2012/07/04

فيلم خزانةالألم رامبو القرن الحادي والعشرين في العراق هذه المرة!
فيلم خزانةالألم رامبو القرن الحادي والعشرين في العراق هذه المرة!

  انس زرزر – جريدة البعث حصد الفيلم الأميركي «خزانة الألم THE HURT LOCKER» لمخرجته «كاثرين بيغلو» ست جوائز أوسكار هذا العام من أصل التسع التي رشح لها، أهمها جائزة أفضل إخراج، باعتبارها المرة الأولى في تاريخ هذه الجائزة العريقة التي تحققها مخرجة امرأة، بالإضافة إلى جائزة عن فئات أفضل فيلم، وأفضل إنتاج، وأفضل مؤثرات صوتية، وأفضل مونتاج صوتي، وأفضل نص.
قام ببطولة الفيلم كل من رالف فاينس، جاي بيرس ،جيريمى رينر وإيفانجلاين ليلي، أما مجرياته فهي  مقتبسة عن أحداث حقيقية مأخوذة من وثائق لوزارة الدفاع الأمريكية، حولها إلى سيناريو  الصحفي الأمريكي مارك بول الذي رافق الجنود الأمريكيين في العراق لفترات طويلة، وتدور الأحداث حول فرقة من القوات البحرية الأمريكية التي تعمل في إزالة الألغام والمتفجرات في العراق، وما تتعرض له من ظروف مختلفة محفوفة بالمخاطر، نظراً لتحول المنطقة إلى حقل ألغام كبير كما يقدمها الفيلم، وهنا تلعب هذه الفرقة دور المخلص البطل الذي يخاطر بحياته في سبيل التخلص من الإرهاب وأعماله الإجرامية.
مع بداية الفيلم ومشاهده الأولى تضعنا المخرجة في أجواء الرعب والترقب وشد الأعصاب، بينما يقوم عناصر الفرقة بنزع فتيل لغم زرع على ناصية أحد الطرقات، لكن هذه العملية لا يكتب لها النجاح، مما يتسبب بمقتل قائد المجموعة، على أثرها يكلف السيرجنت وليام جيمس «لعب الدور جيريمى رينر» بقيادة المجموعة وهي المهمة الأصعب والأخطر على الإطلاق، تتميز شخصيته بالتمرد على القوانين العسكرية والفوضى في عمله غير مكترث بوسائل الأمان التي تتطلبها مهنته، إنها لعبة الموت والرقص مع المخاطر.
لم يقدم الفيلم سيناريو مبنياً على أحداث درامية تقليدية، إنما اعتمد بشكل أساسي على رصد تأثير الحرب على الواقع النفسي للجنود الأمريكيين، حيث قدمت المخرجة ثلاثة نماذج مختلفة من الشخصيات، الأول الرقيب وليام المتهور الذي لم يعد يأبه  بسلامته أو سلامة رفاقه، لا يهمه شيء سوى النجاح في تفكيك الألغام بعيداً عن  الأنظمة والقوانين العسكرية المتبعة، والثاني الرقيب ماتيو طومسن الرعديد والمتردد في كل شيء، لا يستطيع اتخاذ قرار بإطلاق النار على أحد إلا بعد الرجوع إلى قائد مجموعته وإن كان بموقع الدفاع عن النفس، يتعرض للأسر، لكن أصدقاءه في المجموعة ينجحون في تخليصه سريعاً، والأخير الرقيب جيتي سانبورن الملتزم بالأنظمة والقواعد العسكرية الصارمة والمندفع في تنفيذ المهام الموكلة إليه. لخص الأصدقاء الثلاثة أحوال الجيش الأمريكي الذي لم يستطع إلى الآن إيجاد علاقة جيدة مع العراقيين على الرغم من ادعاءات  قادته الدائمة بأنهم جاؤوا  لتحقيق السلام والحرية للشعب الأعزل، حيث يظهر الفيلم جنود المارينز يتنقلون في شوارع العراق بعربات مصفحة علقت عليها لافتات حملت عبارة باللغتين الإنكليزية والعربية «ابتعد عن المركبة مسافة 100 متر وإلا ستتعرض لإطلاق النار»، كل شيء مخيف ومرعب بالنسبة لأفراد الجيش الأمريكي المدججين بأحدث التكنولوجيا العسكرية، حتى السكان العزل، كما تعمدت المخرجة مع فريق عمل الفيلم إظهار العرب أنهم مجموعة من الرعاع لا خلفية لهم ولا هدف سوى زرع الألغام هنا وهناك بشكل فوضوي، دون أن تتطرق إلى معاناة الشعب العراقي من الفوضى الأمنية، ومن وجود الجيش الأمريكي نفسه، بالوقت الذي أظهرت فيه قوات المارينز وفرقة إزالة الألغام على أنهم جنود بواسل يضحون بحياتهم من أجل إرساء الأمن والنظام في شوارع عاصمة الرشيد، أما وجود العرب في الفيلم، فقد وظفته بطريقة تخدم فكرتها هذه فقط. إنها الصورة التي يرغب قادة البنتاغون تعميمها ونشرها في العالم كله، غير مكترثين بجرائم سجن أبو غريب، ولا بالمجازر الدموية التي يرتكبها الجنود الأمريكيون يومياً، وهذه السياسية ليست بجديدة على السينما الأمريكية، فجميعنا يتذكر سلسلة أفلام رامبو التي أداها الممثل الأمريكي سيلفستر ستالوني، هذه الشخصية البطولية التي حفظت ماء وجه الحكومة الأمريكية على الصعيد الشعبي بعد الهزيمة القاسية التي تلقتها في حرب فيتنام، وساهمت في الرفع من معنويات الجماهير التي ضللتها السياسة الرعناء. هنا حاول صناع فيلم «خزانة الألم» إعادة الكرة لكن بأسلوب مختلف تماماً، أخف عنفاً ومبالغة عن سابقاتها، قدمت شخصية البطل بطريقة أكثر إنسانية إنه المخلص الذي يعرض نفسه للموت دائماً من أجل تحقيق السلام والأمن ومحاربة الإرهاب، وإن كانت الحقيقة على أرض الواقع غير ذلك تماماً.
من الناحية الفنية، سيطرت المشاهد الخارجية على مجمل تفاصيل الفيلم، حيث أظهرت واقع العراق المأساوي، بينما اقتصرت المشاهد الداخلية على حوارات المارينز داخل غرفهم والتي تبين مدى إحباطهم وحلمهم بالعودة إلى بلادهم والزواج بمن يحبون، واستعادة الذكريات الجميلة بعيداً عن رعب العراق الذي صنعوه بأيديهم. كما استخدمت المخرجة كاميرات صغيرة الحجم ساعدتها في تصوير بعض المشاهد داخل عربات الجند المدرعة والسرعة في الحركة، ومتابعة حركة الممثلين، أما التفجيرات التي تكررت كثيراً لم تصل لدرجة الإقناع إذا ما قورنت مع ما نشاهده من آثار التفجيرات الحقيقة في العراق.
يبقى المشهد الأخير في الفيلم أكثر إثارة للجدل، حيث يظهر بطل الفيلم الرقيب وليام جيمس رافضاً البقاء في بلاده، بعد أن أنهى فترة خدمته العسكرية في العراق على أكمل وجه، مودعاً صديقته ليعود إلى أرض العراق، ويتابع نزع الألغام المنتشرة في كل مكان، مساهماً مع رفاقه الأبطال بإرساء السلام والأمن لهذا البلد المسكين! إنه رامبو القرن الواحد والعشرين الذي صنعته السينما الأمريكية في محاولة واضحة ومباشرة لتغطية فشل حكومتها في تضليل الرأي العام العالمي عما يحصل في بلاد الرافدين، وتحقيق هذا الفيلم المتواضع من كافة النواحي الدرامية والفنية والفكرية لجائزة الأوسكار أكبر دليل على ذلك..