الذي لا فكاك منه. وليس وجه الشاعرة (سلاف فواخرجي) المشوه بالأسيد في الجزء الأول جراء انتقام المقدّم (عابد فهد)، منها بعدما أجهضت جنينهما، إلا انعكاسا لانتفاء القدرة على الخروج من مسار مشوه في العلاقة بين سلطة رجل الأمن بما تمثل (على اهميتها) بكلّ عقدها النفسيّة، وبين براءة شاعرة تمثل طهرانية مثالية مفترضة في المجتمع. من جهة أخرى، لا تفلت المخرجة الدمشقية (الديكتاتورة في عملها كما يحلو للبعض وصفها) أنفاس المشاهد في كل حلقة إلا على مشاعر يتيمة: اليأس، القرف، الإحباط. لا يفصح سيناريو الكاتب سامر رضوان عن حلول ومنافذ بشكل صريح، بقدر ما يومئ إلى انسداد كبير في أفق المرحلة.

اهتمام المخرجة في الجزء الأوّل بإظهار شخصيّة رجل الامن الحريص على الوطن والدولة والقادر على محاسبة المرتكبين، في مقابل الآخر الفاسد (رؤوف)، ينتفي في هذا الجزء الثاني. يضرب العمل صورة المنظومة الأمنية من الداخل، في إشارة إلى عجز هيكلي في قدرة تلك المؤسسة على صون حقوق الأفراد. وهذا ما يطرح سؤالاً منطقيّاً، حول ما إذا كان سيناريو الجزء الثاني قد تطور دراماتيكياً على وقع تطور الأزمة السورية.يبلغ الوجع ذروته في هذا الجزء. تتفاقم الأزمات. يراد للوجع هنا التأسيس لمشهدية أخرى في التعاطي مع المشاهد المتسمّر أمام الشاشة.

نزف الاجساد الحية جزء من نزف المحيط الاجتماعي للشخوص. نزف في القيم والأخلاق. تآكلٌ من الداخل. كل الأدوار تترابط وتنعقد على صليب الآلام. وهنا أيضاً لا خلاص لنا من التفكير بعمق في جدوىً كلّ شيء. جدوى الخير والشر. بيع جابر (قصي خولي) لقطعة من جسده، لن يساعده على الانعتاق.

تريد المخرجة للعين أن تلتصق بالصورة. تريد لها الانغماس بالأصوات والصرخات والعذابات. يخرج مشهد قص الـــساق بالمنشار عقاباً، المشاهد من حد التعاطف والشفقة والــهلع إلى حد البكاء. بكاء حتى على الشـرّ نفسه.في الخلاصة، يتضح أنّ الأزمة الاجتماعيّة المتفاقمة، في ظل انعدام الشرط الاقتصادي والمعيشي لدى شريحة من شرائح المجتمع المستهدفة في المسلسل، يتحكم بشكل بنيـــويّ في مسار الشخصيات في «ساعـــات الجمر». كما يؤشر بشــكل فاضح إلى واقع يصعب على المتــلقي ـ المشاهد العربي ـ أن يتخلّص من تردداته. إذ تعاني أغلب المجتعات العربية المآزق ذاتها، مع فوارق في المسبباب والدرجات والمؤثرات الخارجية.

«الولادة من الخاصرة 2 ــ ساعات الجمر» ؛ تأليف سامر رضوان، إخراج رشا شربتجي، بطولة عابد فهد، قصي خولي، باسم ياخور، منى واصف، كنده علوش20:30 على شاشة «الجديد»