2012/07/04

"سامر رضوان" في مقابلةٍ حصرية مع «بوسطة»: أريد عالماً بلا سقوف.
"سامر رضوان" في مقابلةٍ حصرية مع «بوسطة»: أريد عالماً بلا سقوف.


خاص بوسطة – محمد الأزن


قال الكاتب "سامر رضوان" في مقابلةٍ خاصّة مع موقع «بوسطة» إن مسلسل "الولادة من الخاصرة" ما هو إلا قرآءة موضوعية لثقافة السراديب التي تنمو في مجتمعاتنا، موضحاً أنه خلال تصوير الجزء الأولّ من العمل: "برز أمامنا تحدٍ كبير في صناعة مشهدٍ حقيقي  يواكب صور المظاهرات والصراخ بالمطالب التي اجتاحت بلداناً عديدة من العالم العربي"، وأعرب عن أمله بأن لايسبقه الشارع في القضايا التي يطرحها في الجزء الثاني من المسلسل.


"سامر رضوان" أكد مجدداً في حواره مع «بوسطة» أن عقليته من الناحية الرقابية لا تنسجم مع "حالة السقف" قائلاً: "أريد عالماً بلا سقوف، ولكن للأسف حتى في التعاطي مع ما يجري في سورية مؤخراً يتحدثون عن سقوف".

وإليكم نص الجزء الأول من المقابلة التي ينشرها موقع«بوسطة» على جزأين خلال هذا الأسبوع من 14 إلى 20 نيسان /إبريل 2012:


مع تصوير المشاهد الأولى من الجزء الثاني من مسلسل الولادة من الخاصرة؟ نريد العودة إلى البدايات ... كيف بدأت فكرة المسلسل؟



"بقراءة موضوعية لمرتسمات الفقر والقهر في  الوطن العربي نكتشف ببساطة أن هناك انفجاراً في القادم سوف يحدث،  ومع اشتداد حالة البطالة وانتشار الظروف القمعية التي تمارسهما المؤسسات الأمنية وغير الأمنية على المواطن العربي بشكلٍ عام؛ خطر ببالي أن أؤسس لحالة مجتمعية تحاول أن تقول بأن هذا الوضع هو بركان خامد... لكن خموده لن يطول كثيراً، فبدأت بتناول العشوائيات من وجهة نظري الخاصة -التي قد تتقاطع بطبيعة الحال مع وجهات نظر أخرى للكتّاب الذين تعاطوا مع هذا المفهوم قبلي- إلا أنني كنت أقول بأن الفقر هو العامل الأول الذي يقود إلى حراك مجتمعي، وهذا ما تحقق عربياً وليس محلياً فقط، بالإضافة إلى رصد بعض ممارسات المؤسسة الأمنية التي تتجاوز مفهوم القانون، وهذا امتداد بشكل أو بآخر إلى عملي الأول (لعنة الطين) الذي أسست فيه لتأريخ مرحلة  ثمانينيات القرن الماضي في سورية، وكان  لابد من إكمال هذا المشروع بعمل درامي يبحث فيما بعد تلك المرحلة، ويحاول الإجابة عن سؤال مفاده: ماهي حال المؤسسسات في الوطن العربي؟، فكان (الولادة من الخاصرة).. "



ولكن هل خطر ببالك أن يتزامن عرض المسلسل مع مرحلةٍ ربما تكون الأكثر سخونة في تاريخ سورية المعاصر؟


"في الحقيقة... لا.. لكنني كنت مؤمناً بأن هذا الانفجار سوف يحدث، ربما تتضارب وجهة نظري مع وجهات نظر البعض في أن القضية ليست قضية مطلبية فهناك من تآمر... ربما يكون ذلك قد حدث بالفعل، ولكن في مراحل متأخرة على ما اعتقد، فلاشك بأن بداية هذا الحراك كانت مطلبية بحتة، وهذا ما أقر به الجميع دون استثناء، وبعد تصوير المشاهد الأولى للـمسلسل فوجئنا جميعاً بأنها أصبحت حقيقة، وشعرنا بإرباك حقيقي حينما وجدنا أن ما يجري على الأرض بدا أصدق من الصورة التي قدمناها في مسلسل (الولادة من الخاصرة)، وبرز أمامنا تحدٍ كبير في صناعة مشهدٍ حقيقي  يواكب صور المظاهرات والصراخ بالمطالب التي اجتاحت بلداناً عديدة من العالم العربي، وحاولنا بذلَ جهود مضاعفة في الجزء الأول لأننا شعرنا ببساطة أن الأحداث تسبقنا، وكنّا متأخرين فعلياً عن ركب ما يحدث في الوطن العربي ككل، وليس في سورية فقط، وأتمنى ألا يسبقني الشارع في بعض القضايا التي طرحتها في الجزء الثاني، لكنني على الأقل حرصت على اعتماد نفس النهج في بناء الأحداث."


خلال متابعتنا لأحداث الجزء الأول لمسلسل "الولادة من الخاصرة"   كان السؤال الأكثر إلحاحاً بالنسبة لنا من أين تستوحي أفكارك ككاتب؟ هناك من يقول أن الحجاب قد يكون  مكشوفاً عن "سامر رضوان"؟

"أتمنى لو كنت كذلك، ولكن لا أظن أن قراءة موضوعية لمجموعة عوامل مجتمعية  لاتحتاج لأن يكون مكشوفاً عنك الحجاب، الأمر ببساطة أنني أتعامل مع الدراما بوصفها استحقاق ليس في متناول الجميع، ومن يستحقها تصله، وذلك بدءاً من عناوين أعمالي، والتي يتوقع البعض للوهلة الأولى أنها قد لا تبدو جماهيرية بالمنطق السائد، ومن هنا كان عنوان (لعنة الطين) والأسئلة التي أثيرت حول دلالاته، ثم عادت هذه التساؤلات مجدداً عند طرح اسم (الولادة من الخاصرة) فهناك أفرقاء كثر لم يقبلوا بهذا العنوان واعتبروه صعباً على المتلقي، وهنا أؤكد أنني أتعاطى مع التلفزيون باعتباره يقدم حالة استهلاكية، لكن يتخلل هذا الاستهلاك بعض المواد التي تخاطب العقل والقلب في آنٍ معاً، وإذا كان لي أرضي ورؤيتي الخاصة فهذا رأي نقدي اعتز به، وأتمنى أن يتعزز."



ولكن من أين أتى "سامر رضوان" بهذه الملامح القاسية في رسم الشخصيات؟



"أنا أعتمد على علم النفس التحليلي لـ"سيغموند فرويد"... "فرويد" وتلامذته لا يغادرونني على الإطلاق، ومواصفات المرض النفسي هي التي تشكل بالنسبة لي ملامح الشخصية، إلى جانب أنني ابن بيئتي في النهاية، فأنا متعدد البيئات، ولدت في مكان وعشت في عدد هائل من الأمكنة، وارتبط بشبكة كبيرة من العلاقات والحكايات والإرث، هذا إضافةً إلى القراءات، وكل ذلك يشكل مخيّلة أتمنى أن تكون قادرة في كل مرّة على أن تقدم شيئاً معقولاً، ومحترماً."



ثمّة سؤال خطر ببال الكثيرين: لماذا  قدّم شخصيات مسلسل "الولادة من الخاصرة"  من زاوية واحدة عموماً ؟   بحيث بدت إما متطرفة للخير أو للشر..


"هذه القراءة ليست منصفة، وليس هناك من شخصية أحادية الجانب في مسلسل (الولادة من الخاصرة) على الإطلاق، فـ(رؤوف) النموذج (السادي) إلى الأقصى تعاطف معه الشارع لأنني وضعت بعض المفاصل والمشاهد التي كشفت عن العوالم الداخلية لهذا الإنسان، (رؤوف) يبكي.. يذهب إلى الكنيسة كي يعترف.. يضم ابنته في النهاية بطريقة مذهلة، ونكتشف أنه منذ الصغر قد رسم شجرة العائلة وتمنى أن تُفرع هذه الشجرة وأن تثمر، ولحظات الضعف التي مرّت بها هذه الشخصية في العمل كانت كثيرة، وحتى شخصية واصل التي لعبها باقتدار الاستاذ (سلوم حدّاد).. (مازوخي) إلى درجة مخيفة، يعذب نفسه لكنّه يحب، وهناك قصة حب شفيفة جمعته بـ(أم حازم) التي كانت مديرة المعمل... لا أدري بالضبط أين وجد الناقد أو المتلقي شخصيات المسلسل أحادية؟!."


ولكن  إلى أي حد يمكن أن يتحقق ذلك على أرض الواقع، سواءً في إيذاء (واصل)  الجسدي لنفسه ، أو في عنف (رؤوف) غير المبرر أحياناً؟



"(رؤوف) نموذج محسن عن شخصيات مماثلة موجودة في الواقع، أما بالنسبة لمشهد قطع (واصل) للسانه على سبيل المثال، فأنا ذهبت قبل كتابة العمل إلى مشفى (المجتهد) بدمشق، لأنه خطر في بالي أن يكون هناك شخصية في الدراما العربية يمكن أن تستمر لأكثر من سبعة عشر حلقة دون أن تنطق على الإطلاق وتبقى فاعلة، هذا تحدٍ كبير بالنسبة لي وأردت أن أحققه، وكان لا بد من الاستعانة بوثائق حياتية، ففوجئت عند بحثي في أرشيف المشفى بأنه بين عامي 1994 وحتى 1998 مرت بعدد مُلفت من الحالات لأناس قطعوا ألسنتهم، أضف إلى ذلك أنّ لدينا نماذج تاريخية عن حالات مشابهه كـ(أوديب) الذي فقأ عينيه، وممثل سوري معروف في الثمانينيات قطع عضوه التناسلي يوماً ما وانتحر، إذاً.. الإيذاء الجسدي للنفس، موجود ولكن لم تتعود الذهنية السورية على هذه المشاهد في الدراما المحليّة، مع أننا فوجئنا مؤخراً بوجود أشخاص تقطع بعضها،  وبهذا المعنى يبدو ما قدمناه في (الولادة من الخاصرة): قراءة موضوعية للثقافة التي تنمو في السراديب، حيث تنمو خلايا أًولية، وسرطانية، وحادة في مزاجها، لنكتشف أننا أمام خراب اجتماعي  حقيقي يجب على أي دارس للدراما وللتاريخ أن يتعامل مع هذه الظاهرة بأمانة وموضوعية كي نتجنب ما يحدث."


لكنكم كنتم مصرّون على عبارة "حالات فردية" للترويج لمسلسل "الولادة من الخاصرة"، هذه العبارة التي استخدمتموها في كل المقابلات الصحفية التي أجريتموها عن المسلسل خلال الموسم الماضي 2011، هل كان ذلك فقط لتمرير العمل أمام الرقابة؟



"كان لابد أن نقول ذلك لكي نهرب من الرقابة، هذا الفعل المضاد تماماً للعمل الفني، فإذا أردت أن تقول شيئاً فأنت تقوله على شطوطه، قد ترغب بالدخول إلى  العمق لكنه ممنوع على المشتغلين في الحقل الفني، فعليهم أن يقولوا ما يشاؤون ضمن مايشاء الرقيب، وعندما تقامر – حقيقةً- وتدخل في المسكوت عنه يُصفّق للرقيب ويشار إلى جرأة العمل، ويقال أن السقف الرقابي ارتفع هذا العام، وذلك دون أن يتم الاعتراف بأن الورق هو من صنع العمل، وأن الكاتب هو من رفع السقف... وخلاصة القول أنني على عداء مع الرقابة دائماً، منذ مجموعتي الشعرية الأولى التي حذف منها بما يعادل قصيدتين، مروراً بدخولي إلى ميدان العمل البرامجي في التلفزيون حيث تعرضّت برامجي لحذوفات هائلة، عقليتي على ما يبدو  لا تنسجم مع حالة السقف... أريد عالماً بلا سقوف، ولكن للأسف حتى في التعاطي مع ما يجري في سورية مؤخراً يتحدثون عن سقوف".



بهذا المقياس واستناداً إلى كلامكم يمكن القول أن شخصية "روؤف" في مسلسل "الولادة من الخاصرة" ليست !!!حالة فردية ؟

"لايمكن أن تكون حالة فردية... لكن لايمكن بالمقابل تعميمها بمعنى ليس كل ضابط مخابرات (رؤوف)، لكن هناك عدد من (الرؤوفات) تحدثنا في العمل عن واحد منها، ورصدنا حياة هذا الشخص مع مسحة من الأنسنة، وقد نفاجئ أن هناك نموذجاً لهذه الشخصية في الحياة الواقعية مضاعفاً عشر مرّات عمّا قدمناه في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، وقد تكون هذه الفرضية مبالغ فيها... اترك المسألة للحياة".


وبالرغم من كل ماقُلته:  يرى بعض النقاد أن مسلسل "لعنة الطين" تجربتكم الأولى في الكتابة الدرامية، كانت أكثر جرأة من تجربتكم الثانية في مسلسل "الولادة من الخاصرة"؟


"ربما (لعنة الطين) ينطوي على حالةٍ سحريةٍ ما، لاسيما فيما يتعلق بالتعاطي مع القرية بما تفرزه من مجموعة شروط عليك أن تتعاطى معها، كالطيبة، والبساطة، والحب الأول، وكل شيء بكر، لكن في (الولادة من الخاصرة) ندخل إلى معمل المدينة التي يتغير فيها حتى الهواء، وهذا الكلام يفرض شروطه على ورقك ككاتب، وأنا لست ميالاً في أن ألوي أعناق الشخصيات أو الأحداث، وبالتالي أترك للبيئة أن تقول لي اصنع كذا أو كذا..."



طالما أن الجزء الأول لمسلسل "الولادة من الخاصرة" مرّ بسلام، وحقق نجاحاً جماهيرياً بشهادة العديد من النقّاد واستطلاعات الرأي، ألم يكن بالإمكان الاكتفاء بهذا النجاح وإحالة الأفكار إلى نصوص أخرى، خاصةً أننا علمنا !بوجود نص آخر لمسلسل انتهيت منه وهو "وصايا كانون"..؟



"(وصايا كانون) هو مشروع قيد الكتابة ولمّا ينته بعد... هذا للتوضيح، ومن ناحيةٍ أخرى : تم التعاطي في (الولادة من الخاصرة) مع مؤسسات مغلقة وتحديداً المؤسسة الأمنية التي لم يتم التطرق لها إلا من باب أنها أرسلت جاسوساً إلى إسرائيل وحققت نصراً هائلاً،  ولكن هذه المؤسسة لها علاقة بالداخل، وهذا مالم يتم التطرق له مسبقاً، وحينما دخلنا إلى كواليسها، وبدأ الحراك في الوطن العربي، وجدت من غير المنطقي إغلاق هذا الملف والمؤسسة الأمنية هي الأكثر ارتطاماً بما يجري،  لذلك كان علينا الاستمرار، وإلا فإن هناك من سيقول بأنني بدأت بتكرار فضاءاتي ككاتب حينما أعود للحديث في ذات الموضوع بعد سنوات، مع ملاحظة أن نص مسلسل (الولادة من الخاصرة) أبقي مفتوحاً، رغم إقفاله مبدئياً في الجزء الأول وعدم وجود أي نيّة لصناعة جزء ثاني، لكن الأحداث فرضت ذلك، فعندما بدأ الحراك العربي في تونس، وتلته مصر، البحرين، اليمن، ليبيا، وسورية، مع وجود بوادر للحراك في أقطار عربية أخرى، بات من الصعب إغلاق هذا الملف لأنّه أصبح مليئاً بالدراما، وإذا صدق بأننا العين الراصدة لما يحدث.. فعليك أن تكتب".



ذلك كان نص الجزء الأول من المقابلة  الحصرية التي أجراها موقع «بوسطة» مع الكاتب "سامر رضوان" وفي الجزء الثاني الذي ينشر بتاريخ 17 نيسان /إبريل 2012 سنحاول مع الكاتب كشف بعض أسرار "ساعات الجمر" الذي بدأت المخرجة "رشا شربتجي" بتصويره مؤخراً ليكون على قائمة العروض الرمضانية للموسم 2012.