2012/07/04

«عابد كرمان».. حصان أعرج في سباق المسلسلات
«عابد كرمان».. حصان أعرج في سباق المسلسلات


ليلاس سويدان - القبس


من البديهي طبعا أن يحاول المشاهد اختيار بعض المسلسلات والمفاضلة بينها لمتابعتها في شهر المسلسلات أو شهر رمضان. وربما بعد مشاهدة بعض الحلقات يعود لاستثناء عمل ما أو متابعة مشاهدته حتى الحلقة الأخيرة.

بالنسبة لي كان مسلسل «عابد كرمان» من المسلسلات التي وضعتها على قائمتي الأولى ولكنه كان أول المسلسلات خروجا من القائمة أيضا. فبعد ست حلقات لم أجد أن المسلسل يستحق المتابعة. وهذا لعدة أسباب. في البداية لا بد أن نعترف أن مسلسلات الجاسوسية أو الصراع بين أجهزة الاستخبارات العربية والاسرائيلية- لم تعد على الأقل في هذا الموسم -هي المسلسلات الأكثر جذبا للمشاهد الذي كان في السابق لا يرى عدوا أمامه غير اسرائيل ويريد أن يرى انتصارا ولو في مسلسل تلفزيوني يقدم له قصة حقيقية، تؤكد له أن التفوق ممكن على هذا العدو الذي يشعر أمامه بالانكسار منذ توقيعه معاهدة السلام مع مصر.

هذا الشعور دفع باتجاه تقديم مجموعة من مسلسلات الجاسوسية منذ بداية الثمانينات منها «دموع في عيون وقحة» و«الحفار» وأهمها «رأفت الهجان» وغيرها من المسلسلات التي حققت نسبة متابعة عالية في ذلك الوقت.

عدو آخر

اليوم شئنا أم أبينا فإن المشاهد يشعر بأن معركته لم تعد مع الكيان الصهيوني أولا بل أصبحت مع عدو داخلي هو نظام مستبد أو إرهاب ديني أو تخلف حضاري وثقافي. إذا فأعمال الجاسوسية تخسر هذا العام أول نقطة في مصلحتها. النقطة المهمة الأخرى التي كانت تجذب المشاهدين لهذه الأعمال هي كونها قصصا حقيقية مأخوذة من ملفات الاستخبارت، فالمشاهد بالطبع لديه شغف بالتعرف على هذا العالم الغامض والخطر من الصراع الذي يشعره بأن العدو الاسرئيلي ليس اسطورة أو عدوا لا يقهر كما كان يقال له.

بينما مسلسل «عابد كرمان» ليس من هذه الفئة طبعا لكون قصته من خيال المؤلف اللواء ماهر عبد الحميد وأعد السيناريو والحوار لها بشير الديك. وهو هنا يخسر نقطة نجاح أخرى.

مقارنة بديهية

ماذا بقي إذا لينجح العمل الذي ينافس الأعمال الأخرى المؤلفة أيضا في خيال كتابها؟. العمل الدرامي قد ينجح في جذب المشاهد إذا كان مضمونه جيدا ومعالجته مختلفة ومتميزة. فهل قدم «عابد كرمان» شيئا جديدا على صعيد المضمون؟ لا أعتقد ذلك بل انه منذ البداية ومن غير قصد ربما وضع نفسه في مقارنة مع المسلسل الأشهر والأنجح «رأفت الهجان» فكلاهما يحمل اسم بطل العمل ومنذ اللقطات الأولى بدت في شخصية عابد ملامح من شخصية رأفت، فكلاهما شاب ذكي وسيم مغرم بالنساء واللهو. الفارق أن صالح مرسي رسم شخصية درامية أخاذة بكل المعاني وأن محمود عبد العزيز جسدها بشكل رائع ظل محفورا في ذاكرتنا لدرجة أن البعض تماهت لديه شخصية الممثل مع الشخصية التي يؤديها لفترة طويلة.

قالب تقليدي

بشير الديك في هذا المسلسل لم يقدم في الحلقات التي شاهدتها شيئا استثنائيا أو مختلفا عن القالب التقليدي لأعمال الجاسوسية على مستوى الشخصيات والحوار والأحداث التي نشعر بأننا شاهدناها في مسلسل سابق خاصة مشاهد لقائه برجال المخابرات المصرية وتجنيدها له. بل ان أهم صراع كان يفترض أن يبرزه المؤلف في حلقاته الأولى غاب تماما، وهو الصراع الداخلي لدى بطل العمل الذي أدى دوره الممثل تيم الحسن، ومخاوفه من الإقدام على عمل بهذه الخطورة مهما كان دافعه قويا. بكل سهولة قبل عابد كرمان تجنيده في المخابرات المصرية وكأنه ذاهب إلى رحلة أم مغامرة صعبة بعض الشيء فقط لا غير!! يبدو أن المؤلف يتعامل مع العمل على أنه عمل أكشن ومغامرات وحتى هذا الجانب لم يوفق به لأنه أسير التقليدية في الفكرة والحدث والشخصيات وبالذات الشخصية اليهودية وأبعادها الفسيولوجية وهي مشكلة أغلب الكتاب المصريين ومشكلة الممثلين في الأداء النمطي لهذه الشخصية ذات البعد الواحد غالبا.

حدث غير مشوق

الحدث في الحلقات الأولى كان يتقدم ويتطور بشكل متوقع للمشاهد وبإيقاع بطيء غير مشوق، فالمشاهد يعلم مسبقا إطار العمل والجو العام للحدث ويتوقع طبعا نهاية العمل بانتصار المخابرات المصرية على الاسرائيلية وغالبا سينتهي المسلسل مع حرب أكتوبر وعبور خط بارليف ونجاح عابد كرمان في إيصال معلومات خطيرة الى الجانب المصري تساهم في هذا النصر.

ما الذي ينتظره المشاهد إذن والذي يجعله يجلس أمام الشاشة ليتابع الحلقات الثلاثين؟ هو ينتظر التفاصيل والأحداث المشوقة التي لن يستطيع التنبؤ بها خاصة أن عابد كرمان بطل درامي بالنسبة له لا أكثر لا بطلا حقيقيا مثل رأفت الهجان أو جمعة الشوان على سبيل المثال.

استسهال

هذه النوعية من الأعمال هي من الأعمال التاريخية التي تستوجب خلق جو عام لها عبر الديكور والملابس وباقي التفاصيل ولكن على مايبدو ان الشركة المنتجة والمخرج قررا أن نجمة داود أو سيارة قديمة تكفي لإشعار المشاهد أنه في اسرائيل وفي فترة الستينات أو السبعينات.

هناك فوضى حقيقية في الملابس والسيارات والديكورات لا تدل إلا على عدم احترام المشاهد واستسهال تقديم عمل له.

تعريف ومعنى

النقطة الأخيرة التي أود التحدث عنها هي تعريف أصل بطل العمل في الحلقة الأولى وهي أنه من عرب اسرائيل، بصراحة استوقفتني جدا هذه التسمية وتساءلت عن مدى إيمان المؤلف بأن عرب اسرائيل هم فلسطينيون وأنهم أصحاب الحق والأرض. طوال الحلقة ورجل المخابرات المصري يردد جملة اسرائيلي من أصل عربي بدلا من أن يقول فلسطيني يحمل الجنسية الاسرائيلية أو اسرائيلي من أصل فلسطيني. أعتقد أن هناك فرقا والمعنى سيكون مختلفا في ذهن المشاهد الذي لا يعرف تاريخ القضية الفلسطينية ونشأة اسرائيل.

كلمة أخيرة

قد يرى البعض أنه من غير الموضوعي الحكم على عمل درامي من حلقاته الأولى، ولكن في رأيي أن زحمة المسلسلات وكثرتها تفرض غربلتها والحكم عليها منذ البداية، فالمشاهد ليس مضطرا الى مشاهدة أي عمل لا يقدم جديدا على صعيد المضمون أو الإخراج أو المعالجة.

إنصراف المشاهد عن متابعة عمل ما بعد حلقاته الأولى يدل على مشكلة في التأليف وصناعة العمل إخراجيا وانتاجيا أيضا. الخيول المتسابقة كثيرة في هذا الموسم فلماذا الرهان على حصان أعرج منذ بدء السباق؟