2012/07/04

علي شاهين: المصداقية أن نظهر جوانب المجتمع السوري بأكمله
علي شاهين: المصداقية أن نظهر جوانب المجتمع السوري بأكمله


مِلده شويكاني - البعث

اتسمت أعمال المخرج علي شاهين بالطابع الاجتماعي الممتزج بأبعاد سياسية واقتصادية عميقة، فصوّر الفساد بصور شتى، مظهراً في الوقت نفسه سلوكيات الناس الشرفاء، ركّز على البيئة الساحلية بالتحديد، ورأى أنها مليئة بالحكايات الشائقة، ويؤكد في حواراته دائماً أن اهتمامه الأساسي بأن يتناول موضوعات تهم الشريحة الكبرى في المجتمع.

حصل فيلمه "العريضة" على الجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام العربية في فرنسا، وحقق نسبة مبيعات عالية جداً، كرّم من قبل السيد وزير الإعلام بعد نجاح عمله (قمر أيلول)، ومؤخراً انتهى "من تصوير مسلسل (كوكب العاصفة) إنتاج القناة التربوية، ونجاحه بالإخراج جاء بعد تأديته الكثير من الأدوار الهامة، كان آخرها دوره في وادي السايح.

عمل مع المخرج هشام شربتجي مخرجاً منفذاً، وصرّح بأنه استفاد من خبرته كثيراً، كما عمل مخرجاً مساعداً في برنامج حكم العدالة، وكان مدير إدارة شركة إنتاج في الكويت لعدة سنوات...


«البعث» استضافت المخرج علي شاهين، وكان هذا الحوار..

< شكّلت البيئة الساحلية محوراً أساسياً في مجمل أعمالك، فهل أنت مع التخصص الدرامي؟!.

<< الموضوع ليس من باب التخصص، أنا ابن هذه البيئة ونشأت فيها، وأعرف هموم الناس البسطاء وأعيش أحلامهم، وأفكر بهواجسهم، هذه المنطقة المليئة بالحكايات الشائقة، وما يوجد فيها، ينسحب على سورية بأكملها وعلى دول الوطن العربي، على سبيل الذكر ثلاثية (بارود اهربوا)، لخصت ما يحدث في القرى النائية، و كيف يتدخل المخبر بمصائر الناس ويثير العداوات بينهم، و (قمر أيلول) المؤلف من ثلاثين حلقة، تحدث عن الفساد من خلال شخص يغادر الضيعة إلى المدينة، ويصبح مسؤولاً  ينجرف مع تيار الفساد، ومع مرور الزمن يقف ابنه في وجهه ويرتبط بقصة حب مع ابنة شهيد في الضيعة، إضافة إلى هذا المحور كانت هناك أبعاد اجتماعية  متشعبة تطال الحياة في الريف، وقد حصل على أكبر علامة من الرقابة  في التلفزيون العربي السوري، وكرّمني إثر ذلك السيد وزير الإعلام.

< هل توقعت فوز فيلمك (العريضة) بالجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام العربية من فرنسا؟!.

<< حقيقة لم أتوقع، لأن الجائزة لا تهمني بقدر ما يهمني أن أجسد هموم الناس في الساحل السوري، وفيلم «العريضة» صوّر قصة واقعية من خلال يوم واحد -زمن الفيلم- إذ قرر أحد المستغلين في الضيعة أن يمرر خط توتر عال جداً لقصره من بين منازل القرية الصغيرة، فقرر السكان رفع عريضة إلى الجهات المعنية، ولكن بدلاً من إزالة الخط الذي يشكل خطراً على حياة الناس، أزيلت بعض المنازل.

وعلى صعيد آخر تخلل الفيلم عرس شعبي، جسد صوراً من الموروث الشعبي، بالتأكيد أفتخر بنجاح الفيلم ليس فقط لحصوله على الجائزة، وإنما لأنه حقق نسبة مبيعات عالية جداً، وصلت إلى قرابة مليون و نصف (سي دي) موزعة في الوطن العربي وبلاد الاغتراب.

< ارتبطت مع الكاتب محمود عبد الكريم منذ بداية طريقك، فماذا عن هذا التعاون؟!.

<< جمعتني مع الكاتب محمود صداقة كبيرة، وهو ابن البيئة الساحلية والأقدر على الكتابة عنها، وتوجد محاور مشتركة بيني وبينه، وأرى أنه صاحب رؤية عميقة، وكنت أميناً على أعماله إلى أبعد الحدود، وأي تعديل أقوم به يتم بموافقته حتى أنه صرح مراراً بأن أعمالي كانت ساحرة، وهذا ما يهمني لأن التوافق بين الكاتب والمخرج يؤدي إلى النجاح.

<  انتهيت مؤخراً من تصوير مسلسل "كوكب العاصفة"، سيناريو د. مخلص الريس، إنتاج القناة الفضائية التربوية السورية، ماذا تحدثنا عنه؟!.

<< بعد نجاح عمل أسرار وخفايا، رشحني د طالب عمران لإخراج "كوكب العاصفة"، وقد أغرتني الفكرة وليس النص، لأنه ضعيف واحتاج إلى تعديل كبير، وقد بذلت جهداً مضاعفاً لسد بعض الثغرات بمساعدة فريق العمل، لذلك صرحت سابقاً بأن على الفضائية التربوية أن تنتقي نصوصاً أكثر جودة.

النص عامة يحكي عن البيئة النظيفة التي ننشدها، وكيف تم تلويث كل مظاهر الطبيعة (المياه –الأوكسجين –الغابات)، وبالتالي كيف خرّب الإنسان الطبيعة الأم بسلوكياته المقصودة وغير المقصودة، وفي هذا العمل نلقي الضوء عليها، ونظهر طرق التخفيف من حدتها عبر سلسلة حلقات منفصلة –متصلة، تقسم الحلقة إلى ثلاثة محاور: الأول المذيعة بشرى الأحمد مع الأطفال، والثاني في الطبيعة، والثالث المشهد التمثيلي في منزل العائلة.

العمل ناطق باللغة الفصحى، وفيه حوارات طويلة وصعبة والكاميرا تدور في أماكن متعددة، وهذا تطلب تغيير الديكور والمؤثرات، ولمناسبة الحديث أشكر الفريق الفني والتقني لأننا عملنا ساعات طويلة في هذا البرد القارس في الطبيعة، وتعرّضنا لمصاعب كثيرة، لكننا كنا مصرين على نجاح العمل، وكان معي جيانا عيد وزهير عبد الكريم وسعيد الآغا وسليم تركماني ومريم علي وآخرون.

<  ما هي المؤثرات التي اعتمدت عليها بالدرجة الأولى؟!.

<< الاعتماد الأكبر كان على الصوت والإضاءة والتصوير من زوايا معينة يتطلبها المشهد، بسبب تكاثف الغيوم وظهور الشمس الفجائي، وكان مدير الإضاءة متعاوناً معي، استخدم تقنيات متعددة لإعطاء صورة بصرية واضحة، وكذلك مدير التصوير سعيد الملا، وفي منحى آخر تعمدت أن يكون الصوت طبيعياً لأن التصوير في أجواء حقيقية أضاف إليها مهندس الصوت  عامر فرخ بعض المؤثرات  الضرورية، والديكور كان طبيعياً يتناسب مع الحديقة أو المنزل، أما الموسيقا التصويرية فقدمها وعد الرياحي، وحقق عبرها تناغماً بين اللحن والمشهد التمثيلي، لاسيما المشاهد التي صوّرت في بيئات طبيعية، تخللتها بعض الضربات العالية في البيئة المعرضة للخطر.

<  صرحت عن عدة أعمال، لكنك لم تباشر بتصويرها، فما السبب؟!.

<< كان من المفترض أن أبدأ بتصوير عملي الجديد (قليل من العزلة)، لكن أسباباً كثيرة حالت دون ذلك ، سأقدمه لاحقاً للمؤسسة العامة للإنتاج وهو ضمن المسار الفني الذي يتعلق بالشريحة الكبرى في مجتمعنا، ويتسم بالطابع الاجتماعي المغلف بأبعاد سياسية واقتصادية، وأيضاً لديّ مشروع جاهز لفيلم تلفزيوني عن الأم يدور حول فكرة تكريم الأم المثالية التي تتوافر لديها كل مظاهر الرفاهية، بينما تعاني أم في قرية ريفية  نائية مصابة بمرض السرطان، ورغم ذلك تعمل في الأرض وتعيل أولادها بعد وفاة زوجها، فيقرر أحد الأغنياء مساعدتها فيشتري لها الجرعة، لكنها تبيعها لتؤمن طلبات أولادها.

وعلى صعيد آخر، وعد أيضاً د.طالب عمران بالموافقة على عمل مؤلف من ثلاثين حلقة اسمه (سلمى)، يتحدث عن قصة حياة مدرّسة تصل إلى مرحلة التقاعد، ونعود معها بالفلاش باك إلى مرحلة تعيينها، وكيف كانت الحياة بكل مضامينها آنذاك، لكن مشروعي الهام هو إنجاز فيلم تلفزيوني يصوّر حياة الفتاة الريفية التي تعيش في خيام في منطقة نائية في ريف حماة وحصلت على العلامة الكاملة في الثانوية، وهي تدرس على ضوء الكاز  في زاوية الخيمة.

<  هل تفكر بعمل يتعلق بالأحداث التي تمربها سورية؟!.

<< قابلنا السيد وزير الإعلام، وطلب إنجاز أعمال من نوع (سلوكونات)، أي مشاهد من خمس دقائق، وكلّف بعض الكتّاب منهم: هاني الشريف ومحمود عبد الكريم وآخرون بكتابة السيناريوهات المتعلقة بالأحداث،   وقد حصلنا على أفكار من السيد الوزير أثناء الاجتماع معه.

مثلت ما يقارب الـ 100 دور في أهم الأعمال السورية، فماذا اكتسبت من التمثيل؟!.

<< التمثيل أوصلني إلى الإخراج، والوقوف أمام الكاميرا منحني الكثير من الخبرة لأكون خلفها، وكان لديّ حلمي الخاص الذي لم أحققه من خلال التمثيل، فبدأت بالتعاون مع الكاتب محمود عبد الكريم للمضي بعالم الإخراج، طبعاً هذا جاء بعد اتباعي دورات متعددة في الكويت، واشتغلت عدة سنوات مخرجاً مساعداً لبرنامج حكم العدالة، وعملت أيضاً مخرجاً منفذاً مع المخرج هشام شربتجي الذي تعلمت منه الكثير، وأنا مؤمن بأن التمثيل والإخراج موهبة وليس دراسة أكاديمية فقط... فلننظر إلى نجاحات الليث حجو ونجدت أنزور وبسام الملا، هؤلاء لم يدرسوا الإخراج أكاديمياً، لكنهم تفوقوا وقدموا أجمل الأعمال.

<  برأيك ما الذي يميّز دراما 2011؟!.

<< الناحية الإيجابية التي قدمتها دراما 2011 هي دخول الممثلين الشباب الذين يرفدون الدراما بطاقات جديدة، وللأسف إن بعض الأعمال اتسمت بالسطحية وشوّهت بعض الأخلاقيات والقيم التي نشأنا عليها، وغالت في إظهار المظاهر الجمالية، وبعضها الآخر كانت فيه مبالغة بالعنف الذي عرض في مناطق العشوائيات التي صوّرت على أنها بؤرة للتخلف والإدمان وساحة للجريمة، مع العلم بأن في هذه المناطق الكثير من الشرفاء والمثقفين، فأنا لست ضد المصداقية وتصوير الواقع، شريطة أن نظهر جوانب المجتمع السوري بأكمله، وألا نركز فقط على الأمور السيئة و القبح، هذا يسيء إلى سمعتنا و يضر بالسياحة، فسورية فسيفساء اجتماعي مكّون من أطياف متعددة، فلماذا لا ندخل في عمق حياة المثقفين كما فعلت في أعمالي إذ تناولت الفساد، لكن في الطرف المقابل أظهرت سلوكيات الشرفاء؟!.

أنا ضد إظهار جانب دون آخر ضد تأكيد التخلف و تكريس المظاهر السيئة، لننظر إلى الأعمال التركية التي تشغل المحطات، لقد صوّرت الكثير من الحكايات التي نبعت من الأحياء الشعبية، ولم تعرض القتل والعنف فقط.

<  تعقيباً على كلامك ألا ترى أن هذه الأعمال منحت فرصة لعدد كبير من الفنانين الذين لم يعثروا على فرصة في الدراما السورية؟!.

<< لقد ساعد فن الدوبلاج الفنانين الذين لا يعملون في الدراما ولا يجدون فرصة، لكن في المقابل أساء إلى جيل أبنائنا وإلى عاداتنا وسلوكياتنا لأنها نبعت من مجتمع آخر مغاير لمجتمعنا، وتهدف إلى الترويج للسياحة التركية، برأيي هذه الأعمال بحاجة إلى مراقبة أكثر، وأنا ذكرتها الآن لأنها نجحت بالتركيز على كل جوانب المجتمع.

<  قانون الإعلام الجديد سيسمح بإقلاع عدد من المحطات الفضائية السورية،  ألا ترى أنها تساعد على تسويق الدراما؟!.

<< هذا متوقف على ماهية المحطات وبرامجها وخطتها الإعلامية، فإذا كانت للمنوعات والأغاني والإعلانات برأيي لن تكون مجدية لعرض درامانا، أما إذا كانت ذات سمة جادة، فبالتأكيد ستساعد على تسويق ونشر الدراما السورية


ذكرت في أحد حواراتك بأن الدراما السورية وقعت بمطب تكرار النجوم، كيف تفسر قولك هذا؟!.

<< أنا لا أحبذ ظهور الممثل أو كما يقولون النجم بأكثر من عمل، ولا أحبذ دفع الأجور الباهظة التي تصل إلى عشرة ملايين مقابل دور يمثل بشهرين، في حين يقبع الكثير من الفنانين الموهوبين في منازلهم، ينتظرون الفرصة، أنا مع تكافؤ الفرص وفتح المجال أمام الجميع، على سبيل الذكر أين موفق الأحمد، أين سعيد الآغا وعلي القاسم وآخرون؟!.. أعتقد أن تحكم رؤوس الأموال الخليجية وشركات الإنتاج التي تتدخل بالعمل الفني والفكري هي التي أوصلتنا إلى أمراض الدراما السورية والشللية وتكرار الوجوه.

<  في نهاية حوارنا هل لديك ما تود قوله؟!.

<< أريد أن أوجه همسة إلى الفنانين الذين منحهم الوطن الكثير وميزهم عن أية شريحة أخرى كي يكونوا على قدر المسؤولية، ويقفوا إلى جانب سورية التي تتعرض لمؤامرة كبيرة، وأتمنى أن يتعاون جميع المثقفين والفنانين وكل الشرائح للوقوف في وجه هذه المؤامرة العاتية، لتخرج سورية منتصرة كما هي دائماً.