2012/07/04

ظاهرة النمس ما بين  الحظ والنحس
ظاهرة النمس ما بين الحظ والنحس

شكري الريان

يقولون الدنيا حظوظ. وهناك من يعترض قائلاً بأن الجدارة هي من يعطي للحظ معناه. وهناك من يقول عكس هذا.. وهناك الكثير.. ولكن وقبل أن ندخل في "ملاسنة" حول من صاحب الرأي الأصح، نقول أن الرأي هنا تابع دائما للحدث وليس صانعاً له. وإن كان له دور فهو فقط في إضاءة جانب لم يكن واضحاً سابقا، أو في التنبؤ بما "قد" يحدث. وفي حالة النمس (الفنان مصطفى الخاني) أخشى أن لا هذا ولا ذاك قد ينفع!!!.. فأن يكون الشخص وقبل بضعة أسابيع من الآن غير معروف (وبدون أي تقليل أو استهانة بموهبة الفنان الخاني)، وبعد بضعة أسابيع فقط يسير في شارع الحمراء في دمشق كعادته على مدى عشرات السنوات سابقاً.. وفجأة يُحمل على أكف من ميّزوه من المارة، اللذين لم يلبثوا أن تحولوا إلى "مظاهرة" صغيرة... فهذا أمر لا يمكن إلا الوقوف أمامه بدهشة تطلب المزيد من المعرفة والتي إن لم تتوفر عن يقين، فليكن عن تخمين.. هناك ولا شك سياقات أو مسارات أو بُنى، أو سموا ما شئتم، تصنع ما يمكن أن نقول عنه أنه منصة لإقلاع حالة عامة من التقدم والنجاح.. وهذه الحالة تصيب الجميع وإن بدأت بتقتير وقطرة قطرة، إلا أن المؤشرات تخلق أجواء من التفاؤل تدفع الجميع للدخول في حالة من النشاط والحيوية لا تلبث أن تنعكس بدورها على مساراتهم الخاصة فتخطو بهم خطوات إلى أمام محيلة المسار العام كله إلى حكاية نجاح. وفي عالم الإعلام عندنا كان يفترض أن تكون حكايات النجاح الخاصة تمهيداً لحكاية نجاح جماعية، لكن لم تتوفر لها الظروف الملائمة فتحولت إما إلى فقاعات طارت في الهواء قليلاً ولم تلبث أن فرقعت حتى بدون أن تحدث أي صوت أو تلفت انتباه أحد، أو ثبتت في مكان محدد دون أن تغادره، وفي كلتا الحالتين ما عاد للنجاح علاقة بالحكاية، لأن الأخير.. أي النجاح.. هو عملية خلق مستمر، وتلك صفة للأسف الشديد بعيدة كل البعد عما يقدمه إعلامنا. وكانت النتيجة أننا بتنا أمام حالة من الركود والتكرار لا يكسرها إلا طارئ يطل علينا بين فترة وأخرى، فقط ليذكرنا بأن هناك حياة يمكن أن تعاش، ومهنة يمكن أن تمارس، وعالم يمكن أن يكون جميلاً، ولكن بشرط بسيط جداً وهو أن نكون شيئاً آخر مختلفاً تماماً عما اعتدنا أن نكون عليه.. وكأن "الحظ"، وكجني من حكايات جداتنا، يأبى إلا أن يطل برأسه بين فنية وأخرى ليصيب بعضنا بالذعر، وبعضنا الآخر بالقنوط، وآخرون كثر ببعض فضول قد يكون مقدمة ما لمقدار ما من التفاؤل..  في حالة الفنان مصطفى الخاني يبقى الخوف قائماً بالرغم من كل ما قيل ويقال وربما سيبقى يقال إلى حين.. ولا شك أن الشهرة و"التوفيق" اللذين أصابهما هذا الممثل الموهوب من خلال أدائه لشخصية النمس في باب الحارة، أمر يدعو إلى التفاؤل.. فما دام هناك أحد انتقل وبهذه السرعة من عالم إلى عالم آخر تماماً، فهذا يعني أن الحظ بدأ يلتفت بوجهه الجميل والمفتقد دائماً باتجاه إعلامنا ونجومه وبمقاييس جديدة لا بد سيستفز آخرين ممن يتمتعون بقدر من الموهبة ليقدموا أفضل ما عندهم.. وبالتالي قد نكون على أعتاب مرحلة جديدة من... لا داعي للإفراط في التفاؤل فطعم الخيبة دائماً مرّ حتى ولو تذوقناه آلاف المرات.. ليست المرة الأولى في تاريخ الدراما السورية التي يتحول فيها مسلسل بعينه إلى مصنع للنجوم.. مررنا بهذه الحالة سابقاً، وأعطت من النتائج ما يكفي ليشعر الجميع بالاطمئنان.. عالم دريد ونهاد ونجومه الكثر.. ولكن عند الوصول إلى باب الحارة تبدأ الحواجب بالارتفاع.. لن نذكر أمثلة عمن صنعوا نجوميتهم من خلال باب الحارة.. أو عززوها أكثر وأكثر.. مثال مصطفى الخاني يكفي لنقف عنده، ومن باب الإنصاف نقول أنه فاق الجميع نجوماً وسواهم من ناحية ردود الأفعال حول الشخصية التي أداها والتي يحاول البعض الآن استغلالها لتكون حكاية "نجاح" بشكل أو بآخر.. وهذا ليس خطأ.. بالعكس الخطأ في عدم استغلال هذه الحالة وتعزيزها وتطويرها.. ولكن الخوف يبقى أن تتحول بدورها إلى فقاعة أخرى.. فتجارب "مؤسساتنا" الإعلامية في هذا المجال تتمتع برصيد يدعو إلى البكاء.. ولأسباب يكفي ذكر باب الحارة والصراعات التي دارت حوله وفيه عمن يقف وراء نجاح العمل، ليكون لدينا فكرة أولية إلى أي اتجاه تسير فيه "القافلة".. وربما من أجل هذا بالذات ترتفع الحواجب عند الحديث عن باب الحارة كمصنع للنجوم.. وحتى نخرج من دوامة الحظ والصدفة والتوفيق وسواه من العبارات التي تدور حول فكرة واحدة وهي أن ما حَدَث هو أمر طارئ ولن يتكرر.. نقول إن العملية بمجملها تحتاج إلى جهد وإلى تراكم واستمرارية.. نعم يعيش الخاني الآن عسل شهرة حطَّت وبزمن قياسي، وهو جدير. ولكن كي يكرّس تلك الجدارة عليه أن يعي ضرورة أن يكون مركزاً لظاهرة لن تلبث أن تعلو في فضائنا، وحتى لا تهبط كغيرها، وحتى لا نبقى حبيسين ثنائية الحظ والنحس الكئيبة، عليه أن يدرك أن مفتاح النجاح الحقيقي والمستمر، وفي عالم الإعلام بالذات، يمكن في أن لا يكون بدوره حبيس حكاية واحدة أو كاركتر واحد.. إن بقي النمس عنواناً ومركزاً للحكاية، فلن يلبث الخاني أن يختفي خلف شخصية، في نهاية المطاف صنعت من ورق.. هذا المفتاح الذي يجب أن يبقى بيده عساه يساعد آخرين في عبور باب لم يواتهم الحظ في عبوره يوماً  على الرغم من أنهم مروا في نفس حارته.. يكفي أن نذكر معن عبد الخالق "صطيف" كمثال لتعود الصدفة مبتسمة أمامنا بمكر.. ومعن لا يقل عن مصطفى موهبة ومقدرة.. ولكن لم يقدر له نفس حجم التوفيق ليكون بدوره حكاية نجاح "ملفتة" نشتاق إليها دائماً، لأسباب لها علاقة بتقاطعات الأزمنة مع الظروف والملابسات، أي الصدفة مرة أخرى، ومن يبني رأياً على ما يراه صدفة (كما أفعل الآن) لا يملك إلا أن يخمن عسى الـ "قد" تتحول إلى "أكيد".. وبحثا عن بعض يقين أقول... نصيحة وبالشامي ولمصطفى وللمؤسسات الإعلامية اللي بدها تحول النمس إلى ظاهرة.. غوار ما رح يتكرر.. تعبو.. ومنيح كتير إذا تعبتو يمكن يطلع شي جديد.. وهادا اللي عم ننتظره..