2013/05/29

محطات من رحلة العمر في الفن...عبد الرحمن أبو القاسم في شهادة له في فن القضية الفلسطينية في سورية
محطات من رحلة العمر في الفن...عبد الرحمن أبو القاسم في شهادة له في فن القضية الفلسطينية في سورية


أوس داوود يعقوب – الوطن السورية

هل يعلم أحدكم كيف تصفر الريح.. حسناً أنا أعرف عندما كنت أذهب إلى دير «ستنا حنة» في صفورية (في فلسطين المحتلة)، كنت أسمع صفير صوت الريح لأن الدير كان وقتها خارج القرية. ويقال والعهدة على الراوي..

إن اسم «صفورية» جاء بالأساس من «صفير الريح» الذي كان يسمع هناك، تلك (إحدى الروايات).

على الصعيد الشخصي يربطني بدير «ستنا حنة» رابط لا انفكاك منه.

مدرج طفولتي.. وراهبات هذا الدير هن اللواتي هذبن طفولتي وبين أيديهن بدأت أرى الحياة رويداً رويداً. إلى أن جاء مفرق الجماعات أقصد (الاحتلال الصهيوني) وألقى بنا كل في قطعة من أرض الله الواسعة حتى يتسنى له المقام في أرضنا وبيتنا وعلى أنقاضنا.

خرجنا حفاة عراة. والشوك أدمى أقدامنا الغضة الطرية ورحنا نضرب في أرض الله علنا نجد الأمن والأمان.

حتى حطت رحالنا في نهاية المطاف في دمشق عروس العالم. دمشق التي تنفسنا هواءها وأكلنا من خيراتها عبر أربعة وستين عاماً مضت.

في المرحلة الابتدائية قيض لي الله تعالى فرقة مسرحية جوالة. جاءت إلى المدرسة وقدمت بعض العروض المسرحية. كان بعضهم يلعب ألعاب الخفة بما يشبه السحر. استهوتني لعبة المسرح وسحره ورحت أقلدهم في الحواري والطرقات بين المعارف والأصدقاء. ثم شاركت في الاحتفالات المدرسية السنوية في عدة عروض مسرحية.

وكلما تقدم بي العمر كنت أزداد إيماناً أنه من الواجب علي أن أخدم ناسي وأهلي وعشيرتي وكل أبناء شعبي بشكل خاص والعرب بشكل عام.

انتسبت إلى النوادي المسرحية والفنية في دمشق (النادي الفني، الفرقة السورية، نادي الأزبكية) وكان ممن بدأت معهم مشوار المسرح المرحومان (عدنان بركات، محمد جبولي)، ومحمود جركس أمد الله في عمره. كنت أصغرهم سناً ولكني كنت أحب المسرح كثيراً قدمنا بعض العروض المسرحية منها مسرحية (وقتلوا عدنان) وبعض المسرحيات الوطنية الأخرى وهنا بدأت أتلمس الحس الوطني وذلك المشوار الطويل الذي يمكن أن يبدأ بالمسرح وبالفطرة شعرت أن للمسرح دوراً ريادياً ومهماً في المسألة النضالية عموماً. وأن بين طياته يمكن أن يحمل رياح التغيير والبحث والسمّو بما يمكن أن نسمّو به لمصلحة المجتمع الذي نعيش به.. فسكنني المسرح ودور المسرح وقادني لتقديم ما يمكن لخدمة المجتمع الذي نعيش به على الصعيد السياسي والحياتي معاً سكنّا المسرح والمسرح سكن بنا وبطبيعة الحال كان ذلك على حساب تحصيلي العلمي.. وفي حدود فهمنا في حينه لماهية المسرح ودوره في النهوض بالحالة الإبداعية والتثقيفية المجتمعية.. بدأنا العمل مع فرسان المسرح في حينه أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (طلحت حمدي، صالح الحايك، عاطف السلطي، صبري سندس مخرجاً، أحمد جبر، يوسف الأبطح، يوسف شويري، بسام لطفي، نصر شما، محمد طاهر، انتصار شمّا، محمد صالحية، داوود يعقوب، وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة.. بدأنا نكبر وبدأ اهتمامنا بالمسرح يكبر معنا.

وبدأنا نعرف تماماً ماذا نريد من المسرح.. كل ذلك كان قبل أن يقبل الضيف الشفيف الظل الذي استلب حياة الكل ألا وهو التلفزيون في عام 1960م.

دخلنا مرحلة جديدة مع هذا الجهاز العجيب، وبدأنا نعمل في هذا المجال وعلى استحياء ذلك لأننا كنا نجهل عنه كل شيء إلى أن أصبحنا نعلم عنه كل شيء. وظفّ التلفزيون في تقديم أهم الأعمال الدرامية، السياسية منها والاجتماعية.

ولقد شاركت بعدد ليس بالقليل في تلك الأعمال. كنت من الفنانين القلائل الذين تم استدعاؤهم للعمل خارج سورية. في الخليج، وفي الأردن، وفي اليونان، كان بعض المنتجين سوري الأصل والبعض الآخر من جنسيات مختلفة.

تفتحت عيناي على تاريخ العرب. وعشقت الأعمال التاريخية، وأبحرت في بحرها. في دائرة الثقافة الفلسطينية (دمشق) على سبيل المثال شاركت بمسلسل «عز الدين القسام»، ومسلسل «بأم عيني»، وغيرهما.

كما شاركت في عدة أفلام سينمائية، بعضها كان محوره القضية الفلسطينية، منها «عملية الساعة السادسة» للمخرج الراحل سيف الدين شوكت، و«الهوية» للمخرج غسان شميط. وفي العام الماضي شاركت بفيلم «طعم الليمون» للفنان نضال سيجري، في أول تجربة سينمائية له.

صار الحس الوطني يتبلور لديّ وبدأت أعي حقيقة دور الفن في خدمة القضية. ولاسيما أنني ابن قضية قدمت وما زالت تقدم الغالي والنفيس من أجل إنضاج أسباب انتصارها، مشواري كان ولا يزال في خدمة قضيتي المركزية فلسطين.. ها أنا اليوم بدأت أتجاوز السبعين ومازلت أوقف حياتي لخدمة هذا المشروع الوطني النبيل لأنني بدأت أشعر اليوم أنني مطالب أكثر من أي وقت مضى لأوقف ما بقي من حياتي في خدمة أقدس عرفها التاريخ. الآن في جعبتي عدد من المشاريع وعلى رأسها المسرح علّي أستطيع أن أخدم قضيتي الفلسطينية والقضايا العربية التي لا تنفصل عراها. وبما أن الله منَّ عليّ بزيارة فلسطين مؤخراً ازداد عندي الإحساس واليقين في أهمية هذا الدور.. حالياً أنجزت مشروعاً مسرحياً من تأليف الكاتب المسرحي الكبير (فرحان بلبل) بعنوان «أحبها». وهي (مونودراما) قام بإخراجها (نوار بلبل).

في هذا النص يحاول (فرحان) الحديث عما يجري في المنطقة العربية وعلاقته في القضية الفلسطينية. قراءة جديدة لواقع راهن هذه المسرحية تحمل في طياتها بعضاً من الكوميديا السوداء يحاول (فرحان) أن يقول: إن ما يجري في الوطن العربي من ربيع وخريف وسواه يعود في الأصل إلى القضية الأم فلسطين، وإنه دون حل هذه القضية لا حل لباقي القضايا.. هذه بانوراما سريعة عن الفترة الممتدة عبر أربعة وستين عاما مضت.