2012/07/04

سينما الواقع أقسى من الواقع بكثير..نادي الملاكمة الأمريكي و«كاتكا» التشيكي فاتحة المشاركة العالمية في الـ Dox Box
سينما الواقع أقسى من الواقع بكثير..نادي الملاكمة الأمريكي و«كاتكا» التشيكي فاتحة المشاركة العالمية في الـ Dox Box

زيد قطريب - تشرين

رغم أن تسمية «سينما الواقع» تبدو منطقية جداً لهذا النوع من الفن البصري الحاد والصادم إذا صح التعبير، إلا أن المواجهة المباشرة مع تفاصيل

وقصص قد لا ينتبه إليها المشاهد العادي تشكل نوعاً من الصدمة بقدر ما تعنيه من متعة واكتشاف

فهي أكثر من فرصة للاطلاع على تجارب سينمائية عالمية وعربية ومحلية لم تدخّر جهداً في إجراء مكاشفات لمشهد ظل مستتراً أو غامضاً لا

يعرف عنه الكثيرون ما يكفي، فيما يعرضه هذه الأيام مهرجان الـ

Dox Box

يستحق أكثر من المشاهد والاستسلام للصدمة كما أسلفنا، ذلك أن المشهد ينفتح ويتضح أكثر بحيث نعثر على العين في حالاتها المختلفة

سواء كانت حزينة أم فرحة أم مشدوهة أيضاً.. هما فيلمان عالميان اختلفا في سوية إحداث الصدمة تبعاً للبراعة والجهد المضني في إنجازهما،

أولهما الفيلم التشيكي «كاتكا» للمخرجة هيلينا تريشتيكوفا، الذي استغرق أربعة أعوام من العمل المضني والصعب لأنه يتناول حياة مدمنة

مخدرات بجميع تقلباتها وتفاصيلها الجسدية والنفسية والعائلية بدءا من سن السادسة عشرة حيث كانت طفلة مدمنة ومطرودة من المنزل، إلى

حياة التشرد والبحث عن مأوى وحبيب والحلم بأسرة أسوة بالبشر الآخرين الذين يبدون وهم يتجولون أمامها كأنهم كائنات قادمة من كوكب آخر،

إلى مصارعة مشكلة الإدمان والفشل في الانتصار عليها رغم الإصرار في كل مرة على اتخاذ القرار الحاسم الذي ظل صعباً ومستعصياً على

التطبيق حتى آخر الفيلم الذي يختتم بعبارة الندم التي توجهها كرسالة إلى ابنتها التي اضطرت إلى تركها في مركز الرعاية لأن حقوق الأمومة قد

سقطت بفعل الإدمان

رفقة سينمائية مرهقة ‏

يسجل للمخرجة هيلينا هذا الصبر الطويل والتعب الصادق في إنجاز عمل تطلب دون شك رفقة دائمة طيلة هذه السنوات مع مدمني المخدرات

واحتمال تقلباتهم النفسية والعصبية وربما أيضاً تحمل مزاجيتهم وعصبيتهم، فما صنعته في هذا العمل تعدى مرارة الواقع المتخيلة لدرجة أن

المشاهد شعر وكأنه يقف أمام الهول وجهاً لوجه، فهو بقدر قساوته وحدته وربما وحشيته أيضاً، أعتقد كان أقسى من الواقع بكثير، ذلك أن

المتابع عليه أن يتجرع في هذا الفيلم جميع تفاصيل حياة المدمنة «كاتكا» دفعة واحدة وخلال تسعين دقيقة كامل من الزخم وتلاحق الأحداث

التي تختزل حياتها بين فترتي السادسة عشرة حتى الاثنتين والثلاثين سنة، حيث كان باستطاعة الكاميرا أن تكبر مع «كاتكا» في العمر كأنهما

رفيقتان تماماً طيلة أربعة أعوام قضتها المخرجة بين المناطق الموحشة وأحياء البؤس، التي استخرجت منها هيلينا جميع اللحظات الإنسانية بقدر

ما جمّعت من لحظات للأسى والشقاء والانهيار الطوعي أمام إبر الهيرويين!. وربما يكون هذا من أهم وسائل الدعاية والإعلام التي صنعت في

مقاومة موضوع الإدمان، ذلك أنه يكتفي بسرد الحقائق كما هي تماماً ودون حاجة لأي تعليق أو نصح وإرشاد.. ففي الفيلم ذائقة بصرية صادمة

بدءا من المنازل التي تنقلت فيها «كاتكا» مع أحبتها الذين لا يلبثون أن يتركوها رغم أنهم مدمنون مثلها، إلى فترات الحلم بإنجاب طفل وهو الذي

ظل يرافقها دائماً إلى أن تمكنت من تحقيقه لكنه تلاشى بكل بساطة لأن موضوع الإدمان كان أقوى!. هكذا تخسر (كاتكا) ابنتها الوحيدة في

أماكن الرعاية وتعود إلى التشرد والبحث عن الحقن غالية الثمن بكافة السبل لتنهي الفيلم وعمرها اثنان وثلاثون عاماً بعبارة: إنني نادمة!. ‏

الملاكمة الأمريكية سينمائياً

على ضفة المشاركة العالمية أيضاً، أتى الفيلم الأميركي «نادي الملاكمة» أكثر بساطة وهدوءاً من الفيلم التشيكي، فقد شاء المخرج فريديرك

وايزمان تفكيك «نادي اللورد» للملاكمة في مدينة أوستن بولاية تكساس، حيث جميع الفئات من الناس مسجلين في نادي الملاكمة على

اختلاف شرائحهم وسوياتهم العمرية وطبيعة نظرتهم إلى هذه الرياضة!. هكذا تنشأ فيما بين المتدربين أحاديث تسجلها الكاميرا وهي تكشف عن

تلك المسافة الهامشية الموجودة بشكل مستتر على الحلبة، حتى وجود أشخاص بعمر الشيخوخة يبدو مبرراً في هذا المكان، فلكل منهم دافعه

الذي أتى به إلى هذا المكان، لدرجة أن المتابع يتفاجأ بالتفاصيل الإنسانية المختبئة خلف هذه الرياضة القاسية، هل هي نوع من التدرب على

المواجهة مع المجتمع الأميركي القاسي، أم أنها مجرد ثقة بالنفس والبحث عن تدعيمات للشخصية التي تلاقي الكثير من الظروف القاسية في

احتكاكها مع هذا المجمع الغريب والمتنافر من البشر في تكساس؟. حتى النساء المتدربات يأتين بصغارهن إلى مكان الحلبة كي يقمن بالتدريب

في مفارقة تطل بشكل مختلف على المجتمع الأميركي وطبيعة حياته أو تعامله مع اليوميات!. ‏

فاتحة السينما العالمية في مهرجان السينما الواقعية شكلت نافذة رحبة ومختلفة عن المألوف في الدخول إلى الآخر واكتشافه أو تفهمه أيضاً

دون حواجز أو قيود!. ‏