2012/07/04

لم يعد لـ(الغفران) مكان فحياتنا (بقعة عتمة) متنقلة...عن أي (توق) نتحدث في زمن (الولادة من الخاصرة)؟
لم يعد لـ(الغفران) مكان فحياتنا (بقعة عتمة) متنقلة...عن أي (توق) نتحدث في زمن (الولادة من الخاصرة)؟


محمد أمين – الوطن السورية

تقف الدراما العربية على مفترق طرق وخاصة أن مزاجاً عربياً جديداً قد بدأت تظهر ملامحه في الأفق فما جرى وما زال يجري على أكثر من صعيد في العالم العربي قد حفر بإزميله عميقاً في الشخصية العربية التي من المحتمل أن تنقلب على ذاتها ملقية بالكثير مما حمّلت على مدى عقود لإبقائها أسيرة الركود والصمت. إن الدراما العربية أمام خيارات صعبة فقد فَتُرَ حماس وتعاطف الجماهير معها وخاصة أنه شعر أن هذه الدراما لم تكن تدفع باتجاهات هذه الجماهير وإن ما قدمته كان بالمجمل غث ساعد في حماية بحيرات العفن الراكدة من أي محاولات تحريك. اكتشفت الجماهير أنها كانت دراما ماضٍ وربما راهن مزيف ولكنها لم تكن على الإطلاق دراما مستقبل.

وقد لفتني ما قاله المخرج هشام شربتجي في تصريح صحفي له حيث رأى أن ما قدمته الدراما التلفزيونية السورية «بما في ذلك ما قدمته أنا» عن دمشق «زيف الواقع الذي كانت تعيشه العاصمة تلك الأيام» وربما هذا الكلام ينسحب على الكثير مما قدمته هذه الدراما ولا يقتصر على ما قُدم عن مدينة دمشق من أعمال اصطلح على تسميتها البيئة الشامية التي ستكون حاضرة في رمضان القادم بثلاثة أعمال هي الجزء الثاني من مسلسل (الدبور) للمؤلف مروان قاووق والمخرج تامر إسحق، ومسلسل (طالع الفضة) وهو من تأليف وبطولة الفنان عباس النوري وإخراج سيف الدين سبيعي، ومسلسل (الزعيم) وهو من تأليف الفنان وفيق الزعيم وإخراج بسام ومؤمن الملا، كما ستكون الكوميديا حاضرة أيضاً بالعديد من الأعمال لعل أبرزها مسلسل (دار الخربة) للمؤلف ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو وبطولة أبرز فناني الكوميديا السورية وعلى رأسهم الفنان دريد لحام، وهناك جزء ثامن من الكوميديا السوداء (بقعة ضوء) بإشراف من مازن طه وتأليف عدد كبير من الكتاب وبتوقيع مخرج جديد هو عامر فهد ومن المفترض أن تعرض النسخة الجديدة من سلسلة (مرايا) للفنان ياسر العظمة والمخرج سامر برقاوي وهناك مسلسل سوري مصري يحمل عنوان (صايعين ضايعين).

كما أنتجت الدراما السورية لموسم 2011 العديد من المسلسلات المعاصرة أمثال: (الغفران، تعب المشوار، الولادة من الخاصرة، جلسات نسائية، الانفجار، صبايا، العشق الحرام، وسواها) وهناك أعمال تاريخية وبدوية أمثال (دليلة والزيبق) و(توق) وهناك مسلسل يتناول سيرة حياة الشاعر الراحل محمود درويش.

وهناك أعمال أخرى منها ما تنتجه مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي من أعمال منها (سوق الورق) و(ملح الحياة) وربما يتجاوز الإنتاج سقف الثلاثين عملاً درامياً تلفزيونياً الكثير منها قد تم تسويقه على الأقل لمحطة أو محطتين للعرض في رمضان.

ولكن هناك من حذر من مشاكل بالتسويق الحديث عنها ليس بالجديد أو الطارئ ولكن التساؤل المشروع هل ستجد هذه المسلسلات من يتابعها ويتفاعل معها ويتناقل أحداثها في رمضان المقبل كما كان يحصل في رمضانات سابقة هل ما يجري على الأرض سيترك للمشاهدين متسعاً من وقت وروح لمشاهدة هذه المسلسلات، فالمرايا قد تكسرت كلها وتناثرت شظاياها في كل اتجاه وطالت القلوب وأدمت العيون، والخراب قد حلو ضرب أطنابه فينا حيث تحولت حياتنا كلها إلى بقع عتمة متنقلة وخوف وترقب مشوب بالحذر وأصبحنا ضايعين أمام ما تحمله نشرات الأخبار من أبناء متضاربة ومتناقضة إلى حد بعيد إلا في شيء واحد هو الإيلام إلى حد الوجع كلها قد اتفقت على ذلك.

قد لا يجد المشاهد وقتاً ومزاجاً لمتابعة (الولادة من الخاصرة) فالخواصر كلها تنزف أسى وحزناً والأيام حبلى ولا ندري ما ستلد وهل ستكون الولادة من الخاصرة؟

لم يعد لـ(الغفران) مكان في هذا الزمان فالأحقاد تتوالد والشروخ تزيد والهوّات تتسع حيث لم يعد مسموعاً صوت (محمود درويش) وسط هذه الجلبة الطاغية ووسط تمترس وتخندق غير مسبوق ولكنه غير مستغرب خلف الأفكار التي تحولت إلى هواجس لقد نسينا «ألا تحفظون من الشعر شيئاً لكي توقفوا المذبحة» لا وقت للشعراء حيث لم يعد لدينا (توق) لأي شيء لقد فقد كل شيء معناه فعلى أي توق نتفرج؟ لا (طالع الفضة) ولا (الدبور) ولا (رجال العز) ولا حتى (الزعيم) قادرة على زحزحة المشاهدين عن متابعة اللحظة وتفتيش تفاصيلها لحظة لحظة فالدبابير في كل مكان.

ما أصعب أن تكون الدراما في واد ومشاهدها في واد آخر. لا وقت لـ(الانفجار) وكل يوم نعيش انفجارات أقسى وأمرّ فبعد انفجار الروح أصبحت كل الانفجارات الأخرى بلا أهمية، لا وقت للعشق سواء كان حراماً أم حلالاً فقد انتهت الـ(جلسات نسائية) وأغلق سوق الورق أبوابه وفقدت الحياة كل شيء حتى ملحها.