2012/07/04

	(كلهم أبنائي) عرض لجشع وطمع تجار السلاح على حساب العائلة والمجتمع والوطن
(كلهم أبنائي) عرض لجشع وطمع تجار السلاح على حساب العائلة والمجتمع والوطن


لمى طباخة – الوطن السورية

افتتح المسرح القومي العرض المسرحي «كلهم أبنائي» إعداد وزير الثقافة الدكتور رياض عصمت لمصلحة المسرح القومي عن نص الكاتب الأميركي الراحل آرثر ميلر وإخراج مأمون الخطيب على خشبة مسرح الحمراء حيث يتحدث العرض عن جشع وطمع أحد تجار قطع السلاح على حساب العائلة والمجتمع والوطن دون الاهتمام بالقيم الإنسانية أو حتى التفكير بالمسؤولية ولكن في النهاية يدفع المخطئ ثمن أخطائه ليفقد ابنه بسبب أفعاله.

«الوطن دائماً على حق» هكذا يوقع المخرج مأمون الخطيب على نسخته السورية من العرض المسرحي «كلهم أبنائي» مستخدماً لغة أقرب إلى العامية الشامية صيغةً لمسرحيته، وفي حديث لـ«الوطن» قال الخطيب: «قمت من خلال العمل التركيز على إبراز إنسانية مفهوم الوطن وإسقاط مقولة النص على ما تعيشه سورية من أحداث حيث إن العمل يقدم الوطن ومصلحته فوق أي مصلحة فردية وآنية، وكان للديكور دور مفصلي في إبراز فضاء اللعب المكاني والزماني في آن معاً، كما كان للمثلين مساحة متوازنة من الحركة على خشبة المسرح وكل ذلك وفق أسلوب المدرسة الواقعية في المسرح التي طالما عمل عليها ميلر متأثراً بواقعية النرويجي هنريك إبسن نحو تغيير الواقع الاجتماعي ورفع الصوت عالياً لتحقيق إنسانية الإنسان وكرامته».


المسؤولية والمجتمع والفجوة بين الأجيال

تركز المسرحية على صراع جو كيلر مع المسؤوليات، مسؤوليته تجاه عائلته ومسئوليته تجاه المجتمع، فهو يرى أن ما فعله من شحن أسطوانة تالفة ما تسبب في وفاة 21 طياراً له ما يبرره، حيث إنه بذلك وفر المال لعائلته، كما أنه سيورث ابنه كريس أعماله التجارية.

يبرر كيلر تصرفاته بأنه يعتقد أن التزامه تجاه أسرته أولى من التزامه تجاه المجتمع، ففي نظر كيلر ليس هناك ما هو أهم من الأسرة فهو يقول: «أنا والده وهو ابني، وإذا كان هناك شيء يطغى على ذلك فسأقتل نفسي!». فينتقد ميلر هذه النظرة القاصرة للعالم.

والفكرة الرئيسية لقصة «كلهم أبنائي» هي فكرة آرثر ميلر بأن لدى الناس مسؤولية أكبر تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، وهذا ما يدركه كريس ابن جو، فعلى العكس من والده، يرى كريس أن المجتمع يشغل جزءاً رئيسياً من مسؤولية الشخص، وعندما يكتشف الحقيقة يثور على أبيه قائلاً: «ماذا أنت بحق الجحيم؟ إنك لست كالحيوان حتى، فالحيوان لا يقتل أبناءه، ماذا أنت؟ ماذا علي أن أفعل تجاهك؟ عليّ أن أقاطعك، ماذا يجب أن أفعل؟»، وهنا كأن كريس يتحدث بلسان آرثر ميلر. يبدو أن كيلر ما زال لا يفهم سبب ألم ابنه، فهو لا يقول إلا: «كريس... كريس يا بني...».

لم يكن كيلر يرى وجهة نظر الجيل القادم، إلا بعد اكتشافهم خطاب لاري، بعد الاستماع لرسالة لاري، أجاب كيلر عن سؤال كريس: «أفهمت ذلك الآن!؟» أجاب بـ«نعم... أعتقد ذلك» ومن هنا يأتي عنوان المسرحية، عندما أدرك جو كيلر في النهاية أن «كلهم كانوا أبنائي». يقتل كيلر نفسه في الصفحات القليلة الأخيرة من المسرحية، ويترك كيت بمفردها، وهو ما كانت دائماً تخاف منه، ولكن ظهور الحقيقة أعطاها شيئاً من القوة، فقالت في السطر الأخير من المسرحية لابنها وهي تراه قي حالة هستيرية: «عش حياتك... انس ما حدث... عش حياتك» كي تخلصه من الشعور بأي مسؤولية تجاه انتحار كيلر.


الحلم الأميركي

قصة «كلهم أبنائي» هي نقد للحلم الأميركي، فجو كيلر، يمثل المواطن الأميركي العادي، عاش خلال فترة الكساد وعلى الرغم من نقص التعليم تمكن من امتلاك مصنع ويأمل أن يورثه لابنه، ومع ذلك أدى سعي كيلر وراء المال إلى تسببه في مقتل 21 طياراً أميركياً.

حقق كيلر «الحلم الأميركي» من الناحية الظاهرية، حيث كان يعيش في منزل مريح على الرغم من كونه غير متعلم، حيث يؤكد ميلر خواء الحلم الأميركي، وأنه ينبغي أن نفكر في عواقب أفعالنا، هذه الراحة المادية التي عمل كيلر على توفيرها لأسرته كان عمرها قصيراً، فأسرته القوية أصبحت وهماً، حيث مرضت زوجته، وسخط كريس عليه، أما لاري فانتحر نتيجة ضيق أفق أبيه، وقراره الخاطئ، فمن خلال رسالة لاري أدرك كيلر أنه لم يقتل ابناً واحداً، لكنه قتل أبناء بلده أيضاً، وهو ما يؤكده عنوان المسرحية، وفي الختام، أصبح الحلم الأميركي وكأنه الكابوس الأميركي. أظهر كريس مسؤولية أخلاقية في حين إن والده جو أظهر مسؤولية مكثفة تجاه الأسرة.


الاستغلال في زمن الحرب

سمة أخرى تظهر في «كلهم أبنائي» وهى التربح في زمن الحرب، نظراً للعقود الكبيرة التي كانت هناك عندما دخلت أميركا الحرب على جبهتين، هذا خلق ظروفاً ملائمة لما وصفه آرثر ميلر بأنه استغلال على نطاق واسع، فجانب من غضب كريس كيلر كان بسبب تفانيه في القتال في الحرب وعلى النقيض من ذلك أنانية جني المال من الحرب.

يجدر الذكر أن عرض «كلهم أبنائي» على خشبة مسرح الحمراء فمن إنتاج وزارة الثقافة- مديرية المسارح والموسيقا- المسرح القومي ومن تمثيل: مروان فرحات، غسان الدبس، رائفة أحمد، هدى الخطيب، أسامة تيناوي، مؤيد الخراط، رنا كرم، أيهم الآغا، ندى العبد الله، مخرج مساعد آنا عكاش، مساعد مخرج رامي عيسى، سينوغرافيا وسام درويش، أزياء ربيع الحسن، إضاءة بسام حميدي، مكياج هناء برماوي، موسيقا سامر الفقير، فوتوغراف يوسف بدوي، ديكور ريم أحمد، والعرض مستمر حتى منتصف كانون الثاني القادم يومياً على مسرح الحمراء بدمشق.