2012/07/04

قمر الزمان علوش: في "كليوباترا" كان هناك مؤامرة حقيقية على المخرج
قمر الزمان علوش: في "كليوباترا" كان هناك مؤامرة حقيقية على المخرج

إن المعيار الحقيقي لمستوى الدراما مرهونٌ دائماً بمدى اقترابها من البناء الروائي.

من حقنا أن نرتقي بالجمهور ونجعله ينظر أيضاً نحو السماء بدلاً من النظر دائماً نحو الأرض والشارع.

أعمال السيرة ليست مجرد سرد لأحداث وتواريخ ماضية.

عائلة "نزار قباني" انتقدتني قبل أن تنظر إلى الطريقة التي عالجت بها المسلسل.

لو كنت على علمٍ بالظرف الإنتاجي بـ"كليوباترا" لكنت أكثر رأفةً بالمخرج.

طلبت من المخرج إلغاء المشاهد الحربية لتجنب إظهارها بمستوى منخفض.

على المصريين أن يحولوا "زاهي حواس" إلى القضاء لسكوته عن الأخطاء التاريخية كل هذه المدة.

خاص بوسطة- رامي باره


بعد عمله الطويل في الكتابة الروائية والصحفية، دفعه "أيمن زيدان" و"حسن م يوسف" لدخول مجال الدراما، فحركوا في داخله الكاتب التلفزيوني المحترف لينال منذ خطوته التلفزيونية الأولى ذهبية مهرجان القاهرة لأفضل سيناريو مناصفةً مع الراحل "أسامة أنور عكاشة" عن عمله الدرامي الأول "هوى بحري"، وليتنقل بعدئذٍ بين أعمال تلفزيونية عديدة من "أرواح مهاجرة" و"طيور الشوك" و"ليل المسافرين" إلى أعمال السيرة التي أثارت دائماً الجدل كـ "نزار قباني" و"أسمهان" و"كليوباترا"، وها هو اليوم يجلس أمام ورقه الأبيض ليكتب عملاً آخر عن سيرة "بديعة مصابني".


بين الرواية والتلفزيون

كيف يمكنك الفصل دائماً بين تقنيات الكتابة الروائية وتقنيات الكتابة التلفزيونية أثناء العمل؟


الرواية بطريقة بنائها وبكل تفاصيلها هي تماماً كالدراما، فقط عليك أن تعرف أين تنهي المشهد، أما ما تبقى فهو روائي بامتياز، وباعتقادي إن المعيار الحقيقي لمستوى الدراما مرهون دائماً بمدى اقترابها من البناء الروائي.

كيف تقيّم عملك قبل وضعه بين يدي المخرج؟


الكاتب المحترف لا يخرج من يديه مشهد غير راضٍ عنه، أو دون أن يكون قد درسه من جميع النواحي الفنية والفكرية...

أنا دائماً أسأل نفسي إن كنت قد أوصلت الفكرة التي أريدها من المشهد بأفضل طريقة من المعالجة وبأفضل طريقة من الحوار والحدث، فالكاتب نفسه هو أقدر الناس على تقييم عمله، وأنا شخصياً لا أُسلم مشهداً قبل اقتناعي بأنني قدمت أفضل ما لدي، وأنا أهتم بكل مشهد بنفس المستوى، فأصعب المشاهد هي مشاهد الحلقات الأولى التي مهمتها كالجسور التمهيد للأحداث القادمة وإعطاء معلومات عن الشخصيات وزراعة الألغام للحبكات اللاحقة، فهي بحد ذاتها لا تعتبر مشاهد مثيرة، والصعوبة التي أجدها هي في تحويل هذه المشاهد نفسها إلى دراما مؤثرة، وعندما أضع هذه البدايات بكل كلمة وكل حرف أكون على دراية بنهاياتها في الحلقات الأخيرة.

ما رأيك بالعرف الدرامي الذي فرض على الكاتب إنجاز نصه في ثلاثين حلقة؟


أنا من ناحيتي أفضل الأسلوب السينمائي الذي يروي من خلاله الكاتب قصته في زمن درامي مستمر دون أن ينقطع التواصل بينه وبين المشاهد، ولكن باعتقادي إن ما فرض عدد الحلقات الثلاثين هو افتراض الموسم الرمضاني على أنه موسم عطالة، فلا يمكنني أن أفهم لماذا افترضوا بأن الصائم لا يذهب إلى عمله في هذا الموسم، وهو بحاجة فقط للمتعة والترفيه وكأنه يحمّل الآخرين عبء صيامه، وهذا الافتراض أصبح أساساً لفكرة موسم العروض، بالإضافة إلى اعتماد الشركات على هذه الفترة كأساس لتسويق أعمالها، مما جعل الفترات التي تتلو الفترة الرمضانية تخلو من بريق الجدل الدرامي، وأصبحت الأعمال التي تُعرض بعد الموسم تلقى بريقاً أقل بكثير مما كانت عليه خلال العرض الأول،

وتحويل الموسم الرمضاني إلى موسم تجاري واستغلال الدراما كأهم وسيلة لترويج السلع خلال هذا الموسم، جعلنا نعلم ككتّاب بأن أعمال الدراما الرصينة والعميقة لن تلقى رواجاً أو متابعةً خلال الموسم، وهذا الأمر كان واضحاً في عمل كـ "كليوباترا".

الجمهور في هذا الموسم لا يحب أن يتابع أعمال ثقافية تحتاج لتفكير وتمعن بل يبحث عن دراما سريعة التذوق يجد فيها يوميات بسيطة تشبهه وهذا من حقه، ولكن من حقنا أيضاً ككتّاب أن نرتقي بالجمهور ونجعله ينظر أيضاً نحو السماء بدلاً من النظر دائماً نحو الأرض والشارع، بمعنى الارتقاء بذوقه وفكره وتأملاته.

بين العمل الروائي والعمل الدرامي أين يجد قمر الزمان علوش متعته الأكبر؟


بالتأكيد في العمل الروائي حيث أكتب بحريتي دون حدود مكانية أو زمانية أو رقابية، حيث أطرق مجالات كثيرة تعتبر في الدراما من المحرمات.

إذن في المستقبل البعيد ترغب بأن يذكرك الجمهور ككاتب روائي؟


لا أريد أن أظلم الجانبين، فأنا عُرفت ككاتب درامي أكثر من روائي، حتى أن الشاعر "أدونيس" في لقائنا الأخير أخبرني بأنه أُعجب بروايتي الأخيرة "بريد تائه" وأحبها كثيراً لكنه استغرب بأنني معروف ككاتب درامي أكثر من روائي، فأجبته بأنني صدقاً لا أعرف الإجابة على هذا السؤال.

ربما لأن الجمهور لا يقرأ؟


هذا أحد الأسباب ولعل السبب الآخر هو أنني لم أسوّق نفسي ككاتب روائي كما يجب، حتى أنني لم أسوّق نفسي ككاتب درامي، أنا أكتب دائماً في منزلي ولا أهتم بما يحدث في الخارج، وليس من هوايتي السعي وراء الأضواء والشهرة.

أعمال السيرة


لماذا هذا الاتجاه نحو أعمال السيرة؟


أنا حتى الآن لم أكتب شيئاً من اختياري، فكل أعمالي التلفزيونية من البداية حتى "بديعة المصابني" الذي أعمل على كتابته اليوم كانت بناءً على اقتراحات شركات أو أصدقاء وليست من اختياري الشخصي.

إذأً ما نوع العمل الذي ترغب حقيقةً في كتابته؟


أرجو ألا أُفهم بشكلٍ خاطئ فهذا لا يعني عدم الرضا عن أعمالي، فأنا صحيح لم أختر أياً من الأعمال التي أنجزتها، ولكنني بعد موافقتي على الموضوع المطلوب مني كنت اتقبل العملنفسياً وروحياً وفكرياً، ويصبح هذا الموضوع جزءاً مني ومن إبداعي واستعد لإنجازه كما يليق.

ما هي مصادر المعلومات التي تعتمدها في كتابة أعمال السيرة؟


أولاً أقرأ كل ما توفر عن هذه الشخصية من كتب، وأطلع على الصحف الصادرة في زمن الشخصية التي أكتب عنها، أما الانترنت فلا أعتمد عليه أبداً لأنني سبق وجربت البحث من خلال الشبكة عند كتابتي لـ "نزار قباني" وكانت النتائج قليلة الأهمية وأحياناً غير صحيحة، ولكن أهم مصدر بالنسبة لي هي المذكرات التي تكتبها الشخصية إن وجدت، وطبعاً اتصل بالأشخاص الذين يعرفون الشخصية، ولذلك مكثت أسبوعاً في السويداء قبل أن أكتب مسلسل "أسمهان" لأتعرف على بيئتها وعائلتها والأهم من ذلك لأعرف إلى أي حد يمكنني الاقتراب من حياة الشخصية التي أكتب عنها، وإلى أي حد عليّ أن أُخفي جوانب أخرى من حياتها قد تتأثر منها الأسرة أو البيئة الاجتماعية.

إذاً في هذه المرحلة تحصل على كم هائل من المعلومات، وإذا اعتبرنا أن كتابة السيرة هي انتقاء لهذه المعلومات، فكيف تقييم وتحدد المعلومات التي ستضعها في عملك؟


بالدرجة الأولى اختار المعلومات التي تحوي حدثاً أو قصة، ولذلك كان هناك صعوبة في كتابة "نزار قباني"  الذي لم يكن في حياته فاعلية درامية على مستوى الحدث، ودور الشاعر وحده لا يكفي لصناعة عمل من ثلاثين حلقة يليق بمكانة نزار قباني، ولذلك كانت كتابة المسلسل مسألة مربكة في ظل غياب أحداث كبرى في حياة نزار الشخصية.

ألهذا السبب شاهدنا جانباً كبيراً من الأحداث السياسية العامة في المسلسل؟


هذا هو البديل التلقائي أن أكتب عن العصر الذي عاش فيه نزار، ولكن كما رآه نزار وكما عاشه وكما كتب عنه فناً وشعراً.

وبالمناسبة هناك نسبة 25% من النص الذي كتبته اُنتزعت درامياً من العمل، وأثرت كثيراً على المسلسل، وتم التعويض عنها بمشاهد مطولة لأشعار نزار، وهذا لا يناسب الدراما، فمن يريد الإطلاع على شعر نزار يمكنه العودة لدواوينه خارج متابعة الدراما.

هل تتدخل بالتفاصيل الأخرى لأعمال السيرة كالإخراج أو الديكور أو الاكسسوار خصوصاً وأن هذه الأعمال تحمل خصوصية تاريخية معينة؟


أنا منذ البداية قررت عدم التدخل، وربما كنت بهذا مخطئاً، فلو فرضت بعض التفاصيل على المخرجين سابقاً باعتقادي كنا سنتلافى الكثير من الأخطاء التي وقعنا بها، ولكن المشكلة أن الجميع يوهمك بأن لا علاقة لك بالنص بعد أن يخرج من بين يديك، وأنا سلمت نصوصي بثقة كبيرة للمخرجين بناءً على أنهم فهموا الرؤية التي أقدمها في العمل، والمشكلة هنا عندما يستخف المخرج أو يتجاهل بعض جوانب النص تحت وطأة الظرف الإنتاجي، فعتبي على المخرجين الذين تعاملت معهم لم يكن بسبب ما نفذوه من النص، فحقيقةً كل ما نُفذ كان جميلاً، ولكن عتبي على عدم تنفيذهم للجزء المتبقي، فباسل الخطيب تحديداً نفذ نصي بأسلوب مبدع، ولكن مشكلتي هي لماذا لم ينفذ الجزء المتبقي من النص.

هل حاورته بهذا الموضوع؟


طبعاً فنحن أصدقاء قبل كل شيء.

وماذا كان الرد؟


أفضّل أن تسأله، ولكن بكل الأحوال سيجيبك بذريعة أنك عندما تكون أمام الورق ستضع معايير مختلفة تماماً عن المعايير التي تضعها في موقع التصوير، وهذه الذريعة بالنسبة لي خاطئة لأنني عندما أكتب أضع في حساباتي معظم الجوانب المتعلقة بالتنفيذ، من زوايا الكاميرا إلى حركتها إلى حركة الممثلين...، ولهذا لا أجد هذا الجواب مقنعاً، ومع ذلك أقدر الظرف الإنتاجي الذي يعمل به المخرج محكوماً بأربعة أشهر أو أقل لإنجاز العمل.

في أعمال السيرة تعاملت مع مخرجين كثر كـ "باسل الخطيب" و"شوقي الماجري" و"وائل رمضان"، أياً منهم كان أكثر إخلاصاً لنصك؟


كل عمل من أعمال السيرة التي كتبتها  يمتلك روحاً خاصة تميزه عن الأعمال الأخرى، ما يهمني في المخرج أن يلتقط روح العمل، فأجواء "أسمهان" وحياتها الفنية والغنائية والاجتماعية تختلف مثلاً عن أجواء "كليوباترا" السياسية والعسكرية، وباعتقادي مجرد التقاط المخرج لجزء من هذه الروح سيضمن جزء كبير من نجاح المسلسل، ولو عاد الأمر لي فإن أياً من هذه الأعمال كانت تحتاج لعمل ثلاثة مخرجين على الأقل، ليس انتقاصاً من قدرة الأسماء التي ذكرتها، ففي "كليوباترا" مثلاً كنا بحاجة لثلاثة مخرجين بقدرة "وائل رمضان" لتنفيذ العمل بأسلوب ممتاز ضمن أسوأ ظرف إنتاجي متاح.

وفي "أسمهان" أيضاً كنا بحاجة لثلاثة مخرجين أيضاً، فخصوصية جبل العرب تختلف عن البيئة المصرية التي تختلف بدورها عن الأجواء البيروتية، فروح الجبل وخصوصيته الواضحة في النص لم تظهر في المسلسل.

هل السبب أن المخرج تونسي؟


لا يمكنني تفسير المسألة إلا من هذه الناحية، ولذلك لم يستطع المخرج التقاط روح البيئة في هذا المكان، فرقصات الأفراح في جبل العرب مثلاً وضِعت في النص بعد أن طلبت من "ممدوح الأطرش" أن يكتب ثلاثين صفحة عنها، ولكنها ظهرت في المسلسل ضعيفة ومختزلة جداً وليس لها علاقة بفن الجبل الذي تنتمي إليه أسمهان.

وأنا أيضاً وضعت خط درامي لوالدة أسمهان التي باعتقادي تفوق أسمهان أهميةً بكثير من حيث الصوت والحضور التريخي، لكنني لم أشاهدها في العمل بعد إنجازه إلا بأسلوب توظيفي مختصر.

ما الفائدة من كشف جوانب شخصية وخاصة من حياة الشخصية التي تكتب عنها؟


هذه الناحية كثيراً ما يُساء فهمها سواء من الجمهور أو من جانب الذين لهم صلة بالشخصية، المسألة تحكمها عدالة الكاتب، فالكاتب العادل فنياً عندما يستعرض أحد المواقف الغريبة أو غير المألوفة التي تعرضت إليها الشخصية، عليه أن يضعها ضمن بند الغرابة فقط، دون أن يطلق عليها أية صفة إدانة فوقية، فعلى الكاتب ألا يتخذ موقف المحقق أو القاضي مع الشخصية التي يتحدث عنها محولاً الحدث (غير مألوف) إلى جريمة اقترفتها الشخصية،

وأنا أتطرق أحياناً لبعض هذه الجوانب لأنني لا أرى أعمال السيرة مجرد سرد لأحداث وتواريخ ماضية، وإنما هي أسلوب فهم لطريقة تعامل الشخصية مع الصعوبات التي واجهتها في حياتها لإدراك العالم، فالمسألة ليست مسألة تأريخ وثائقي للشخصية، وإنما تحويل وعي المراحل التي عاشتها الشخصية إلى موضوع عام، وأنا رغم ذلك لست مع نبش القبور والاقتراب من العيوب التي اقترفتها الشخصية أو الإساءة إليها ولو من بعيد، فلو كتبت في عملي مثلاً أن "نزار قباني" كان شديد البخل، وهي صفة معروفة عنه، أكون قد أسأت إليه وشوهت صورته أمام قارئي شعره وأمام الأجيال التي ستقرأه فيما بعد.

ولكن ألم يحن الوقت للتعامل بصدق مع هذه الشخصيات التي قدمت نتاجاً فنياً قد يكون محصلة لكل التجارب التي مرت بها (سواء السيئة منها أم الإيجابية)، وهذا ما نراه في أسلوب المعالجة في دراما السيرة الغربية ؟


هنا الاختلاف الثقافي في العادات والتقاليد حكماً يؤدي إلى اختلاف في طريقة الفهم والتقبل لدى الجمهور، فما يُعتبر في الغرب مجرد موضوع إنساني يستدعي الإضاءة قد يعني في الشرق جريمة أخلاقية واجتماعية كبرى، ورغم مراعاتي لهذه المسألة كتبت في "نزار قباني" أنه أحب عدداً من النساء في حياته كما كتب هو نفسه في مذكراته، فقامت الدنيا ولم تقعد من جانب أقربائه وبناته، فبتُ على يقين بأن أياً منهم لم يقرأ شيئاً مما كتبه نزار قباني لأن ما صرحوا به حينها كان دليلاً قاطعاً على جهلهم بنزار سواء أكانت "رنا قباني" أو غيرها، باستثناء "صباح قباني" الذي لم أعرف رده بعد عرض العمل، ولكن المؤسف أنهم لم ينظروا إلى الطريقة التي ظهر بها نزار وإنما استاؤوا لأنهم لم يحصلوا على مبلغ كبير كانوا يتوقعونه من تنفيذنا للعمل، وبالمقابل اتهمني كثيرون بأنني أظهرت نزار كشخص أسطوري وبالغ المثالية.

هل يعني ذلك أننا لن نشاهد أخطاء "بديعة مصابني" في عملك المقبل؟


في "بديعة مصابني" الأمر مختلف، لأن بديعة تركت وراءها مذكرات مكتوبة وهي معترفة بأخطائها وبكل ما حدث في حياتها، فهنا أصبحت مسؤوليتي الالتزام بما قالت،ه وبالتالي عندما أكتب عنها ما هو صحيح ودرامي فضميري سيكون مرتاحاً.

أما من حيث المبدأ فإنسانة مثل "بديعة مصابنة" قدمت المتعة الفنية للآخرين، وكانت مصدر إلهام لكثيرين، فهي جديرة بأن تكون موضوعاً للفن مثلها مثل بقية الشخصيات السياسية والأدبية التي يمكن أن تنال مثل هذه الجدارة.

إذاً المسألة مسألة ضمير فأنا ضد ما يُعرض في درامنا من زنى محارم إلى اغتصاب أطفال وما إلى هنالك، وأعتبر عرض هذه الدراما على شاشة التلفزيون جريمة كبرى، فليس من الضروري أن ينتقل كل ما في الواقع إلى الفن، وبرأيي التطرق لهذه المواضيع هو دليل ضعف الكاتب الذي أصبح يحاول جذب الجمهور بهذا الأسلوب، فجماهيرية صحف الجرائم مثلاً لا تعبر عن المستوى الثقافي الذي تحمله هذه الصحف، بل عن استغلال هذه الصحف للغرائز البشرية التي قد تكون منحطة أحياناً.

أيضاً "وائل رمضان" المخرج" و "سلاف فواخرجي" بطلة العمل؟


طبعاً.

لماذا "سلاف فواخرجي" مجدداً؟


أريد الإجابة بالسؤال الذي وجه لي أثناء كتابة "كليوباترا" عندما سألوني بمن تقترح عدا "سلاف" ليقوم بالدور فأجبتهم: بوجود سلاف لا يمكنني أن أتخيل "كليوباترا" أخرى.

"كليوباترا"

"كليوباترا" لم يلقَ بريقاً في الموسم الفائت؟

في "كليوباترا" كان هناك مؤامرة حقيقية على المخرج "وائل رمضان" من داخل العمل وخارجه بكل ما في الكلمة من معنى، ولكن لنعد إلى بداية العمل، فعندما أُسندت إلي كتابة المسلسل قامت كل المؤسسات المصرية ضدي ككاتب سوري يكتب العمل، بما فيها المؤسسات الصحفية والتلفزيونية والنقابية والآكاديمية، وأُحرجت الشركة المصرية المنتجة، فلم يعد بإمكانها التراجع عن تكليفي، وبالمقابل لم يعد بإمكانها تجاهل الضغوط المصرية الواقعة عليها سواء من نقابة الفنانين أم من اتحاد الكتّاب، فاضطروا في النهاية أن يشاركوا جهة إنتاجية تابعة للقطاع العام لإنتاج المسلسل كي يزيلوا الشبهة عن إنتاج العمل بأموال شركة سورية بغطاء مصري، ورغم ذلك انتظروا بفارغ الصبر حتى يُعرض العمل ليشنوا هجومهم عليه.

وتقدم النص إلى رقابة التلفزيون المصري فقُيم بحسب التقرير النهائي بمنح العمل درجة ممتاز، وهي درجة لم يحصل عليها سابقاً في تاريخ التلفزيون المصري سوى الكاتب "أسامة أنور عكاشة"، وعندها صمتت الصحافة المصرية حتى موعد عرض المسلسل.

وأثناء تنفيذ العمل وضعت الشركة المصرية "وائل رمضان" تحت أسوأ ظرف إنتاجي ممكن، بحيث توقف المخرج لخمس مرات عن التصوير، وكان سينسحب من العمل أكثر من مرة لولا محاولاتنا إقناعه بالمتابعة، واستمر "رمضان" في التصوير تحت ظل حرب حقيقية متعددة الأطراف، منها طرف سوري لم يكن راضياً بتسليم "وائل رمضان" لدفة القيادة لعمل بهذه الضخامة، وطرف آخر مصري استاء من إسناد العمل لكاتب ومخرج وأبطال سوريين.

والحقيقة أن الطعنة الكبرى كانت في ظهر "رمضان"، فأنا كتبت بحرية وخيال كبير بعد أن أخبرتني الشركة بأن ميزانية العمل مفتوحة بلا حدود بما فيها المعارك والجيوش والسفن والمدن والدمار، فكتبت عن مواقع تصوير كثيرة تجاوزت الـ 350 موقع، ولو كنت أعلم بما سيحصل لكنت أكثر رأفةً بالمخرج.

ولكننا أثناء التنفيذ اكتشفنا بأننا خُدعنا، وهذا ما أدى لظهور تفاوت كبير بالمستوى الفني في أجزاء المسلسل، وهذا ما دفعني أيضاً لأطلب من المخرج إلغاء المشاهد الحربية لتجنب إظهارها بمستوى منخفض.

هل يمكننا أن نعرف تفاصيل أكثر عن الظروف الإنتاجية للعمل؟


الحرب التي شنت ضد المخرج شملت عدم صرف ميزانيات الإنتاج، وعدم توفير الممثلين وعدم توفير الحد الأدنى من الأعداد المطلوبة من الكومبارس، ففي يوم واحد زرت فيه موقع التصوير وجدت المخرج وفريق العمل ينتظرون مائتي كومبارس تحت الشمس المحرقة من الصباح حتى المساء ليمثلوا أحد المشاهد الحربية، لكننا تفاجأنا بأن الواصلين في نهاية النهار كانوا 15 شخصاً فقط.

حتى أن "وائل رمضان" كان يطلب مرات عديدة إرسال الخادمتين اللتين كانتا قد صورتا مشاهد سابقة  مع كليوباترا لتصوير مشهد وفاة الملكة مع الخادمتين بعد شربهن السم كما هو موثق تاريخياً، ليضطر المخرج أخيراً لتصوير وفاة كليوباترا وحدها بعد أن تجاوز الزمن اليوم العشرين من رمضان ولم تُرسل الممثلتان اللتان لعبتا دور الخادمتين، وفي هذا المثال البسيط فقدت نهاية المسلسل دلالة درامية وتاريخية عظيمة.

حتى "أدونيا" لم تمنح أي ترشيحاً لـ "كليوباترا" بحجة أنه عمل مصري؟


هذه أحد أشكال الظلم الواقعة على العمل، مضافاً إليها عدم إنصاف المسلسل بتوقيت العرض والمحطات العارضة، مع العلم أن المصريين رغم عرضهم للمسلسل إلا أنهم اعتبروه أيضاً عمل سوري لأن كاتبه ومخرجه وأبطاله سوريون.

ما أكثر الانتقادات المصرية التي أزعجتك شخصياً؟


في مصر قبل نهاية عرض المسلسل بعشرة أيام خُصصت ساعتان في برنامج للحديث عن الدراما والتاريخ ومناقشة مسلسل "كليوباترا" على الفضائية المصرية الثقافية، وهنا كان الألم العميق الذي شعرت به، وسببه بأن مصر العظيمة التي تعلمنا منها كل شيء بما فيه الفن تُختزل في النهاية وبعد هذا التاريخ لهذا المستوى المتدني من النقد التاريخي في ساعتين تلفزيونيتين، فيا ليتك سمعتهم في الحلقة عن ماذا تحدثوا، لتعرف لأي درجة كان الإسفاف والتدني في أسلوب تحليل التاريخ في كيلوباترا.

ما الذي أزعجك في تحليلاتهم؟


هل يُعقل بأن عمل كـ "كليوباترا" يتحدث عن أهم الحقب التاريخية وعن ملكة كادت أن تغيّر وجه التاريخ، وعمل يتحدث عن حضارات وإمبراطوريات تتصادم، وهم يناقشون ملابس الجندي في العمل إن كانت تغطي الركبة أم لا!، أو أن أقراط "كليوباترا" لم تكن بالشكل الدائري التي ظهرت عليه!.

أمين عام المجلس الأعلى للآثار في مصر "زاهي حواس" وجّه أيضاً انتقادات حادة للعمل؟


"زاهي حواس" وهو يعتبر (كرمز من رموز مصر) يكتب ويقول بأن العمل عُرض عليه ولم يوافق، لكنه لم يذكر السبب، رغم أن السبب معروف وإن أردتم اسألوا الشركة لتعرفوا السبب الذي لا يحق لي التصريح عنه لأنه يبقى من أسرار الشركة، ولكنه يصرح بعد ستة أشهر بأنه كان على علم بأن العمل مليء بالأخطاء التاريخية لكنه لم يتكلم عنها، وإن اعتبرنا أن هذه المسألة صحيحة فهذا يعني وجوب تحويل "زاهي حواس" للقضاء المصري لسكوته كل تلك المدة عن عمل يشوّه تاريخ مصر، فانتظاره في التصريح حتى الانتهاء من تنفيذ عمل كلف أكثر من أربعين مليون جنيه، وتكلمه عن الأخطاء التاريخية بعد عرضه أمام المصريين دليل على وجود كذب وخداع...، هذه إجابتي في حال كنت أرد على "زاهي حواس" بحسب ما نطق به نفسه، ولكن من ناحية أخرى أطلب من "زاهي حواس" أن يشير بأسلوب علمي إلى خطأ تاريخي واحد وقع فيه العمل، فإنه لن يجده.

لنكن دقيقين أكثر فـ "زاهي حواس" تحدث عن أخطاء تتعلق بالملابس والديكور، وفضّل أن يكون العمل باللهجة المصرية بدلاً من العربية الفصيحة؟


هذه تفاهة نحن نتحدث عن دراما جادة وعن تحولات تاريخية محورية، وهو ينتقد أقراط كليوباترا والتماثيل الموجودة في عمق الكادر بأنها لا تنتمي إلى عصرها، وكيف يتحدث عن لهجة عامية ولغة فصحى في عصر لم توجد فيه أياً من هذه اللغات.

التفاهة في الانتقاد وصلت إلى أكثر من ذلك، فقد اعتبروا مثلاً أن حركة اليدين في الرقصات كانت صحيحة ولكن حركة الخصر كانت خاطئة...، انظر إلى هذه التفاهة ثم ما أدراكم بهذه التفاصيل، حتى المؤرخين أنفسهم يختلفون في نظرتهم إلى كليوباترا، فالمؤرخون الغربيون ينظرون إليها نظرة فوقية متعالية على أنها ساقطة كانت تستقبل يوليوس قيصر في حمامها الخاص كما ظهر ذلك واضحاً في فيلم "إليزابيث تايلور"، وبعض المؤرخين في الشرق نظروا إليها كأحد أهم الشخصيات التاريخية، وأنا بدوري كتبت عنها كإنسانة عظيمة لأنها بالحد الأدنى أتقنت خمس لغات في عصرها وقرأت الحضارتين الفرعونية واليونانية، وحكمت مصر عشرين عاماً وسط محيط من الأعداء، وأنا من حقي أن أقرأ تاريخ كليوباترا بناءً على المعطيات التي يقدمها لي هذا العصر، ولكن أسفي الشديد أيضاً على أولئك الصحفيين الصغار الذين أشاروا إلى وجود أخطاء تاريخية بشكل عابر دون إثبات علمي لهذا الخطأ ، ودون أن يكونوا قد اطلعوا على التاريخ أصلاً.

ألم يقف أحد من الأطراف المصرية إلى جانب العمل؟


وقفت إلى جانب العمل الكاتبة والناقدة "ماجدة خير الله" التي اعتبرت العمل جيد جداً ورائع لأنه يتناول هذه الحقبة بأسلوب هادئ ورصين، وتوّقعت النقد الكبير لسبب واحد فقط هو أن الكاتب والمخرج سوريان.

بورتريه لقمر الزمان علوش

أراك ما زلت تكتب مشاهدك على الورق؟


أنا لم أتكيف مع التكنولوجيا، انظر إلى الكومبيوتر إنه في الزاوية منذ عشرين عاماً لم أستخدمه ولا أعرف كيفية استخدامه.

منذ متى تدخن؟


منذ خمسين عام أو أكثر.

هل ستقلع عن التدخين قريباً؟


(نافياً برأسه بعد أن أخذ مجةً من سيكارته) إطلاقاً.

كيف أثرت البيئة الساحلية التي ترعرعت فيها في نتاجك الفني؟


منحتني مدى واسع للحلم، ومنحتني الشخصيات الغريبة وأعطتني ثقافة المكان الذي أصبح دائماً يملك حكاية.

والعاصمة؟


لا شيء.. (مستدركاً) منحتني العاصمة ثقافة عن العالم وأعطتني السياسة وكل ما يتعلق بالتفكير، أما في العمق فمدينة "جبلة" الساحلية هي حاضنة حلمي وخيالي وكتاباتي.

كاتبك المفضل؟


غابرييل غارسيا ماركيز، طبعاً هناك آخرون ولكن ماركيز وضع علامةً في حياتي وفي طريقة كتابتي.

كلمة أخيرة..


أشكر موقع بوسطة على اهتمامه ومتابعته، متمنياً لكم دوام التقدم.