2012/07/04

قنوات الدراما
قنوات الدراما

  محمود حسونة-دار الخليج تشغل الدراما بال قطاع عريض من الناس هذه الأيام، بعد أن حاصرنا صناعها بألوان وأشكال منها، تطل علينا من كل اتجاه، وتتحدث جميع اللهجات العربية، وترتدي ملامح وملابس عصرنا كما ترتدي ملامح وملابس عصر أجدادنا، تروي لنا الحكايات وتقلب معنا صفحات التاريخ، وتستحضر لنا شخصيات شغلت الناس أحياء وأمواتاً، وتسرد علينا قصصاً وتعرض تجارب لعلنا نستفيد منها، ونتعلم من دروسها، وأحياناً تتعمق في داخلنا لتكشف لنا المستور وتطلعنا على تجارب بعضنا بعضا، وتقول عنا ما نعجز أن نقوله عن أنفسنا . ولأن حكاياتها متعددة، وأعمالها كثيرة، والإقبال عليها كبير، حاول البعض استغلالها في الفضاء العربي، حيث خصصت لها القنوات العامة المساحات الزمنية الكبرى من خريطتها، وأزاحت نشرات الأخبار والبرامج بأنواعها، والأغاني والأفلام، كما هرول أصحاب القرار الإعلامي والمستثمرون ورجال المال والأعمال إلى إنشاء قنوات وقنوات متخصصة في الدراما، تتنافس على عرض الجديد من الإنتاج الدرامي في رمضان، وتتفرغ بقية العام للإعادة والتكرار . هؤلاء لم يبتكروا شيئاً، ولكنهم فقط قلدوا شبكة “أوربت” التي أنشأت قبل سنوات قناة للمسلسلات، ونتيجة نجاح التجربة أتبعتها بقناة ثانية لاستيعاب الكم الكبير الذي تشتريه من الأعمال الرمضانية . وعلى نهج “الأوربت” سار الآخرون في ما بعد لتمتلئ سماواتنا بفضائيات الدراما، وكانت البداية من القاهرة التي أطلقت “نايل دراما” في إطار شبكة قنوات النيل المتخصصة، ثم كانت قنوات الحياة مسلسلات، الحياة دراما، أوسكار دراما، بانوراما دراما، ميلودي دراما، إم بي سي دراما، وأبوظبي دراما، وغيرها . ولعل هذا التكاثر في قنوات الدراما جاء بعد أن غطت السماوات العربية قنوات الأغاني والموسيقا والكليب، والتي جذبت الجمهور في بدايتها، ثم ما لبثت أن انطفأ وهجها وانصرف الناس عنها، وأصبحت عبئاً على مالكيها لدرجة أن بعضهم أغلقها أو حولها إلى نشاط آخر كمن ينشئ شركة للتجارة في سلعة معينة، وعندما لا تحقق الغرض وبدلاً من أن تحقق أرباحاً تستنزف رأس المال في الخسائر، لا يجد مالكها أمامه حلاً سوى تغير النشاط أو إغلاق الشركة، والقناة الفضائية في زماننا هذا ليست سوى شركة استثمارية تحتمل الربح والخسارة، بعيداً عن شعارات الرسالة الإعلامية وتوابعها . من حق أي أحد أن ينشئ قناة متخصصة في الدراما، ولكن إذا أراد النجاح فعليه أن يعي مفردات المنتج الذي تبثه هذه القناة، وحبذا لو أنه خاض تجربة إلانتاج، حتى لا يتحول إلى موزع ومستهلك لسلع الآخرين، خصوصاً أن النجاح لن يتحقق إلا لمن لديه القدرة على تقديم الجديد والمختلف عما يقدمه الآخرون، أما من يكرر ويقلّد ويسير في ركب السابقين فلا نجاح لقناته ولا أرباح له . ولعل ما يثير الاستغراب والاستهجان هم هؤلاء الذين ينشئون قنوات “البلاس” مثل “نايل دراما” و”نايل دراما +2”، والأخيرة تعرض ما تعرضه الأولى، ولكن متأخرة بعد ساعتين، ولا أدري هدفاً لهذه القنوات التي لا تجتذب معلنين سوى إنفاق مال فائض في الهواء، والأكثر غرابة هو تلك القنوات التي تعرض نفس المسلسلات التي تعرضها أخواتها من القنوات العامة، ولكن متأخرة عنها يوماً، ولا أعتقد أن أحداً يشاهد هذه القنوات ولا يتوقف عندها ولو بمجرد لحظات من وقته . المسلسلات كثيرة والقنوات متعددة والميزة الوحيدة أن المشاهد أصبح لديه العديد من الخيارات، وما عليه سوى اتخاذ القرار .