2012/07/04

سوري يبتكر عدسة سكوب
سوري يبتكر عدسة سكوب

سوري يبتكر عدسة سكوب


قبل أن يفكر عبد الحليم حافظ في (دليلة) - فيلمه السينما سكوب بالألوان.

وقبل أن تفكر مديحة يسري في الدخول إلى الحقل (البانورامي) في أفلامها..

قبل هؤلاء كلهم..


كان هناك شاب صغير الحجم، يعمل بهدوء ما بين العاصمة السورية والعاصمة اللبنانية وينتج أكثر من فيلم –سينما سكوب ملون.. وإن لم يعرف عنه أحد.

وتحدثه..


فيغمض عينيه.. ويسرع قليلاً بذكرياته إلى الوراء..

أيام كان يسكن مع أهله في اللاذقية.. في بيت كبير قديم فيه غرفة كبيرة تصلح لمسرح.. وكان في الخامسة عشرة من عمره.. يخرج التمثيليات مع أولاد (الحارة)، ويأخذ الدخول (ملبس- بيض- زيتون- شوكولاته) أو أي شيء، ما عدا النقود، لأن النقود كانت نادرة في اللاذقية تلك الأيام خصوصاً مع الأولاد الصغار.


وفي يوم من الأيام وقعت يده على مجلة فرنسية اسمها (كور فايان) تنشر قصة متسلسلة في صفحتها الأخيرة.

فأصبح يأخذ هذه المجلة كل أسبوع ثم يترجم القصة إلى العربية ويخرجها حسب الصور المتسلسلة.


وانتقل إلى الشام فاتسع أفقه الفني.. وقام ببعض محاولات فنية لم تنته إلى شيء لأنها لم تكن مبنية على دراسة..

وأغلق (يوسف فهدي) على نفسه الباب مدة أربع سنوات متواصلة درس خلالها الإخراج السينمائي بالمراسلة مع أميركا وإنجلترا..


وخرج بعدها إلى السوق. خرج ليخرج أكثر من عشرة أفلام قصيرة..

وبعدها اتجه إلى السينما سكوب.. فابتدأ بدراسة العدسة المصورة.. وبعد أشهر طويلة قرر أن لا يشتري العدسة من أميركا بل يركبها على يديه. وفعلاً أرسل في طلب الأجزاء الناقصة.

وركب العدسة...


وصور أول فيلم عن دمشق، ثم أرسله إلى فرنسا للتحميض..


وانتظر الأيام الطوال.. وهو ينتظر نتيجة محاولته.. ففيها يقرر مستقبله وعمره الذي ضيعه في سبيل هذه اللحظة..


وأتت النتيجة.. فإذا بها ممتازة..وأقول ممتازة بعد أن رأيتها بنفسي تعرض على شاشة سينما أمبير في بيروت.. وشاشة سينما أمبير تكشف أي عيب في التصوير مهما كان خفيفاً لأنها (بانورامية).


وحمل عدسته بعد ذلك ومضى إلى بيروت..


وفي أول ليلة من وصوله كان يجلس في فرن الشباك إلى النجمة المطربة نور الهدى يقول لها:


- هل تشتركين معي في إنتاج أول فيلم لبناني ملون بالسينما سكوب..


وضحكت نور.. ضحكت من هذا الشاب الصغير (الحجم) الذي لم تكن تعرفه قبل دقائق قليلة، والذي يعرض عليها وبكل بساطة مشروع فيلم من إخراجه وتصويره.. وكيف؟!!! بالألوان والسينما سكوب!


ورجاها أن تأتي في اليوم التالي إلى سينما أمبير لمشاهدة العرض الخاص الذي سيقوم به لفيلمه عن دمشق..

وحضرت نور.. وهي واثقة من فشله.. وعرض هو الفيلم ومدته عشر دقائق..


وفي اليوم التالي كانت تقف أمام الكاميرا.. وأخرج الفيلم..

وروى قصة حياته..


ثم سألناه:

ولماذا أخرجت هذا الفيلم القصير..


كي أثبت لكل من له رصيد في البنوك أن باستطاعة لبنان من الناحية الفنية إخراج فيلم (نظيف).

وهل تطمع في إخراج فيلم كبير؟.


طبعاً فهذه هي أمنيتي.. طوال حياتي.. وستبقى أمنيتي..

وهل ستنجح الصناعة السينمائية في لبنان.؟


بكل تأكيد.. فالجو ممتاز والمناظر الطبيعية رائعة خصوصاً للسينما سكوب..فإن الوجوه –وجوه اللبنانيين–  فيها جمال يصلح للشاشة، والناحية الفنية في تقدم مستمر طوال الوقت.


هذا الشاب: قد يفشل وقد ينجح.. قد يصبح مخرجاً ومنتجاً سينمائياً كبيراً وقد يصبح بقالاً!..


قد يجد الممول الذي هو على استعداد ليطلق السينما اللبنانية.. وقد يضحك منه الممول ويفضل عليه محل (سمانة).

ولكنه..


اليوم.. بعد عام.. عشرة أعوام.. عندما يصبح في لبنان سينما وصناعة أفلام..


سيذكرونه ولو للحظات ويقولون: لقد حاول.


مجلة الشبكة / تشرين أول 1956