2012/07/04

صح النوم.. قراءة قديمة في عمل متجدد..
صح النوم.. قراءة قديمة في عمل متجدد..

شكري الريان

إ "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل...". الجملة التي لم يتمها حسني البورظان قط، ولكنها مع ذلك أدت دورها بشكل كامل حيث باتت المقدمة التي تشير إلى اقتراب وقوع "كارثة" ما، سيكون غوار خلفها حتما مما يستدعي توقف البورظان عن إتمام الجملة والالتفات إلى المقلب الغواري الجديد وتداعياته على مقالته التي لم تكتمل، وعلى قصة حبه مع "فطوم"، التي لم تتم، وعلى حارة بأكملها ما اتفقت على شيء إلا على محاربة غوار والخوف منه في آن معا.. اجتمع الجميع ضده، كل ما يمكن أن يطلق عليهم اسم "العضوات" بكامل التفخيم والاحترام حتى المبالغ بهما. ولكنهم في عالم "دريد ونهاد" اكتسبوا الحجم اللذي يليق بهم في مواجهة هذا "الهامشي" في كل شيء حتى في شكله. مجرد طربوش مضحك على قبقاب أكثر إضحاكا، وما بينهما لا يتعدى بضعة خرق من محل بالة لا يرتاده إلا المعدمين. ومع ذلك امتلك شيئا جعله يتفوق عليهم جميعا، ذكاءً حادا وقدرة استثنائية على قراءة الآخرين ونقاط ضعفهم بالذات. سلاح خارق وجذاب وله قيمته حتى ولو استخدم في الأذية التي كانت موجهة دائما لمن يفترض أنهم أقوى منه، ومع ذلك تسامح الجمهور وعشق ومازال يعشق "غوار" ومقالبه معا. ليس لأننا نعشق القوي بطبعنا، وغوار بمقياس القوة المعروف لا يزن شيئا، بل لأن "القيمة" عندما تكون حقيقية تجذب الآخرين إليها. والذكاء كان وما يزال قيمة تكتسب جاذبية أكبر عندما يمتلكها الهامشيون ويعرفون كيف يستخدمونها في مواجهة "العضوات".. وحتى لا تذهب الظنون بالبعض إلى أنني أقرأ عالم "دريد ونهاد" بصفته "ثورة" أقول بأن الكلمة كانت وماتزال بعيدة عن عالم هذين المبدعين الكبيرين. لأنهما ببساطة كانا "فنانين" وما امتلكاه لم يتعد حسا سليما وذوقا رفيعا فعلا، جعلهما يعرفان كيف يخاطبا عقول وقلوب الناس بدون تكلف. ولا أعتقد أنهما كانا في وارد ما يمكن أن يحدثه عالمهما من مفاعيل ستحوله لاحقا إلى واحد من أبرز "أيقونات" الدراما العربية عموما، فكل همهما في ذلك الوقت كان منصبا على تقديم عمل ممتع لأناس كان الجهاز السحري قد دخل بيوتهم على استحياء. وكان جميع من دخلوا إلى بيوت الناس من خلال هذا الجهاز قد اكتسبوا هذا "الاستحياء" لدرجة أنهم كانوا يقدمون أفضل ما يملكون كي لا ينفر الناس منهم. فبعد كل شيء إن أردت أن تلعب دور الضيف فمن المعيب أن تكون ضيفا ثقيل الظل. ليس لأن الرموت كونترول كان موجودا في أيدٍ لا ترحم، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك ريموت ولا كونترول ولا هم يحزنون. كانت محطة وحيدة تبث لبضعة ساعات لا تتجاوز في معظمها الأربع أو الخمس ساعات في أحسن الأحوال، وبالتالي كان الجميع "مجبرا" على المشاهدة. ولكن هذه الأفضلية لم تكن تعني شيئا لـ "ضيوف" ذاك الزمان اللذين بقوا "مذوقين".. و"الذوق" هنا يعني أن تعطي لكل ذي حق حقه من عناصر عملك، لا تزيد ولا تنقص. إنه المعيار الدقيق اللذي لا يمكن إدراكه إلا عبر حس مرهف ومتيقظ ويدرك تماما وبدون كلمات كبيرة ما يمتع الناس. نعم إنها المتعة ولكن تلك التي تمر محركة في داخلك أكثر من سؤال ودائما بدون كلمات كبيرة. تلك الأسئلة التي تعود للتدفق بنفس زخمها القديم وربما أكثر، مع كل إعادةٍ لعرض عملٍ من عالمِ دريد ونهاد الساحر. وزيادة الزخم تأتي دائما مع "المقارنة" بين الأمس واليوم حيث يصبح الأمس أكثر معاصرة ونجاحا من اليوم وبألف مرة. إنها حركة تراجعية لا شك، وهي في حقيقتها مرعبة ولا أبالغ إذ أستخدم هذه الكلمة. نعم الحنين له مفاعيله الجاذبة دائما وللجميع. ولكن ماذا عن الشباب اللذين لم يكن "صح النوم" واحدا من عناصر ذاكرتهم الأكثر حميمية وامتاعا، كيف استطاع عمل "قديم" كهذا أن يكسبهم في إعادة عرضه الأخيرة التي انتهت منذ بضعة أيام؟!!.. وإن لم تصدقوا اسألوا من شاهد إعادة عرض المسلسل المذكور، إن لم تكونوا من المشاهدين، ولا تبتعدوا كثيرا يكفي أن تسألوا أقرب الناس لكم لتعرفوا أن "دريد ونهاد" مازالا يملكان الساحة في أية إطلالة لهما في أي وقت. ولكن المقارنة تصبح خطيرة جدا إن كانت نتيجتها دائما لصالح الأمس، والمفروض أن يكون العكس. ولكن العكس في حالة درامانا غير صحيح للأسف، وهذه حقيقة نسأل القائمين على الإنتاج عندنا إن تنبهوا لها. وإن حصل هذا "التنبه" نسأل إن كانوا قد وجدوا حلا لدراما ينافسها أمسها كما ينافسها يوم "الجيران" وغيرهم من الوافدين إلى سوق الإعلام "الفسيح" عندنا. كيف يمكن أن تعالجوا أمرا كهذا؟!!. هل هناك خطط وعمل ودراسة و.. أ.. وقعنا في مطب الكلمات الكبيرة مرة أخرى.. علينا أن نتواضع قليلا في أسئلتنا ونبحث في أمر أهم.. هل تعلمنا من "صح النوم" وإخوانه شيئا ما؟!!. إنه السؤال البسيط اللذي ما يزال يطرح نفسه مع كل إعادة عرض لعمل من أعمال "الماضي المجيد"، ولا من مجيب!!.. وصدقوني عدى عن محاولة الإجابة على هذا السؤال وبصدق، نكون كمن يبحث عن العلاقة بين إيطاليا والبرازيل. تلك العلاقة التي لا وجود لها إلا في ملاعب كرة القدم وعلى أوراق حسني البورظان التي لم تكتمل أبدا.