2012/07/04

عقوبات سينمائية باسم الديمقراطية والحرية
عقوبات سينمائية باسم الديمقراطية والحرية

ملاحظة: لا تعبر آراء الكتاب بالضرورة عن رأي الموقع.

بوسطة - جود سعيد


أثناء انعقاد مهرجان قرطاج في تشرين الأول 2010، اختارت "مؤسسة أفلام الفرنسية الكائنة في مرسيليا" فيلمي الروائي الطويل "مرة أخرى" (إنتاج المؤسسة العامة للسينما وسورية الدولية عام 2010) للمشاركة في التظاهرة التي تنظمها نهاية شهر أيار 2011، تحت مسمى "شاشات سينما عربية جديدة" بمشاركة مخرجين شباب من العالم العربي.

تمّ الاتفاق على العرض وبرمجة الفيلم ودعوتي لتقديمه في 30 أيار 2011.

بتاريخ 11 أيار تصلني رسالة إلكترونية من أحد المنظمين (دون ذكر الاسم) يشرح لي فيها ماهية "الربيع العربي" ولاسيما في بلدي! وكيف أنّ توقيعي وقلّة قليلة من السينمائيين على بيان سينمائيي الداخل السوري ما هو إلا دعم للعنف!!!! ومعارضتنا (حسب تعبيره) للنداء الذي وجهه سينمائيون سوريون لسينمائيي العالم والذي تضامنوا معه (المنظمون) ووقع عليه المئات والمئات في العالم ماهو إلا دعم للقمع!!! ولذلك فإنهم (أي المنظمون) لم يعودوا راغبين في دعوتي بسبب مواقفي ولكنهم سيعرضون الفيلم... ودوماً حسب الرسالة... علماً أن برنامج التظاهرة كان قد صدر وفيه فيلم "مرة أخرى" وبحضوري.

شكراً لسماحة نفسكم... ابتسمت وطويت صفحة هذه الرسالة، لم أشأ الرد والدخول في نقاشات ومهاترات حول شأن سوريّ بحت، وآثرت السكوت احتراماً مني لموقفهم بعدم الرغبة في مناقشتي طالما أن فيلمي موجود فهو يعبّرعني أمام الجمهور ولكن صديقنا لم يكتف بذلك ولربما اعتقد أن لي ولع بالسفر إليه لأشرب نبيذه وأخطب أمامه للحرية الحمراء "كما البعض" كي يصفق لي وأني سأريحه وأحرد وأقوم بسحب الفيلم.

لم يطق صديقنا الانتظار لأنه وفي تاريخ 21 أيار أي قبل بدأ التظاهرة أرسل رسالة إلكترونية بمثابة قرار ظني أورد لكم ترجمتها كما هي:

«إن استمرار سياسة القمع في سورية في الأسابيع الأخيرة (وسقوط عشرات القتلى يوم الجمعة 20 أيار) وبسبب انحيازك ومواقفك فقد قررنا أن نلغي مشاركة فيلمك في تظاهرتنا».. التوقيع... انتهت الرسالة.

كتبت له التالي:

«أين رأيتم انحيازي؟ هل قرأتم تصريحات لي؟ أم شاهدتم مقابلة؟ أو شيء آخر؟ أم أن أحد الزملاء وشى بي؟

هل تملكون بعض الشجاعة لإخباري؟ أتمنى أن تملكوا بعضاً منها؟

في كل الأحوال، أشكركم... وأقول لكم أن الزمن كفيل بكشف حقيقة ما يجري في سورية».

فيأتي ردّه بحكم مبرم كالتالي:

«ببساطة لقد اطلعنا على نداء السينمائيين السوريين الموجّه لسينمائيي العالم وعلى بيان سينمائيي الداخل الذي وقعته أنت. وهذا كاف بالنسبة لنا مع ما يجري في سورية حالياً. أمّا الوشاية، فقد وشت بك الاعتقالات التي تحدث في سورية. إنّه لمن غير الممكن أن يكون هناك مكان لك ولفيلمك في تظاهرتنا».

لم أستطع إلا أن أردّ:

«يا سيد ... إن بيان سينمائيي الداخل السوري الذي وقعته يعبّر عن وجهة نظرنا في دعم عملية الإصلاح مع ضمان أمننا والحفاظ على تنوعنا الثقافي والديني. إن بياننا هذا موّجه للشعب السوري وباللغة العربية فقط.. أشكر من قاموا بترجمته لك....

وأتمنى لكم تظاهرة (ديمقراطية) طيبة».

وسكت السيد الديمقراطي ابن ثقافة الحرية والعدالة والمساواة من بعدها، السيد الديمقراطي الذي كان يأكل ويشرب على حساب مهرجانات السينما العربية القمعية بلا حرج.

ثلاثة دروس من كتاب القراءة في الديمقراطية الغربية الموعودة:

حدود الاختلاف المسموحة في الرأي هي فقط في حروف الجر.

الحوار هو حديث بيني وبين من يماثلني في الرأي.

أنت قاتل وعميل ومخبر لأنك ترى الحرية ليس كما نراها.


سيدي الديمقراطي جداً، سأبقى أقول رأيي بحرية و بلا حرج، سأبقى أصنع فيلمي كما أراه دون أن أفكر فيك وستأتي لمشاهدته فأنت تعيش على ما أصنع.

سيدي "داعم السينما العربية التي تروق ديمقراطيتك" ما أصنع من سينما ينبت بين نعم ولا هما ما يكونني. فنعم لما أنا ونعم لموقفي ونعم لبلادي ونعم لحريتي ونعم لمقاومتي ولا لوهم ديمقراطيتك وأنا أنا وابن أبي.

إن جميع المراسلات موجودة وموثقة باللغة الفرنسية.

جود سعيد

مخرج سينمائي