2012/07/04

فوق الطاولة نهاري خارجي..
فوق الطاولة نهاري خارجي..

سامر محمد إسماعيل – تشرين دراما

يصر الناس دائماً على رؤية نجمهم المفضل في أماكن التصوير الخارجية، يتحلقون حول المشهد، يتزاحمون للدخول إلى قلب الكادر التلفزيوني، يشيرون إلى نجمتهم وهي تحمل أكياس الخضار في طريقها إلى بيتها في المسلسل، النجمة لا تفعل شيئاً، إنها تمثل الآن دور المرأة المنهمكة في أداء واجباتها التلفزيونية، وعلى الرغم من أن عشرات النساء يحملن يومياً أكياس الخضار في مشهد مشابه وأكثر واقعية، إلا أن النجمة التي تحمل أكياسها تبدو الآن أكثر جاذبية للمارة، فالكاميرا الدائرة لأخذ اللقطة في إحدى شوارع العاصمة تجعل منها نموذجاً، أفراد فريق العمل التلفزيوني يتصايحون في الشارع: إضاءة.. استعداد صوت.. خمسة أربعة تلاتي تنين.. لكن ما الذي يحدث؟ تمر النجمة وفي يديها أكياس الخضار، وتنتهي اللقطة عندما تُفاجأ بزوجها يتمشى مع عشيقته قاطفاً لها ياسميناً من شجيرة عابرة، فيما كانت تظن أنه في عمله، تنتهي اللقطة على وجه المرأة المخذولة، فتسقط أكياس الخضار من يديها..

صوت المخرج: ستوب.. ممتاز يا مدام.. الآن لنأخذ «إنسيرتات».. ‏

الجمهور المتجمع لرؤية هذا المشهد «الخطير» يقول في بال حاله: ما أصعب التمثيل..! الجمهور الذي يحمل الخضار يومياً يتابع مشهداً عن نفسه، عن حمَلة الخضار الذين لا تأخذهم الكاميرا، إلا أنهم يفرحون لما رأوه، فالمشهد على سذاجته وتكراره في مسلسلاتنا السورية يعكس حالة من الدقة والنظام في تركيبه، كيف تمشي البطلة متعبةً من حملها الثقيل، كيف تُفاجأ بزوجها الخائن، كيف ترمي الأكياس، كيف تنحني على رصيف الشارع للملمة الكوسا والبندورة والبصل، كيف تبكي فوق خضارها، فيما يمر الزوج وعشيقته بقربها، وكيف تشاهد ياسمينه في يد خليلته فتختنق برائحة ورودٍ ليست لها..إلخ. ‏

الجمهور وبعد انتهاء التصوير يتابع بجدية، ويريد إكمال الحكاية، يريد الذهاب إلى مواقع أخرى لمتابعة البطلة وهي تقشّر البصل وتبكي فوق الطبخة، فيما يبكي أطفالها حولها في مشهد ليلي داخلي، لكن البطلة تركب سيارتها الفارهة ضاحكةً على ما كانت عليه قبل قليل، الجمهور يتلقى صدمة عالية، فالمرأة المنكوبة التي كانت تجر أكياسها قبل دقائق تتحول إلى سيدة جميلة تجلس على مخمل وثير وراء مقود سيارتها الموديل، تلوّح للجمهور من وراء نافذة السيارة، ثم تُقلع تاركةً خلفها أكياس الخضار وعيون الناس المهروسة. ‏

الجمهور يتابع المشهد التالي: ‏

امرأة عادية تمر بأكياس خضارها وتشاهد فريق التصوير، فتسهو لتصدمها سيارة البطلة ذاتها؛ ترتمي الأكياس الواقعية على الرصيف الواقعي، وتتمدد المرأة الواقعية مدماةً فوق خضارها الواقعية أيضاً، لكن أحداً لا يدهش لذلك.. ما أصعب