2012/07/04

غسـان شـميط يعيد شـيخ الرواية السـورية إلى السينما في «الشراع والعاصفة»
غسـان شـميط يعيد شـيخ الرواية السـورية إلى السينما في «الشراع والعاصفة»


أوس داوود يعقوب – تشرين

بعد عام ونصف العام على البدء بتصويره، عرض مساء يوم الاثنين الماضي في صالة سينما (كندي- دمر)، فيلم «الشراع والعاصفة» للمخرج غسان شميط، الذي وضع له الحوار بالتعاون مع وفيق يوسف، والمأخوذ عن رواية حملت الاسم نفسه لكاتبنا الكبير حنّا مينه (أطال الله في عمره).

وبذلك تكون المؤسسة العامة للسينما قد بدأت عروضها للأفلام المنتجة في الموسمين الماضيين لها، وكان قد دخل في مرحلة بداية إنتاج الفيلم شريك من القطاع الخاصة بسبب ما يتطلبه من كلفة عالية لتصوير مشهد العاصفة خارج سورية، ولكن بعد انسحابه تصدت المؤسسة للإنتاج كاملاً، وهو يعدُّ حالياً من الإنتاجات الضخمة للمؤسسة العامة للسينما.‏

استطاع الروائي السوري حنا مينه من خلال رواية «الشراع والعاصفة»، رصد إحدى المراحل التاريخية القاسية التي عاشتها سورية أثناء الحرب العالمية الثانية، خصوصاً على طول السواحل السورية.

تقوم الرواية على حكايتين: حكاية بطل وحكاية وطن أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد ألفها الكاتب في فترة زمنية دامت سنتين (1956- 1958م).

وفي هذا النص يعكس «شيخ الرواية السورية» ببراعة لافتة فسيفساء المجتمع المتنوع كما يتحدث عن علاقة الصيادين بالبحر وصراعهم مع الطبيعة القاسية.

لغة بصرية بتقنيات عالمية..

ضمن أجواء شتائية متقلبة تتطلبها أحداث الرواية صورت مشاهد الفيلم، في قرية قريبة من مدينة اللاذقية، بينما تم تصوير مشهد العاصفة في أوكرانيا، حيث لا تمكن تقنيات (المؤسسة العامة للسينما) المتواضعة من تصوير عاصفة بلغة بصرية حقيقية، ولما يتطلبه المشهد من معدات خاصة وتقنيات متطورة. وتبدو الصورة والتقنيات الموظفة في مجمل الفيلم من أنجح ما قدم في تاريخ السينما السورية، حيث اعتمد فيها المخرج على التشارك مع فريق تصوير من أوكرانيا- البلد الذي تخرّج فيه حين درس الإخراج السينمائي.

وقد ذكرت بعض المصادر أن ميزانية الفيلم تقريباً (800) ألف دولار يذهب منها (140) ألف دولار لتصوير مشهد العاصفة فقط. والتي بلغت مدتها الزمنية (13) دقيقة موزعة في الفيلم، العاصفة على الشاطئ (صورت في سورية) تقابلها مشاهد للعاصفة في عرض البحر، وهي التي تم تصويرها في أوكرانيا، وتحديداً في شركة الإنتاج التي أنجزت (غرافيك) الفيلم العالمي «التيتانك»، وقد تم تصوير العاصفة وفق النظام الرقمي (الديجتال)، بينما صور بقية الفيلم بكاميرا (35 مم).

وقد تراوحت أغلب أماكن التصوير بين الميناء والمقهى البحري اللذين يشكلان المكان الطبيعي لالتقاء شخصيات تسرد تفاصيل الرواية المتعلقة بالبحر الذي احتل جزءاً مهماً من حياتهم وحياة بطل الفيلم (أبو زهدي الطروسي)، الذي أدى دوره الفنان جهاد سعد، الذي ترعرع في الحي نفسه الذي عاش فيه كاتب الرواية، واختلط بالكثير من شخصيات الرواية الحقيقية، وهو ما ساعده في التمكن من ملامح شخصية (الطروسي) وأعطاها أفقاً فنية انعكست على طريقة أداء الشخصية بأداء بتميز.

كذلك عمل المخرج على أن يكون أغلب الممثلين الموجودين في الفيلم من بيئة الساحل السوري، لقناعة لديه أنهم الأقدر على التعبير عن شخصيات الفيلم من خلال حملهم الكثير من تفاصيل البيئة الساحلية المتعايشة مع البحر ولاسيما اللهجة.

مغامرات (الريس الطروسي)

(الطروسي) ذو شخصية شجاعة، تنصر الضعفاء في وجه الأقوياء المتغطرسين. وهو رجل يقاوم على جبهتين، جبهة الاحتلال الفرنسي لسورية، وكذلك على جبهة التخلف الاجتماعي الذي كان يسود البلاد في حينه. مغامرات (الطروسي) كثيرة، وحياته مليئة بالمفاجآت والمصاعب، وشخصيته تلخص روح الإنسان العادي البسيط وتعطي فكرة بانورامية عن حياة إنسان سوري يشكل البحر جزءاً كبيراً من حياته.

ورغم احتفاظ المخرج بخط الرواية العام، إلا أنه عمل على استبدال خطوط بعض شخوص الرواية من دون المساس بتركيبتها الاجتماعية والفكرية، ومن دون التشعب في أكثر من اتجاه، مركزاً على الشخصية الرئيسة في العمل (الطروسي)، كونه البطل الشعبي الذي يشكل مرآة لأبناء تلك المنطقة في تصديه للصعوبات وأبرزها العاصفة. كما تم تدعيم هذا الخط بحب البطل لـ(أم حسن)، التي أدت دورها الممثلة رندة مرعشلي، والتي ترمز للمرأة المظلومة في المجتمع، وترتبط بـ(الطروسي) بعلاقة شفافة وصادقة، وتشكل شخصيتها طبيعياً لشخصية البطل، الذي يجدها ملجأ روحياً ونفسياً وعاطفياً.

ويجسد الفنان ماهر صليبي شخصية (الريس سليم الرحموني)، الذي يبحر بغرض صيد السمك لكن العاصفة تتمكن منه ومن رجاله إلى أن يأتي (الطروسي) لإنقاذه ويعيده إلى بر الأمان.

ويعد هذا المشهد الأكثر أهمية في الفيلم، ذلك أن صراع (الطروسي) مع الطبيعة صراع وجود وتحدٍ لفكرة إنسانية وأزمة يعيشها البطل تتعلق بمقدرة الشعب على التغلب على الاحتلال وهي الفكرة نفسها التي ألح عليها حنّا مينه في تشبيهه العاصفة بالاحتلال.  كذلك تتعدد الخطوط الدرامية في العمل سعياً لكسر وحدة الخط الواحد الدرامي، فنتعرف مثلاً على شخصية (صالح برو) السلبية، التي يؤديها الممثل وضاح حلوم، والتي تمثل الطرف المقابل والنقيض لشخصية (الطروسي). ونتعرف كذلك على شخصية الحداد (أبو حميد)، التي يجسدها الفنان زهير عبد الكريم، والتي تمتاز بالحس الوطني وحب البحر ومساعدة الناس. واللافت في شخصية (أبو حميد) متابعته لأثير الإذاعات فيستمد منها الأخبار ليناقشها مع الشخصيات الأخرى في المقهى، ومنها شخصية (أبو رشيد) التي يؤديها الممثل حسام عيد، صاحب الميناء والمسؤول عنه.   كما يؤدي الممثل أندريه سكاف شخصية (الوكيل)، الذي ينفذ أوامر (أبو رشيد) صاحب الميناء لكن هذا الدور يتسم بكثير من السلبية في تعاطيه مع الأحداث.

في حين يؤدي الممثل جرجس جبارة شخصية (أبو محمد) مرافق (الطروسي) وعامل المقهى، الذي يجمع كافة شخصيات الفيلم، التي تمثل شرائح متعددة ومتنوعة الخلفيات الثقافية والسياسية والاجتماعية.


سينما البحر

لم تكن السينما لتغفل عن موضوع البحر فيما عالجته من قضايا وأطروحات، خاصة أنها تجمع بين الصوت والصورة، ففي السينما العالمية اتخذ العديد من الأعمال الروائية الجميلة من البحر تيمته الأساس، حيث حقق المخرج (جون ستورجرز) رواية «الشيخ والبحر» لـ(إرنست همنجواي) سينمائياً، وحقّق المخرج (هرمان ملفل) فيلم «موبي ديك»، عن رواية حملت العنوان نفسه، والتي تعد ملحمة بحرية بكل المقاييس زادتها السينما حياة أخرى.

ومن أشهر الأفلام العالمية التي كان موضوعها البحر فيلم «تيتاينك» الفائز بجائزة (الأوسكار) حيث أبهر العالم بمشاهد رائعة عن البحر..

أما في السينما العربية فيتصدر الفيلم الكويتي «بس يا بحر» للمخرج خالد الصديق، الذي أنتج سنة 1971م قائمة الأعمال السينمائية العربية التي اتخذت من البحر تيمتها الأساس.


البطاقة الفنية للفيلم


سيناريو وحوار: وفيق يوسف وغسان شميط (عن رواية «الشراع والعاصفة» للكاتب الكبير حنّا مينه).


إنتاج: المؤسسة العامة للسينما.


إخراج: غسان شميط


تمثيل: جهاد سعد، ماهر صليبي، رندة مرعشلي، وضاح حلوم، زهير عبد الكريم، جرجس جبارة، زهير رمضان، حسام عيد، أندريه سكاف، هاني الأطرش، هدى شعراوي، عبد الله شيخ خميس، لانا شميط، ريما الشيخ، توبا رشيد، مشهور خيزران، جهاد عبيد.


تعاون فني: رسلان شميط.


مخرج مساعد: أيمن حمادة.


استشارة درامية: حسن سامي يوسف.


مكياج: تاتيانا ماركوفا، وإينا ميكولا.


تصميم أزياء:. ليديا يوشينكو.


غرافيكس: ليونيد رادوتشينكو.


مهندس الصوت: غيورغي ستيموفسكي.


تعاون فني صوت: إبراهيم الصباغ.


مهندس الديكور: بسام إبراهيم.


مونتاج: علي ليلان.


مدير التصوير: أناتولي ساخنو.


غرافيك: ليونيد رادوتشينكو.


الطول: (100 دقيقة)، ملون 35مم.