2012/07/04

غسان جبري : مع ندوة الفكر والفن.. وزارة ظل ثقافية
غسان جبري : مع ندوة الفكر والفن.. وزارة ظل ثقافية


غسان جبري – بلدنا

في العام ١٩٥٨، جاء الدكتور رفيق الصبان من باريس يحمل شهادة دكتوراه في القانون الدولي العام، ومشروعاً ثقافياً نهضوياًَ أوروبيَّ الملامح. وبدأ التدريبات على مسرحية «براكسا جورا»، تأليف الكاتب المصري توفيق الحكيم..كانت دمشق تشهد نشاطاً مسرحياً معقولاً. فكان هناك المسرح الحر، حيث تُقدّم أعمال المرحوم حكمت محسن، والعهد الجديد المنقسم بين تيارين: الأول التيار الثقافي ممثّلاً بـ«أنطون حمصي، ووليد مدفعي، وياسين رفاعية، وعبد الله الشيتي، وجان اليكسان»،

والطرف الثاني ممثّلاً بالمرحوم سعد الدين بقدونس، حيث كانت الفرقة تقدِّم مسرحاً شعبياً، وخاصة مسرحية «سبحان العاطي»، بطولة  إيلي خوري وفريال كريم وأختها كلير.. كما كان هناك مسرح جاد بزعامة المرحوم صبري عياد، ومسرح آخر  وطني باسم «نادي الشرق»..بدأ الدكتور رفيق الصبان ممارسة عمله، إدارة وإخراجاً، واستخدم كافة الوسائل البصرية  كي يقدِّم مشروعه.. كان المسرح القومي مسرحاً وليداً، وظهرت «براكسا  جورا»، وقدّمت للمره الأولى عرضاً متكاملاً بـ«النور والأزياء والفنانين المتدربين» وكان هناك احترام للمشاهد غير مسبوق..وكالعادة، قامت الدنيا ولم تقعد بعد عرض مسرحي هو «انتيجون»، وجاءت صيحات الاستنكار: «ما هذا المسرح، وما هذه الأجواء».. والناس يقولون: «فتنا وطلعنا وما فهمنا شي».. ترك الدكتور رفيق وزارة الثقافة وأسَّس ندوة الفكر والفن، وكانت بمثابة وزارة ظلّ للثقافة.. جمع الدكتور رفيق مجموعة مدهشة من المواهب حوله:    الدكتور هشام متولي، الأستاذ جورج طرابيشي، الأستاذ أديب غنم، المبدع صلحي الوادي، المرحوم يوسف حنا.. ثم  مجموعة من المواهب الفنية: كوثر ماردو، والسيدة ارليت عنحوري. ثم جاء الأستاذ هاني الروماني، وأسامه الروماني، والأستاذ سليم كلاس، وطلب مني أن أعمل معه مساعد  مخرج لمسرحية «ليلة الملوك» المأخوذة عن العمل الشيكسبيري القوي «الليلة الثانية عشرة».. وبحماسة نادرة   داومت هذه المجموعة على تدريبات    هذا العمل الكبير، وكنا جميعاً قد عشقنا المسرح، ووجدنا أنفسنا فيه، وعرفنا  أننا عشنا لنعمل مسرحاً، ولم نفكِّر في أن  نعمل مسرحاً لنعيش.. تحوَّل بيت الدكتور رفيق إلى مركز ثقافي  خطر، وكانت لديه خطة متكاملة: برنامج  ثقافي متكامل:

١... يوم لسماع الموسيقا بإشراف الأستاذ  المرحوم صلحي الوادي.

٢... يوم لسماع قصائد شعرية للمرحوم محمد الماغوط.. أو قصة قصيرة للقاص زكريا  تامر.وكانت تجري البروفات المسرحية على التوازي مع هذا النشاط.. كانت الموهبة هي القاسم المشترك بين هذه المجموعة، وكنا في أغلبنا «طفرانين»   باستثناء الدكتور رفيق والأستاذ صلحي الوادي، وبالطبع الدكتور هشام متولي. وعندما قدّمت مسرحية «الليلة الثانية عشرة»، كانت حدثاً فنياً مميزاً. أولاً النص، ثانياً الديكور، ثالثاً التمثيل.. لمع الشاب هاني الروماني في دور السير اندرو اغو شيك.. وكانت إطلالة السيدة ارليت عنحوري في دورها المزدوج من أجمل ما شاهد المسرح السوري   في ذلك الوقت. واستمرَّت ندوة الفكر والفن في أدائها،   وفي الثامن من آذار، تسلَّم وزارة   الإعلام الدكتور المرحوم جمال أتاسي، واختار الدكتور رفيق الصبان لاستلام إدارة البرامج في التلفزيون. فما كان من الدكتور رفيق إلا أن أنشأ فرقة الفنون الدرامية، وتوظَّف أكثر أعضاء ندوة الفكر في هذه الفرقة، التي بدأت أعمالها تتألَّق.. وقدَّم الدكتور رفيق مسرحية  «السلطان الحائر»، تأليف توفيق الحكيم،  وتجلَّت عبقرية هذا الجيل في أدائه  الرائع، خاصة هاني الروماني، في دوره  «قاضي القضاة».. بعضهم ترك مقاعد الدراسة الجامعية  ترك كليات الطب وكليات الحقوق  والأداب.. وأصبح للمرة الأولى في  البيروقراطية السورية وظيفة  ممثل، ومخرج، ومساعد مخرج..تحوَّلت أعمال ندوة الفكر والفن إلى  البرامج الثقافية، خاصة البرامج  والمشاهد الدرامية.ثم بدأ الهجوم المعاكس على ندوة الفكر،   الذي انتهى إلى تعليق اجتماعاتها وتوزّع   أعضائها في كافة مجالات العطاء الفني..  لا أحد يمكن أن ينسى المرحوم يوسف حنا،   أو المرحوم هاني الروماني، طالب كلية  الطب، في كافة أدواره المسرحية  والتلفزيونية، ممثلاً ومخرجاً، وخاصة عمله  المبدع «حمام القيشاني»..أسامة الروماني ورياض نحاس وسليم كلاس  وغيرهم وغيرهم.. أما الدكتور رفيق، فذهب  إلى القاهرة، وأقام فيها، وعمل في  السينما والنقد، وترك فراغاً كبيراً في  دمشق. لكن دمشق لم تنسَه، لقد كان أول  مَن وضع حجر الأساس للفن الدرامي   المسرحي والتلفزيوني الجاد..تحيه إلى  الدكتور رفيق الصبان،  وإلى كلّ ذلك  الجيل المؤسّس..