2012/07/04

«فرح» السينما المصرية واقع يُغلِّفه الخيال
«فرح» السينما المصرية واقع يُغلِّفه الخيال

  5حواس- البيان عادات كثيرة سيطرت على المجتمعات الشرقية مثَّلت ثقافة فشل الزمن في إزالتها، ومن بين هذه العادات التي تحوَّلت إلى ما يشبه الطقوس ما يتعلق باحتفالات الأفراح عند المصريين الذين لم يغيروا عاداتهم منذ أيام الفراعنة، وقد نجحت الأعمال السينمائية في تناول تلك العادات في الأفراح الشعبية والأرستقراطية على حد سواء.. فمثلاً تناولت السينما أفراح الأرستقراطيين في فيلم «منألانظرة عين»، بما فيها من مظاهر البذخ كنوع من التباهي في حين ألاظلت أفراح الطبقات الشعبية هي الأكثر جذبا لصنّاع السينما لتقديمها بطقوسها، فقد أقيمت مراسم الفرح في الشارع أو الحارة أو على سيارة في الطريق، فتحضر راقصات الدرجة الثالثة، والمطربون الشعبيون، وينثر ما يسمى ب«النُقطة»، وهي أموال يدفعها المدعوون مجاملة للعروسين.. تفاصيل أكثر عن الفرح في السينما حملتها سطور هذا التحقيق. يُعد فيلم «الفرح» الذي عُرض الموسم الفائت من أهم الأعمال السينمائية التي تناولت الفرح المصري في الحارة ؛ فكان الفرح دائمًا موضوعًا مقسومًا بين الواقع والخيال في الرؤية السينمائية.بينما هناك أعمال أخرى تناولت الفرح بشكل «فانتازي» وواقعي في آن، ومنها فيلم «اللمبي» للفنان محمد سعد، فكانت عقدة الفيلم ديون البطل التي رأى أن يُسددها بإقامة فرح صوري لجمع «النقطة» وسدّ الدَّين، كذلك أفلام «كلم ماما، حاحا وتفاحة، كلمني شكرًا»، وغيرها من الأعمال التي تناولت الفرح في الحارة الشعبية بتقاليدها وعاداتها الثابتة. مشاجرات ومخدرات ورغم التعامل مع الأفراح الشعبية بواقعية النقل، إلا أن بعض الأفلام السينمائية لم تُجسد مشاهد الفرح الشعبي بحذافيرها، بل تخللتها بعض وجهات النظر لصناع العمل مثل فيلم «حاحا وتفاحة»؛ حيث قدم بعض المبالغات مثل تدخين العروس للشيشة فوق المسرح. وذلك بهدف الإغراق في الكوميديا بعيدًا عن الواقع المألوف. ومن الأفلام التي رصدت مشاجرات الأفراح الشعبية ومخدراتها فيلم «عيال حبيبة» بطولة حمادة هلال، كذلك تكرر المشهد في فيلم «في محطة مصر» لكريم عبدالعزيز. ليست السينما الحديثة فقط هي التي تعرَّضت لطقوس الأفراح بل تعاملت سينما زمان مع الفرح، ففي فيلم «بداية ونهاية» لفريد شوقي، سناء جميل، وعمر الشريف، تم تجسيد المشاكل والمشاجرات التي تحدث في الأفراح والتي يتم فيها تكسير كل ما تطاله الأيدي، ويتحول الفرح إلى مأتم. وذلك عندما قام فريد شوقي بالغناء بصوت أجش، وحين اعترض أحد المتفرجين على صوته المنكر، قام فريد شوقي بضرب الحاضرين وتحوَّل الفرح إلى فضيحة، إلى أن حضرت الشرطة لتصفية المشاجرات. وتضاف إلى هذه الأحداث والعادات ظاهرة سرقة التيار الكهربائي في الأحياء الشعبية، وقد رصد هذه الظاهرة فيلم «أم العروسة» الذي طرح القضية عندما حضرت مباحث الكهرباء ووجدت توصيلات كهربائية غير شرعية، وتم تحرير محضر لوالد العروس، الفنان عماد حمدي، وكاد أن يتم القبض عليه، ولكن تم مراعاة ظروف فرح ابنته. معتقدات توَّرث وحول كيفية رصد السينما لمظاهر الأفراح وتطورها عبر العصور، يؤكد السيناريست أحمد عبدالله أن هناك عادات ثابتة لا يتم تغييرها في الفرح الشعبي وكأنها معتقدات توَّرث.. وأضاف أن تجاربه السينمائية رصدت مراسم الفرح في الحارة المصرية واتسمت بالواقعية، ومنها فيلم «الفرح» الذي دارت أحداثه حول فكرة الفرح.. مشيرًا إلى طرح عدة قضايا من خلال الحدث الأساسي، وهو حفل الزفاف، كما قدم الفيلم مظاهر فرح شعبي أقرب إلى الحقيقي اعتمادًا على وجود مطربين شعبيين معروفين مثل عبدالباسط حمودة، ومحمود الحسيني، وراقصة شعبية قامت بدورها الفنانة سوسن بدر، وقاد الفرقة الموسيقية الفنان ماجد الكدواني. وتقول الفنانة فيفي عبده التي كان لها نصيب كبير من الرقص في هذه الأفراح أن أجمل ما يميز أفراح الحارة الشعبية هو الإصرار الشديد على التمسك بالعادات والتقاليد في مظاهر احتفالهم، على الرغم من تغير المجتمع الذي نعيش فيه، إلا أن أفراح الحارة لا تتغير بداية من سرادقات الفرح، الكوشة، النُقطة، الرقص، الغناء الشعبي، والسهر حتى الصباح؛ لذا فقد نقلت السينما ما يحدث في الواقع سواء في أفلام قديمة أم حديثة. في حين ألاأشار المخرج خالد يوسف إلى حرص أهل المناطق الشعبية على تقديم الفرح بشكل معين، وبالتالي كان لابد من تقديمه في السينما بشكله في الواقع.. أضاف يوسف أنه قدم طقوس الأفراح في أكثر من عمل مثل «كلمني شكرًا» . سقف التناول وتؤكد الناقدة إيريس نظمي أن مشاهد الفرح في السينما كانت أكثر تعبيرًا في بعض الأحيان عن واقع هذه الأفراح الشعبية في الحقيقة، وفي أحيان أخرى كانت مبالغًا فيها، لكنها في النهاية تعبير عن الشكل الأساسي لهذه الاحتفالات المتعارف عليها منذ الفراعنة والتي لم تختلف سوى في تطور الأساليب المستخدمة وليس في شكل الاحتفال؛ لذلك لم يكن هناك أي مشكلة في تقديمها سينمائيًا، فالسينما جسدت واقع أفراح الحارة المصرية بتفاصيله الدقيقة، وأعتقد أن مستقبل السينما لن يضيف كثيرًا إلى ما تم تقديمه. النقطة الى ذلك إذا تجوَّلنا في الأفراح داخل أي حارة مصرية سنجد الكوشة، لمبات الزينة، السرادقات بكراسيها، هي الأشكال المشتركة في ظاهر الفرح، إلا أن أفراح الحواري لها وضع خاص، بعدما تحوَّلت إلى وسيلة لجمع المال في هذه الليلة، وهو ما يطلق عليه «النُقطة»، ثم تُفتح أبواق الغناء الشعبي الذي يعد جزءًا أساسيًا من أفراح الحارة المصرية.. وتختلف الحارة عن أحياء الأثرياء، وقرى الأقاليم، ففي القرية تجتمع السيدات في أحد أركان المنزل، وتقوم واحدة منهن بالغناء، ويردد الباقون خلفها أغنياتهم الفولكلورية، وتتنوع الاحتفالات بأشكال مختلفة حسب طبيعة الحفل سواء كان يوم خطوبة، ليلة حنَّة، أم ليلة الزفاف، فتعلو الزغاريد والطبول، لكن الشائع في أغنيات الأفراح الشعبية اعتمادها على التكرار اللفظي وصراحتها، إضافة إلى إيحاءات جنسية لبعض الألفاظ. ليله الحنَّة أصبحت ليلة الحنة، وهي الليلة السابقة لليلة الزفاف والتي تعد الأخيرة بالنسبة للعروس في بيت الأهل، تقتصر على أفراح الطبقات الشعبية في أماكن محدودة أمام منزل العروس؛ حيث تقوم أسرتها بشراء الحنة من العطارين، ويتم عجنها بالماء وبعض المواد الطبيعية وسط زغاريد النساء ويتركونها فترة تتجاوز الساعتين حتى يحين الليل، وبعدها تجتمع النساء حولها ويقومون بالغناء للعروس بأغنية فايزة أحمد الشهيرة «الحنة يا الحنة.. يا قطر الندى» وتردد النسوة وراءها، وبعدها يتم تخضيب كفي العروس بواسطة احدى قريباتها قبل وصول العريس الذي يأتي مع أسرته بحناء مماثلة في آنية مُحاطة بالشموع، ثم تقوم العروس بغسل يديها لتضع حناء العريس عليها بعد أن يجلسا سويًا في نموذج مُصغَّر للكوشة فترة لا تزيد على الساعة وسط موسيقى «الدي جي» والغناء الشعبي والرقص البسيط، ثم يتسابق الأطفال بالظفر بما تبقى من كمية الحناء؛ ليضعوها على أيديهم وسط ضحكات وقفشات الجميع. ليلة الزفاف في يوم الزفاف يُنصب السرادق وترص الكراسي وتوضع طاولات لأصحاب المزاج في الحارة، وما أن تقترب الساعة من 12 ليلاً يتم وضع أطباق مخدرات البانجو، الحشيش وغيرها التي يوزعها أصحاب الفرح كتحية للمدعوين.. مؤكدًا لهم أن يكونوا على راحتهم، فالفرح بعيد عن أعين الشرطة، وحاصل على تصريح بالسهر. وطوال هذه الليلة لا ينقطع الرقص والغناء الشعبي بحضور مطرب شعبي وراقصة ومَن أراد أن يشاركهما الرقص من الضيوف وشباب الحي، ثم يترك العروسان مراسم الفرح، ويتوجهان إلى عشِّ الزوجية، لكن السهر والغناء والرقص يستمر حتى مطلع الفجر. ظروف اقتصادية ولا تستطيع كل العائلات في الحارات المصرية تنفيذ أفراحها بهذا الشكل، فهناك من يقوم بالاستعانة بـ «الدي جي» عوضًا عن الفرقة والمسرح والراقصات توفيرًا للنفقات، إلا أن المخدرات تعتبر القاسم المشترك في كل الأفراح، فيما عدا التي تتم في النوادي أو دور المناسبات الموجودة في الحي؛ حيث تخضع لرقابة الجهات التابعة لها أو الشرطة.