2012/07/04

شخصية البطل الخارق.. وعقليّة الشارع العربي
شخصية البطل الخارق.. وعقليّة الشارع العربي

عـهد صـبيحة


تستوقفني دائماً، وأنا أتابع مسلسلاتنا، تلك الصورة الدرامية النمطية العجيبة لشخصية البطل (السوبر)؛ الخارق، الذكي والجميل والوسيم.. والقوي! وفي النهاية البطل الخارق الذي تدور حوله الأحداث (حتى من دون مبرر درامي، أو مقدمات منطقية في تاريخ الشخصية تسمح له بمثل هذه القدرات)، ويمتلك لوحده وبيديه القدرة الخارقة لتغيير ورفع  وإنزال الحدث الدرامي للمسلسل متى يشاء وبقدرات ومصادفات عجائبية.

هذه الشخصية ظـَهرَت، برأيي، مذ تشدّق الكثير من منظّري الدراما السورية، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، باعتبار "نهاية رجل شجاع" مفصلاً أو نقطة تحول في تاريخ الدراما السورية! ومنذ ذلك الوقت تذخُر درامانا بشخصيات البطل العجيبة؛ مفيد الوحش في "نهاية رجل شجاع"، وأسامة في "الجوارح"، وشقيف في "الكواسر"، والزير في "الزير سالم"، وعنترة في "عنترة بن شداد"، وعبود في "الانتظار"، والعكيد ومعتز في "باب الحارة"، وأمثلة كثيرة يعرفها الجميع بالتأكيد.

تلامس شخصية البطل العجائبية هذه عقليةَ المواطن العربي وذهنيةَ تفكيره الميالة بطبيعتها إلى العنفِ كأسلوب حياة، والقوةِ بأشكالها كإستراتيجية للوصول إلى الأهداف المبتغاة، بل يتضح أن هذه الشخصية هي الأنموذج المثالي لمعظم جمهورنا (المراهق دائماً) والخارج من مرحلة طفولة يملؤها (عنف في مسلسلات الأطفال وعنف تربوي ذكوري)، ليتقمص التلفزيون شخصيةَ الحكواتي لكن بهيئة جديدة فقط في الظاهر، فحكواتي هذا الزمن يلبس بزّة وربطة عنق، لكنه في داخله يلبس شروالاً ويحمل سيفاً ويمتطي حصاناً وينتصر دائماً.. بذراعه!

في هذا السياق يبرز مسلسل "باب الحارة" كأنموذج مثالي لعقلية تفكير الشارع العربي، وربما كان هذا الأمر أهم أسباب انتشار المسلسل بشكل غريب. انتشارٌ لم يسبقه إليه مسلسل عربي آخر (مقابل ضعف انتشار المسلسلات الاجتماعية الواقعية التي تركز على شخصيات واقعية ضعيفة أمام ضغوط الحياة والحاجة والرقيب الاجتماعي والديني وغيرها من إشكاليات الوقت الحالي)، لكن هذا المسلسل كشفَ أيضاً عن عمق الازدواجية في الشخصية العربية بين شخصيتي "العكيد" و"معتز" من جهة كانعكاس لهذه الشخصية العربية المتعطشة لتحقيق نصر عن طريق الذراع وليس العقل، وبين شخصية "النمس" المحتفى بها في كل الأوساط (الشعبية والرسمية!) كأنموذج سلبي للعميل النذل من جهة أخرى.

في المقابل، يساهم إعلامنا العربي دائماً في تكريس هذه الشخصية الوهمية في عقول المتلقي العربي.. وأقول "العربي فقط" لأنه لم يستطع الخروج بها من دائرة التلقي العربي، وربما لنفس الأسباب التي ذكرتها. ناسَبت هذه الشخصيةُ رأسَ المال العربي المنتج والتوّاق دائماً للربح فقط قبل أية معايير اجتماعية أو ثقافية أو تربوية أو حتى إستراتيجية تسمح له يوماً بالخروج من القمقم العربي إلى الفضاء العالمي، وحتى عندما جَلَب لنا مسلسلات مدبلجة قدم لنا أنموذجاً متطابقاً مع ذهنية التفكير العربي: مسلسلات تفيض بالعنف والقتل والعصابات!

دغدغت هذه المسلسلات بشخصياتها العجيبة أحلامنا (المراهِقة) في السيطرة والقوة، في الوقت الذي يفيض واقعنا بأزمات تستدعي الوقوف عندها وتكريس شخصياتها من أجل تفعيل حقيقي للدراما.


[email protected]