2012/07/04

صناعة السينما السورية.. في أمل
صناعة السينما السورية.. في أمل


سونيا سفر – بلدنا


عندما يُسأل السوري عن أكثر الأفلام السينمائية التي يفضلها أو عن آخر فيلم شاهده، قد يتحدث عن فيلم أمريكي، مصري، فرنسي أو حتى هندي. أما آخر ما سيفكر فيه فهو الفيلم السينمائي السوري؛ بالتأكيد إن عدم ذكر فيلم سوري لا يرجع سببه إلى رداءة مانصنعه، بل لأن الفيلم السوري في الأساس مازال «صناعة غائبة» أو في أفضل الأحوال موجودة ولكنها في حال يرثى لها؛

فأن ننتج في كل عام فيلمين أو ثلاثة ونقوم بعرضها في مهرجان أو تظاهرة ما أو في صالة واحدة في سورية، هذا لا يعني أننا نقدم  صناعة سينمائية، بل إننا نقوم بـ «تسكيج حال» ليس إلا. المشكلة أننا كلما سألنا عن الأسباب كانت الإجابة عبارة عن جملة من المشكلات تطاول كل الجهات، حيث يلقي كل من نسأله باللوم على الآخر، فاللوم يقع على مخرجين وكتاب وفنيين، ويرجع سببه إلى غياب صالات العرض أو إلى غياب القطاع الخاص...إلخ كان من المفترض  أن نجد حلاً للمشكلات بعد أن قدم المرسوم التشريعي رقم 118 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد في الثالث والعشرين من شهر أيلول 2011  مجموعة من التسهيلات لصالات السينما تصب جميعها في دعم الإنتاج السينمائي من جهة وتحديث صالات العرض والإسهام في إنشاء صالات جديدة بأحدث التقنيات من جهة أخرى، حيث يقضي المرسوم بإعفاء صالات السينما القائمة والتي تعمل على تحديث خدماتها أو التي ستنشأ بعد صدور المرسوم من الرسوم الجمركية على التجهيزات المستوردة ومن ضريبة الدخل ورسوم الإدارة المحلية لمدة خمس سنوات. بهذا المعنى، يمكن القول إن عصا الدواليب التي كانت تضعها الدولة قد أزيلت، ولكن حتى الآن  مازلنا «مكانك راوح»  فماالذي يجعل السينما السورية غائبة؟


¶ أفلامنا أفلام مهرجانات

عندما تنتج المؤسسة العامة للسينما فيلماً سينمائياً يتم حصره في الغالب ضمن مهرجان أو تظاهرة ما؛ أي أنه ليس متاحاً لكل الناس، يمكن القول إن أفلامنا هي أفلام مهرجانات بلاشك، ومع هذا قد يمتلك المعنيون رأياً آخر حول الموضوع .

ويقول محمد الأحمد مدير المؤسسة العامة للسينما: « لا يوجد فيلم سوري لم يعرض عرضا جماهيرياً، نحن نقوم بعرض أفلامنا حتى القديمة منهافي صالات العرض».

في الوقت نفسه يعترف محمد الأحمد بأن هناك تقصيراً حدث في الفترة الماضية، كالتقصير في عرض أفلام أنتجت العام الماضي، مرجعاً الأسباب إلى الظروف الراهنة التي تعيشها البلد. ويضيف الأحمد :«جعلتنا الظروف نتأخر في استكمال تصوير الأفلام وليس في تنفيذها؛ الأمر برمته مرتبط بعملية معقدة كانخفاض الليرة وارتفاع الدولار وغيره، كما كان هناك تقصير في عرض الفيلم السوري قبل أن نقيم صالات الكندي الموجودة اليوم في عدد من المحافظات؛ فباقي دور العرض المؤهلة لعرض الأفلام السينمائية تفضل الأفلام التجارية، لكن الأفلام القادمة ستعرض تباعاً بمجرد أن انتهى العمل الفني فيها، وستكون متاحة لكل الناس، لأننا حريصون على أن ننتنج أفلاماً سورية تكون متاحة للجميع» .

من جهته  يدافع مراد شاهين مدير شؤون الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما عن كون عرض الفيلم السوري ليس عرضاً جماهيرياً بقوله:« أفلامنا ليست أفلام تظاهرات ومهرجانات فقط، ولكن ربما أفلامنا بحاجة إلى دعم إعلامي أكبر، هناك أفلام عرضت في دور العرض ونجحت، خاصة بعد إنشاء صالات سينما الكندي التي من خلالها عرضت أفلام وأتيحت للجمهور.»

وبالمثل يوافق المخرج السينمائي جود سعيد على كون أفلامنا ليست أفلام مهرجانات، فيقول :» عرضت السينما في الفترة الأخيرة بعض الأفلام بطريقة جماهيرية في فترات خارج المهرجانات، مثل فيلم «مرة أخرى» وفيلم «دمشق مع حبي»؛ فالسينما تحاول الخروج من كونها سينما مهرجانات «ويرى عماد الرفاعي رئيس لجنة صناعة السينما، أنه لتغيير هذا الوضع (كون الفيلم السوري فيلم مهرجانات)، فنحن نحتاج إلى الوقت لتغيير هذا الأمر، وليتغير هو بحاجة إلى دخول القطاع الخاص وحينها سيكون الفيلم متاحاً للجميع ويضيف الرفاعي :«طبعاً الأمر مرتبط بوجود منتج ووجود صالات عرض تشجع المنتجين السينمائيين وإلى تسهيلات تساعدهم من أجل اتخاذ قرار دخول مشروع سينمائي ما» .

أما ابراهيم نجمة مالك صالتي سينما السفراء والخيام، فيقول :« القطاع الخاص يفكر بطريقة الربح وهذا حقه. أما الدولة، فهي تتجه بأفلامها إلى الناحية الثقافية ولاتجذب إلا النخبة. على سبيل المثال، فكرنا ووضعنا خططاً لشركة إنتاج فوجدنا أنها خاسرة لعدم وجود صالات عرض، في حين أن أقل ما نحتاج إليه هو 300 صالة سينما موزعة في دمشق وباقي المحافظات. فلكي نقوم بإنتاج فيلم سينمائي، لا يمكن لفيلم أن يربح إن لم يعد رأسماله من بلده ثم يباع في باقي الدول» .

يتفق الجميع على أن الفيلم السوري هو فيلم صنع للنخبة بمعنى أنه ليس فيلماً جماهيرياً من شأنه أن يجذب الناس. ويقول محمد الأحمد في هذا الشأن : « أُخذ علينا أن السينما نخبوية، لكن الأفلام التي نعمل على التحضير لها الآن هي أفلام بسيطة، فيها قيمة سينمائية عالية، ولكنها في الوقت نفسه متاحة لكل الشرائح الاجتماعية .. نحن نحرص في المؤسسة أن نصنع أفلاماً لا تشبه بعضها؛ فما مانع أن نقدم فيلماً نخبوياً وآخر جماهيرياً متاحاً لكل الناس .. هذه حالة صحية، بعد ذلك نحن بحاجة إلى دعاية ليعرف الناس هذه الأفلام، فأفلامنا في السابق لم تسوّق بشكل جيد»

بالمثل يؤكد مراد شاهين أن الأفلام القادمة ستجمع بين كونها نخبوية وبين كونها جماهيرية أيضاً.

إبراهيم نجمة يعتبر أيضاً أن أفلامنا تذهب باتجاه الثقافي؛ فالمؤسسة العامة للسينما تنتج أفلاماً هادفة وهذه وظيفتها حسب رأيه، ولكن من يشاهدها هم النخبة فقط وهذه مشكلة.

¶ المرسوم 118 موجود والتنفيذ يحتاج إلى وقت

بعد أن صدر المرسوم 118 بات هناك فسحة أمل وهناك ماقد يشجع القطاع الخاص على قيامه بمغامرة سينمائية تحسّن وضع السينما السورية ولكن يبقى الوقت وحده من سيثبت إذا ماكان هناك من سيهتم بالمرسوم، أو من سيأخذه في الاعتبار وبجدية بدلاً من أن يضع تعجيزات بديلة لتلك التي أزالها المرسوم الأخير المتعلق بتحسين وضع السينما في كل الجوانب.

إبراهيم نجمة، وقبل صدور المرسوم 118 لطالما سعى من اجل إقناع الجهات المعنية في الحكومة بالسماح للقطاع الخاص باستثمار صالتي  السفراء والخيام أو بأن تقوم الدولة  بالاستفادة منهما بدلاً من أن تتركا، خاصة أن الصالتين في مكان استراتيجي في دمشق، الآن وبعد صدور المرسوم بات من الممكن استثمار السفراء والخيام. وحول إمكانية استفادته من المرسوم، قال نجمة :«نحن بحاجة إلى الوقت كي يظهر مدى فائدتنا من المرسوم الذي يصب بالأصل في دعم الإنتاج السينمائي. ولكن في المجمل استفدنا كثيراً من المرسوم الجديد؛ فنحن في صدد إنشاء مشروع لتحديث صالتي (السفراء والخيام)، حيث سنقوم بتقسيم سينما السفراء والخيام كذلك إلى عدة صالات بعد أن قمنا بعمل دراسة نسعى من خلالها إلى التعرف إلى مايجذب الشباب إلى صالات العرض و بمايتناسب وإمكاناتهم  المادية، بالإضافة إلى دراسة نتعرف من خلالها إلى أفضل الإمكانات والتقنيات التي يمكن أن ندخلها إلى هذه الصالات لتكون على مستوى عال من جميع الجهات وبأسعار مقبولة.»

ويضيف نجمة : « في البداية كان الأمر متوقفا بسبب الدولة، والآن المشروع بات قابلاً للتنفيذ، خاصة أن وزير الثقافة مهتم جداً بموضوع السينما، حيث نقوم، وبشراكة مع وزارة الثقافة، بمشروع تحسين الصالات بعد أن كانت  قد أوقفته وزارة المالية لسنوات، فهي لم تكن تقبل باستثمار المكان ولا ببيعه إلى القطاع الخاص .. وكما نعرف، إن موقع كل من سينما السفراء والخيام موقع استراتيجي، لم يكن يُستفاد منه بليرة واحدة .. الوقت كفيل بحل المشكلة»

وأكد مراد شاهين أن المرسوم بات جاهزاً للتنفيذ، وأن هناك تسهيلات من قبل الحكومة في ما يخص صناعة السينما، إلا أن مايجب أن يتم الآن هو مبادرة الآخرين؛ ويُقصد هنا القطاع الخاص ليكتمل الأمر.

من جهته يقول محمد الأحمد : «مايهمنا هو مسألة واحدة؛  أن نقدم يد العون إلى كل من يرغب. فبعد المرسوم ألغيت الكثير من الحواجز، ولكننا بحاجة إلى الوقت لنرى النتائج؛ فالمرسوم الذي صدر من أفضل المراسيم التي تخص السينما، حيث أصبح صاحب الصالة يملك حرية لم يكن يمتلكها من قبل، كما أن تحرر السينما من القيود السابقة سيشجع القطاع الخاص، الذي كنت أعذره لعدم اتخاذه خطوة جريئة في صناعة السينما، أن يدخل في صناعة السينما، على اعتبار أن السينما فن وصناعة يجب أن تضمن فيلماً يحمل قيمة ويجذب الناس ومن حق المنتج أيضاً أن  يعود عليه بعائدات تشجعه على إعادة التجربة لا أن يلعن الساعة التي دخل فيها مشروعاً سينمائياً» .

يرفض محمد الأحمد أن تتحمل المؤسسة العامة للسينما كامل المسؤولية عن غياب السينما، ويقول:  « نحن نقدم أفلاماً سورية جيدة تضاهي أفلاماً من دول أخرى، ولكن لماذا يتم تحميل المؤسسة كل المسؤولية؟!. هذا أمر غير عادل إطلاقا وكفانا القول بأن المؤسسة العامة للسينما عليها أن تنهض وحدها بالسينما، في حين أن الأمر مرتبط بجميع الجهات وعلى كل الفعاليات أن تنهض بها كما نهضت بالدراما؛ فعندما كانت محصورة في الدولة، لم تكن منتشرة كما الآن» وليكون لدينا صناعة سينمائية حقيقية، يقول الأحمد : «مطلوب من السينما أن تدعم المواهب وأن تقدم نوعية لاتقدمها أفلام القطاع الخاص، ولكن صناعة السينما مطلوبة من جميع الجهات؛  من شركات وقطاعات خاصة، وهذا ليس مطلوباً في سورية فقط؛ فإذا ما نظرنا إلى التجارب السينمائية الناجحة في دول أخرى، وجدنا أن القطاع الخاص يسهم في الجزء الأكبر منها، بل وقد يدخل في الفيلم الواحد أكثر من جهة منتجة وهي جهات ضخمة».

يتحدث الأحمد عن ما تقوم به السينما من مهمات يعتبر أنها فوق طاقتها أحياناً، ويقول: « السينما تقوم بمهمات كبيرة؛ تنتج الفيلم الطويل والفيلم القصير، وتقدم مهرجان السينما، وتقيم تظاهرات داخل سورية وخارجها وتحدث المعمل السينمائي .. كل هذا تقوم به المؤسسة وكل هذا بمفردنا .. هذا العبء لا يتناسب مع الوضع المادي للمؤسسة، ومع هذا يُقال إن السينما مقصرة وأكثر من يكتب في الشأن السينمائي لا يفهم فيه».

¶ أمل في صناعة سينمائية رائدة

تحتاج السينما إلى عدد من الشروط الواجب تحققها. وماينقص السينما السورية، حسب مراد شاهين، هو دعم القطاع الخاص لها ويضيف: «تقدم المؤسسة تسهيلات للجميع ولكن المؤسسة وحدها غير قادرة على صناعة سينما سورية؛ فاليد الواحدة «مابتصفق» .. أنتجنا العام الماضي خمسة أفلام. أما هذا العام، فنحن في صدد التحضير لخمسة أفلام أخرى، ومع هذا فنحن بحاجة إلى دعم القطاع الخاص ومبادراته، لكنه لا يمتلك الجرأة لدخول هذه الصناعة. ولكن لاشك في أن وجود دور عرض سينمائية سيوسع هذه التجارب للسينما؛ فالقطاع الخاص يسعى للربح كأي تاجر وهذا لا يمكن أن ننكره، والسينما كأي سلعة بحاجة إلى سوق وسوق السينما هي دور العرض، وجميعنا نعرف أنه باستثناء بعض الصالات مثل صالات سينما الكندي وسينما سيتي وسينما الشام، وأتحدث على مستوى دمشق، لا يوجد صالات عرض مؤهلة لأن تعرض أفلاماً سينمائية. أما ما تبقى، فهي غير مؤهلة للعرض».

يبدو أن الجميع يتفق على الحلول ذاتها، حيث يقول جود سعيد: «الشراكة مهمة على الأصعدة كافة؛ فوجود القطاع الخاص شريكاً، يدعنا نأخذ كلّ ما هو جيد في القطاع الخاص، وكل ما هو جيد في القطاع العام. فمن القطاع العام نأخذ حريتنا الفنية ونأخذ منه ثقله وعراقته في الإنتاج السينمائي، كما نتخلّص من الروتين. ومن القطاع الخاص نأخذ جرأته وحريته في التعاملات المالية. وبموازنتهما نكون قد حقَّقنا الحالة المثلى وما تحتاج إليه السينما هو سوق التوزيع؛ فعندما يكون هناك عدد من الصالات يكون هناك عدد من كتاب السيناريو، وطلب متزايد عليها. فهذه الصناعة كالعجلة، يجب أن نؤمن أسسها لتسير كما يجب. فإذا كنا نمتلك مثلاً 100 صالة عرض، سوف يزداد بالتالي عدد الأفلام السينمائية، لتغطّي هذه الحاجة. وهناك سؤال نطرحه:. أين المستثمر الخاص من هذه الصناعة؟..»

وبالمثل يرى عماد الرفاعي، أن غياب السينما سببه  غياب صالات عرض سينمائية؛ فالفيلم يجب أن يربح على الأقل خمسين في المئة من موطنه، ولكن هناك مشاريع كثيرة قد يتم تقديمها، خاصة أن كل المراسيم جاهزة وتحتاج إلى التطبيق .. القرار السياسي أصبح جاهزاً كالاعفاءات والرسوم وغيرهما . ويؤكد ابراهيم نجمة على ضرورة وجود صالات عرض؛ فالصالات حسب تعبيره هي المشكلة الأولى، على اعتبار أن رأس المال جبان، ولن يضع المال إن لم يكن يضمن ربحه، خاصة أن صناعة الفيلم مكلفة»

نحن بحاجة إلى 50 صالة عرض في دمشق وحدها

لنشجع القطاع الخاص، هناك جملة من الشروط يقول محمد الأحمد، إنها ستتحقق ؟

عملنا كل ماطلبه القطاع الخاص وسنقوم بكل التسهيلات ولكن السلعة تحتاج إلى أماكن تصريف أي صالات العرض السينمائية، وكما نعلم ليس لدينا صالات كافية، في حين أننا في دمشق وحدها نحتاج إلى مايقارب 50 صالة ومع هذا، الأمور إلى أفضل وعلى سبيل المثال عهدت لنا وزارة المالية التي تملك النسبة الأكبر في سينما السفراء بإدارتها، ونحن في صدد الاتفاق مع المالكين الآخرين للصالة لنقيم مشروع مايقارب عشر صالات سينمائية، كما سيكون في بعض المراكز التجارية صالات عرض سينمائية ومن هنا حتى العام 2014 أعتقد أنه سيكون هناك مالايقل عن 35 إلى 50 صالة عرض .